للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَبَى أَنْ يُبَيِّنَ وَجْهَهُ سَأَلَهُ الْبَيِّنَةَ لِأَنَّهُ بِدَعْوَى الْمَالِ قَدْ تَمَّ مَا كَانَ مُحْتَاجًا إلَيْهِ مِنْ جَانِبِهِ وَرُبَّمَا يَضُرُّهُ بَيَانُ الْجِهَةِ وَلَيْسَ لِلْقَاضِي أَنْ يُجْبِرَ أَحَدًا عَلَى مَا يَضُرُّهُ وَلَا أَنْ يَحْبِسَهُ إذَا امْتَنَعَ مِنْ ذَلِكَ، وَلَكِنْ يَسْأَلُهُ الْبَيِّنَةَ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ بَيِّنَةٌ اسْتَحْلَفَ الْمَطْلُوبَ بِاَللَّهِ مَالَهُ قِبَلَهُ هَذَا الْحَقَّ وَلَا شَيْءَ مِنْهُ فَإِنْ حَلَفَ دَعَا الْمُدَّعِي مَا عَلَى شُهُودِهِ وَفِي هَذَا بَيَانٌ مَا: أَنَّ لِلْمُدَّعِي أَنْ يَسْتَحْلِفَ الْخَصْمَ وَإِنْ كَانَ شُهُودُهُ حُضُورًا، وَهُوَ قَوْلُهُمَا فَأَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَلَا يَسْتَحْلِفُهُ إذَا زَعَمَ الْمُدَّعِي أَنَّ شُهُودَهُ حُضُورٌ. هَكَذَا ذَكَرَهُ فِي النَّوَادِرِ؛ لِأَنَّ مَقْصُودَ الْمُدَّعِي مِنْ ذَلِكَ هَتْكُ سِتْرِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَافْتِضَاحُهُ.

وَإِذَا شَهِدَ شَاهِدَانِ لِرَجُلٍ عَلَى رَجُلٍ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَقَالَ أَحَدُهُمَا: هِيَ بِيضٌ وَقَالَ الْآخَرُ: سُودٌ، وَلِلْبِيضِ صَرْفٌ عَلَى السُّودِ فَإِنْ ادَّعَى الطَّالِبُ الْبِيضَ أَوْ ادَّعَى الْمَالَيْنِ جَمِيعًا قَضَيْت لَهُ بِالسُّودِ لِاتِّفَاقِ الشَّاهِدَيْنِ عَلَى ذَلِكَ لَفْظًا وَمَعْنًى فَإِنَّ الْبَيَاضَ صِفَةٌ زَائِدَةٌ لَا تَثْبُتُ بِشَهَادَةِ أَحَدِهِمَا وَتَبْقَى شَهَادَتُهُمَا عَلَى أَصْلِ الْأَلْفِ فَيَقْضِي بِالْقَدْرِ الْمُتَيَقَّنِ وَهُوَ الشُّهُودُ. وَإِنْ ادَّعَى الْمُدَّعِي السُّودَ بَطَلَتْ شَهَادَةُ الشَّاهِدِ عَلَى الْبِيضِ لِأَنَّهُ أَكْذَبَهُ فِي ذَلِكَ وَلَا يَقْضِي لَهُ بِالسُّودِ حَتَّى يُحْضِرَ شَاهِدًا آخَرَ عَلَيْهَا، وَكَذَلِكَ لَوْ أَشْهَدَ بِكُرِّ حِنْطَةٍ فَقَالَ أَحَدُهُمَا: جَيِّدٌ وَالْآخِرُ: رَدِيءٌ، أَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِكُرِّ حِنْطَةٍ وَالْآخِرُ بِكُرِّ شَعِيرٍ؛ لَمْ يَقْضِ الْقَاضِي بِشَيْءٍ لِأَنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْجِنْسَيْنِ شَاهِدًا وَاحِدًا. وَالْمُدَّعِي إنَّمَا يَدَّعِي أَحَدَهُمَا فَيَكُونُ مُكَذِّبًا أَحَدَ شَاهِدَيْهِ.

وَلَوْ ادَّعَى عَلَيْهِ مِائَةَ دِرْهَمٍ فَشَهِدَ لَهُ بِهَا شَاهِدٌ، وَالْآخَرُ بِمِائَتَيْنِ؛ لَمْ تُقْبَلْ الشَّهَادَةُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَفِي قَوْلِهِمَا تُقْبَلُ عَلَى مِقْدَارِ الْمِائَةِ وَهَذَا بِنَاءٌ عَلَى مَا سَبَقَ أَنَّ عِنْدَهُمَا الْمُوَافَقَةُ بَيْنَ الشَّاهِدَيْنِ مَعْنًى يَكْفِي لِقَبُولِ الشَّهَادَةِ وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يُعْتَبَرُ اتِّفَاقُهُمَا فِي اللَّفْظِ وَالْمَعْنَى جَمِيعًا وَلَوْ ادَّعَى مِائَةً وَخَمْسِينَ فَشَهِدَ لَهُ أَحَدُهُمَا بِمِائَةٍ وَالْآخَرُ بِمِائَةٍ وَخَمْسِينَ؛ جَازَتْ شَهَادَتُهُمَا عَلَى الْمِائَةِ لِأَنَّهُمَا اتَّفَقَا عَلَيْهَا لَفْظًا وَمَعْنًى وَإِنَّمَا تَفَرَّدَ أَحَدُهُمَا بِزِيَادَةِ الْخَمْسِينَ وَهُمَا اسْمَانِ أَحَدُهُمَا مَعْطُوفٌ عَلَى الْآخَرِ.

وَلَوْ ادَّعَى خَمْسَةَ عَشَرَ فَشَهِدَ لَهُ شَاهِدٌ بِعَشَرَةٍ وَالْآخَرُ بِخَمْسَةَ عَشَرَ؛ لَا تُقْبَلُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي شَيْءٍ لِأَنَّ هَذَا كُلَّهُ اسْمٌ وَاحِدٌ لَقَدْرٍ مَعْلُومٍ بِدَلِيلِ أَنَّهُ خَلَا عَنْ حَرْفِ الْعَطْفِ فَهُوَ كَالْمِائَةِ وَالْمِائَتَيْنِ وَعِنْدَهُمَا تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ عَلَى الْأَقَلِّ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ وَهُوَ قَوْلُ شُرَيْحٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَإِنَّهُ شَهِدَ عِنْدَهُ شَاهِدَانِ: أَحَدُهُمَا بِتِسْعِمِائَةٍ، وَالْآخَرُ بِثَمَانِمِائَةٍ فَقَضَى شُرَيْحٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِالْأَقَلِّ وَرُوِيَ نَحْوُ ذَلِكَ عَنْ الْحَسَنِ وَإِبْرَاهِيمَ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ - وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: سَمِعْت ابْنَ أَبِي لَيْلَى - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقُولُ: شَهَادَةُ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ جَائِرَةٌ وَقَدْ بَيَّنَّا هَذَا فِي كِتَابِ الشَّهَادَاتِ أَنَّهُ قَوْلُ عُلَمَائِنَا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -

<<  <  ج: ص:  >  >>