للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى مَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَرَّ عَلَى أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَهُوَ يُلَازِمُ غَرِيمًا لَهُ» الْحَدِيثُ.

وَلَيْسَ تَفْسِيرُ الْمُلَازَمَةِ أَنْ يُقْعِدَهُ فِي مَوْضِعٍ وَيَقْعُدَ إلَى جَنْبِهِ. فَإِنَّ ذَلِكَ حَبْسٌ وَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يُثْبِتَ دَيْنَهُ عَلَيْهِ وَلَكِنَّ (تَفْسِيرَ الْمُلَازَمَةِ) أَنْ يَدُورَ مَعَهُ حَيْثُمَا دَارَ، فَإِذَا دَخَلَ عَلَى أَهْلِهِ قَعَدَ مَنْ يُلَازِمُهُ عَلَى بَابِ دَارِهِ، وَإِنْ كَانَ يَخَافُ أَنْ يَهْرُبَ مِنْ جَانِبٍ آخَرَ فَإِمَّا أَنْ يَقْعُدَ مَعَهُ عَلَى بَابِ دَارِهِ حَيْثُ يَرَاهُ أَوْ يَأْذَنَ لَهُ فِي أَنْ يَدْخُلَ مَعَهُ لِيُلَازِمَهُ؛ إذْ الْمَقْصُودُ هُوَ الْأَمْنُ مِنْ هُرُوبِهِ، وَالتَّمَكُّنُ مِنْ إحْضَارِهِ إذَا أَحْضَرَ شُهُودَهُ وَلَا يَحْصُلُ إلَّا بِذَلِكَ وَإِنْ أَحَبَّ أَنْ يَسْتَحْلِفَهُ فَعَلَ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ حَقُّ الدَّعْوَى قِبَلَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَلَهُ فِيهِ غَرَضٌ صَحِيحٌ، وَهُوَ التَّوَصُّلُ إلَى حَقِّهِ فِي أَقْرَبِ الْأَوْقَاتِ بِنُكُولِهِ وَفِيهِ اخْتِلَافٌ بَيْنَ أَبِي حَنِيفَةَ وَصَاحِبَيْهِ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ - وَمَوْضِعُ بَيَانِهِ شَرْحُ أَدَبِ الْقَاضِي لِلْخَصَّافِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَسْجُنَهُ؛ لِأَنَّ الْحَبْسَ أَقْوَى الْعُقُوبَاتِ فِي دَعْوَى الْمَالِ فَلَا يَثْبُتُ بِمُجَرَّدِ الدَّعْوَى قَبْلَ أَنْ يَثْبُتَ الْمَالُ عَلَيْهِ، وَإِنْ قَالَ الطَّالِبُ: خُذْ لِي مِنْهُ كَفِيلًا بِالْعَيْنِ الَّتِي ادَّعَيْتهَا فِي يَدِهِ أَخَذَ لَهُ كَفِيلًا بِهَا أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ إلَّا بِإِحْضَارِ الْعَيْنِ، وَرُبَّمَا يُخْفِيهَا الْخَصْمُ وَلَا وَجْهَ لِإِخْرَاجِهَا مِنْ يَدِهِ قَبْلَ إقَامَةِ الْمُدَّعِي حُجَّتَهُ، وَكَانَ أَخْذُ الْكَفِيلِ بِهَا وَأَخْذُ الْكَفِيلِ بِنَفْسِهِ سَوَاءً، وَإِنْ كَانَ الْكَفِيلُ بِنَفْسِهِ وَبِذَلِكَ الشَّيْءِ وَاحِدًا جَازَ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ حَاصِلٌ، وَإِنْ أَرَادَ الطَّالِبُ كَفِيلًا بِنَفْسِهِ وَوَكِيلًا فِي خُصُومَتِهِ؛ فَإِنَّ الْقَاضِيَ يَأْمُرُ الْمَطْلُوبَ أَنْ يُعْطِيَهُ ذَلِكَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ هَكَذَا قَالَ هُنَا؛ لِأَنَّ الْخَصْمَ رُبَّمَا لَا يُبَالِي بِالْكَفِيلِ بِالنَّفْسِ وَيَهْرُبُ فَلَا يَتَمَكَّنُ الْمُدَّعِي مِنْ إثْبَاتِ حَقِّهِ بِالْبَيِّنَةِ عَلَى الْكَفِيلِ وَفِي الزِّيَادَاتِ قَالَ: لَا يُجْبَرُ عَلَى إعْطَاءِ الْوَكِيلِ فِي خُصُومَتِهِ. هَذَا هُوَ الْأَصَحُّ؛ لِأَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ يَقُولُ: أَنَا أَهْدَى إلَى الْخُصُومَةِ مِنْ غَيْرِي. خُصُوصًا فِي هَذِهِ الْحَادِثَةِ وَرُبَّمَا لَا يَنْظُرُ الْوَكِيلُ وَلَا يَشْتَغِلُ بِالدَّفْعِ بِمَا أَشْتَغِلُ بِهِ إذَا حَضَرْت.

فَفِي الْإِجْبَارِ عَلَى إعْطَاءِ الْكَفِيلِ إضْرَارٌ بِهِ، وَالْقَاضِي يَنْظُرُ لِأَحَدِ الْخَصْمَيْنِ عَلَى وَجْهٍ لَا يَضُرُّ بِالْآخَرِ. فَإِذَا أَرَادَ الطَّالِبُ أَنْ يَكُونَ ضَامِنًا لِمَا قُضِيَ لَهُ عَلَيْهِ فَإِنَّ الْقَاضِيَ لَا يُجْبِرُ الْمَطْلُوبَ عَلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّ بَعْدَ إثْبَاتِ الدَّيْنِ لَا يُجْبَرُ الْخَصْمُ عَلَى إعْطَاءِ الْكَفِيلِ بِهِ فَقَبْلَ إثْبَاتِهِ أَوْلَى. وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْمُدَّعَى عَيْنًا فَإِنَّ هُنَاكَ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ إثْبَاتِ الْمُدَّعَى إلَّا بِإِحْضَارِ الْعَيْنِ وَهُنَا يَتَمَكَّنُ مِنْ إثْبَاتِ الدَّيْنِ عِنْدَ إحْضَارِ الْخَصْمِ وَإِنَّمَا الْكَفِيلُ بِالْمَالِ هُنَا لِلتَّوَثُّقِ لِجَانِبِ الْمُطَالَبَةِ، وَلَمْ تَتَوَجَّهْ لَهُ مُطَالَبَةٌ بِالْمَالِ قَبْلَ إثْبَاتِهِ. فَكَيْفَ يُجْبَرُ عَلَى إعْطَاءِ الْكَفِيلِ بِهِ؟ وَإِنْ بَعَثَ الْقَاضِي مَعَ الطَّالِبِ رَسُولًا يَأْخُذُ لَهُ كَفِيلًا فَكَفَلَ بِهِ الْكَفِيلُ

<<  <  ج: ص:  >  >>