الْمُكَاتَبِ لِأَنَّ مُطَالَبَتَهُ مُتَوَجِّهَةٌ عَلَى مَوْلَاهُ وَهُوَ مُلْحَقٌ بِالْأَجَانِبِ فِي حَقِّ أَكْسَابِهِ، وَكَذَلِكَ الْعَبْدُ التَّاجِرُ الَّذِي عَلَيْهِ الدَّيْنُ يَكُونُ لَهُ عَلَى مَوْلَاهُ دَيْنٌ وَلَا يُحْبَسُ لِحَقِّهِ، وَلَكِنْ لِحَقِّ الْغُرَمَاءِ وَالصَّبِيُّ التَّاجِرُ فِي السِّجْنِ مِثْلُ الرَّجُلِ يَعْنِي يُحْبَسُ لِأَنَّهُ يُؤَاخَذُ بِحُقُوقِ الْعِبَادِ فَيَتَحَقَّقُ ظُلْمُهُ، وَالْغُلَامُ الَّذِي يَسْتَهْلِكُ الْمَتَاعَ فَيَضْمَنُ قِيمَتَهُ وَلَهُ أَبٌ أَوْ وَصِيٌّ وَلَيْسَ بِنَاجِزٍ مِثْلُ ذَلِكَ يُرِيدُ بِهِ فِي حَقِّ الْحَبْسِ وَلَمْ يُذْكَرْ أَنَّهُ يُحْبَسُ الصَّبِيُّ أَوْ أَبُوهُ أَوْ وَصِيُّهُ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يُحْبَسُ وَلِيُّهُ وَفِي الْكِتَابِ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ حَيْثُ قَيَّدَهُ بِهَذَا اللَّفْظِ وَهَذَا لِأَنَّ الظُّلْمَ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ مِمَّنْ يُخَاطَبُ بِأَدَاءِ الْمَالِ وَوَلِيُّهُ هُوَ الَّذِي يُخَاطَبُ بِذَلِكَ لَا هُوَ وَبَعْضُهُمْ قَالَ: الْحَبْسُ لِلصَّبِيِّ بِطَرِيقِ التَّأْدِيبِ حَتَّى لَا يَتَجَاسَرَ عَلَى مِثْلِهِ وَلَكِنَّ هَذَا إنَّمَا يَكُونُ فِيمَا يُبَاشِرُ مِنْ أَسْبَابِ التَّعَدِّي قَصْدًا أَمَّا مَا وَقَعَ خَطَأً مِنْهُ فَلَا
وَلَا يَحْبِسُ الْعَاقِلَةَ فِي الدِّيَةِ وَلَا فِي شَيْءٍ مِنْهَا مِنْ الْأَرْشِ بِقَضَائِهِ عَلَيْهِمْ وَلَكِنَّهُ يُؤْخَذُ مِنْ الْأَعْطِيَةِ، وَإِنْ كَرِهُوا ذَلِكَ لِأَنَّ الدِّيَةَ إنَّمَا تُعْطَى مِنْ عَطَائِهِمْ لَا مِمَّا فِي أَيْدِيهِمْ مِنْ الْأَمْوَالِ حَتَّى يَتَحَقَّقَ الْمَنْعُ مِنْ قِبَلِهِمْ حَتَّى لَوْ كَانُوا مِنْ أَهْلِ التَّأْدِيَةِ وَلَيْسَ لَهُمْ عَطَاءٌ يُفْرَضُ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ فِي أَمْوَالِهِمْ فَإِذَا امْتَنَعُوا مِنْ أَدَائِهِ حُبِسُوا، وَكَذَلِكَ الذُّعَّارُ يُحْبَسُونَ أَبَدًا حَتَّى يَتُوبُوا وَالذَّاعِرُ الَّذِي يُخَوِّفُ النَّاسَ وَيَقْصِدُ أَخْذَ أَمْوَالِهِمْ فَكَانَ فِي مَعْنَى قُطَّاعِ الطَّرِيقِ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {إنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} [المائدة: ٣٣] الْآيَةَ
وَلَوْ أَنَّ غُلَامًا اسْتَهْلَكَ لِرَجُلٍ مَالًا وَلَهُ دَارٌ وَرَقِيقٌ وَعُرُوضٌ وَلَيْسَ لَهُ أَبٌ وَلَا وَصِيٌّ لَمْ يُحْبَسْ وَلَكِنَّ الْقَاضِيَ يَرَى رَأْيَهُ فِيهِ إنْ شَاءَ جَعَلَ وَكِيلًا بِبَيْعِ بَعْضِ مَالِهِ فَيُوفِي الطَّالِبَ حَقَّهُ، وَإِنْ كَانَ لَهُ أَبٌ أَوْ وَصِيٌّ يَجُوزُ بَيْعُهُ فَإِنَّهُ لَا يُحْبَسُ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَحْبِسُ مَنْ يُخَاطَبُ بِقَضَاءِ دَيْنِهِ لِمَا مَرَّ وَلَا يُحْبَسُ الصَّبِيُّ إلَّا بِطَرِيقِ التَّأْدِيبِ وَيُحْبَسُ الْمُسْلِمُ لِلذِّمِّيِّ بِدَيْنِهِ وَالذِّمِّيُّ لِلْمُسْلِمِ وَيُحْبَسُ الْحَرْبِيُّ الْمُسْتَأْمَنُ وَيُحْبَسُ لَهُ؛ لِأَنَّ مَعْنَى الظُّلْمِ يَتَحَقَّقُ فِي حَقِّ الْكُلِّ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.
بَابُ الْإِبْرَاءِ وَالْهِبَةِ لِلْكَفِيلِ (قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -): وَإِذَا قَالَ الطَّالِبُ لِلْكَفِيلِ: قَدْ بَرِئْتَ إلَيَّ مِنْ الْمَالِ الَّذِي كَفَلْتَ بِهِ مِنْ فُلَانٍ؛ فَهَذَا إقْرَارٌ بِالْقَبْضِ وَلِلْكَفِيلِ أَنْ يَرْجِعَ بِهِ عَلَى الْمَكْفُولِ عَنْهُ لِأَنَّهُ أَخْبَرَ عَنْ الْبَرَاءَةِ بِفِعْلِ مُتَعَدٍّ مِنْ الْمَطْلُوبِ وَالْكَفِيلُ إلَى الطَّالِبِ وَذَلِكَ بِفِعْلِ الْأَدَاءِ لِأَنَّ الْإِبْرَاءَ مُتَعَدٍّ مِنْ الْمَطْلُوبِ إلَى الطَّالِبِ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: قَدْ دَفَعْتَ إلَيَّ الْمَالَ أَوْ نَقَدْتنِي أَوْ قَبَضْتُهُ مِنْك، وَكَذَلِكَ الْحَوَالَةُ وَإِذَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute