للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مِنْ الصُّنَّاعِ؛ لِأَنَّ الْعَيْنَ عِنْدَهُ أَمَانَةٌ فِي يَدِ الْأَجِيرِ الْمُشْتَرَكِ وَلِهَذَا لَوْ هَلَكَ مِنْ غَيْرِ صُنْعِهِ؛ لَمْ يَضْمَنْ وَأَمَّا فِي قَوْلِ مَنْ يُضَمِّنُ الْأَجِيرَ الْمُشْتَرَكَ مَا هَلَكَ عِنْدَهُ بِسَبَبٍ يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ - فَالْكَفِيلُ ضَامِنٌ لِأَنَّ الْعَيْنَ عِنْدَهُمَا مَضْمُونَةٌ فِي يَدِ الْقَابِضِ بِنَفْسِهَا وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْمَغْصُوبِ فِي يَدِ الْغَاصِبِ فَتَصِحُّ الْكَفَالَةُ بِهِ.

وَلَوْ كَفَلَ بِعَبْدٍ رَجُلٌ إنْ هُوَ أَبَقَ مِنْ مَوْلَاهُ فَهُوَ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ مَا أَضَافَ الْكَفَالَةَ إلَى سَبَبِ وُجُوبِ الضَّمَانِ فَالْإِبَاقُ لَيْسَ بِسَبَبٍ يُوجِبُ ضَمَانًا لِلْمَوْلَى عَلَى عَبْدِهِ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَفَلَ بِدَابَّتِهِ إنْ انْفَلَتَتْ مِنْهُ أَوْ بِشَيْءٍ مِنْ مَالِهِ إنْ تَلِفَ؛ لِأَنَّ الْكَفِيلَ يَلْتَزِمُ مُطَالَبَةً هِيَ عَلَى الْأَصِيلِ وَذَلِكَ يَنْعَدِمُ هُنَا.

وَلَوْ اسْتَوْدَعَ رَجُلًا وَدِيعَةً عَلَى أَنَّ هَذَا كَفِيلٌ بِهَا إنْ أَكَلَهَا أَوْ جَحَدَهَا؛ فَهُوَ جَائِزٌ عَلَى مَا شَرَطَ لِأَنَّهُ أَضَافَ الْكَفَالَةَ إلَى سَبَبِ وُجُوبِ الضَّمَانِ، وَالْمُتَعَلِّقُ بِالشَّرْطِ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ كَالْمُنْجَزِ وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ: أَنَا كَفِيلٌ بِمَا صَالَحْته عَلَيْهِ مِنْ مَالٍ مِنْ الْقِصَاصِ الَّذِي تَمْلِكُ عَلَيْهِ فِي نَفْسٍ أَوْ مِنْ مَالٍ لَك عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ أَضَافَ الْكَفَالَةَ بِالْمَالِ إلَى سَبَبِ تَوَجُّهِ الْمُطَالَبَةِ بِهَا، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ: إنْ قَتَلَك فُلَانٌ خَطَأً؛ فَأَنَا ضَامِنٌ لِدِيَتِك فَقَتَلَهُ فُلَانٌ خَطَأً؛ فَهُوَ ضَامِنٌ أَرْشَهُ لِأَنَّهُ أَضَافَ الْكَفَالَةَ بِالْأَرْشِ إلَى سَبَبٍ مُوجِبٍ لَهُ وَهُوَ مِمَّا تُجْرَى النِّيَابَةُ فِي إيفَائِهِ وَلَوْ قَالَ: إنْ أَكَلَك سَبُعٌ أَوْ ذِئْبٌ فَأَنَا ضَامِنٌ لِدِيَتِك فَهَذَا بَاطِلٌ لِأَنَّهُ مَا أَضَافَ الضَّمَانَ إلَى سَبَبٍ مُوجِبٍ لَهُ وَلَوْ قَالَ: إنْ غَصَبَك إنْسَانٌ فَأَنَا ضَامِنٌ لَهُ فَغَصَبَهُ إنْسَانٌ شَيْئًا فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ عَمَّ مَعْنَاهُ أَنَّ الْمَكْفُولَ عَنْهُ مَجْهُولٌ جَهَالَةً مُتَفَاحِشَةً وَذَلِكَ يَمْنَعُ انْعِقَادَ الْكَفَالَةِ مُضَافًا كَانَ أَوْ مُجَرَّدًا وَلَوْ خَصَّ إنْسَانًا أَوْ قَوْمًا لَزِمَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمَكْفُولَ عَنْهُ مَعْلُومٌ.

وَلَوْ دَفَعَ ثَوْبًا إلَى قَصَّارٍ يُقَصِّرُهُ بِأُجْرَةٍ وَكَفَلَ بِهِ رَجُلٌ إنْ أَفْسَدَهُ كَانَ جَائِزًا لِأَنَّ الْأَجِيرَ الْمُشْتَرَكَ ضَامِنٌ لِمَا جَنَتْ يَدُهُ فَقَدْ أَضَافَ الْكَفَالَةَ إلَى سَبَبٍ مُوجِبٍ الضَّمَانَ؛ فَصَحَّتْ الْكَفَالَةُ لِهَذَا.

وَلَوْ ادَّعَى قِبَلَ رَجُلٍ قِصَاصًا فِي نَفْسٍ أَوْ دُونِهَا أَوْ حَدًّا فِي قَذْفٍ وَسَأَلَ الْقَاضِيَ أَنْ يَأْخُذَ لَهُ كَفِيلًا بِنَفْسِهِ وَقَالَ: بَيِّنَتِي حَاضِرَةٌ لَمْ يُجِبْهُ الْقَاضِي إلَى ذَلِكَ. فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَفِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ - يُجِيبُهُ إلَى ذَلِكَ لِأَنَّ تَسْلِيمَ النَّفْسِ مُسْتَحَقٌّ عَلَى الْأَصِيلِ الطَّالِبِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ فَتَصِحُّ الْكَفَالَةُ بِهِ كَمَا فِي دَعْوَى الْمَالِ وَهَذَا لِأَنَّ تَسْلِيمَ النَّفْسِ تُجْرَى فِيهِ النِّيَابَةُ فَالْكَفِيلُ إنَّمَا يَلْتَزِمُ مَا يَقْدِرُ عَلَى إيفَائِهِ وَأَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقُولُ: تَسْلِيمُ النَّفْسِ هُنَا لِمَقْصُودٍ لَا تَصِحُّ الْكَفَالَةُ بِهِ وَهُوَ الْحَدُّ وَالْقِصَاصُ فَلَا يُجْبَرُ عَلَى إعْطَاءِ الْكَفِيلِ بِالنَّفْسِ فِيهِمَا بِخِلَافِ الْمَالِ وَهَذَا لِأَنَّ الْعُقُوبَاتِ تُدْرَأُ بِالشُّبُهَاتِ فَلَا يَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>