للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْحَسَنُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - «عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَجَافَوْا عَنْ ذَوِي الْمُرُوءَةِ إلَّا فِي الْحَدِّ.»

وَإِذَا ادَّعَى رَجُلٌ قِبَلَ رَجُلٍ شَيْئًا يَجِبُ عَلَيْهِ فِيهِ عُقُوبَةٌ فَأَخَذَ مِنْهُ كَفِيلًا بِنَفْسِهِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَهَرَبَ الْمَكْفُولُ بِهِ وَقَدَّمَ الطَّالِبُ الْكَفِيلَ إلَى الْقَاضِي؛ فَإِنَّهُ يَحْبِسُهُ حَتَّى يَجِيءَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ الْتَزَمَ تَسْلِيمَ نَفْسِهِ فَيُحْبَسُ لِإِيفَاءِ مَا الْتَزَمَهُ.

وَلَوْ ادَّعَى قِبَلَ رَجُلٍ أَنَّهُ ضَرَبَهُ وَخَنَقَهُ وَشَتَمَهُ وَأَنَّ لَهُ بَيِّنَةً حَاضِرَةً؛ أَخَذَ لَهُ مِنْهُ كَفِيلًا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَإِنْ أَقَامَ عَلَى ذَلِكَ شَاهِدَيْنِ أَوْ شَاهِدًا وَامْرَأَتَيْنِ أَوْ شَاهِدَيْنِ عَلَى شَهَادَةِ شَاهِدَيْنِ عُزِّرَ بِهِ؛ لِأَنَّ التَّعْزِيرَ بِمَنْزِلَةِ الْمَالِ يَثْبُتُ مَعَ الشُّبُهَاتِ، وَقَدْ بَيَّنَّا فِي كِتَابِ الْحُدُودِ أَنَّهُ لَا يَبْلُغُ بِالتَّعْزِيرِ أَرْبَعِينَ سَوْطًا فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَفِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَبْلُغُ بِالتَّعْزِيرِ خَمْسَةً وَسَبْعِينَ سَوْطًا إذَا كَانَ فِي أَمْرٍ مُتَفَاحِشٍ، وَتَعْزِيرُ الْعَبْدِ فِي مِثْلِ ذَلِكَ تِسْعَةٌ وَثَلَاثُونَ سَوْطًا عِنْدَهُ ذَكَرَ هَذِهِ الزِّيَادَةَ هُنَا؛ لِأَنَّ الْأَرْبَعِينَ حَدٌّ فِي حَقِّ الْعَبْدِ. وَقَدْ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ بَلَغَ حَدًّا فِي غَيْرِ حَدٍّ فَهُوَ مِنْ الْمُعْتَدِينَ»

وَلَوْ ادَّعَتْ امْرَأَةٌ قِبَلَ زَوْجِهَا أَنَّهُ ضَرَبَهَا ضَرْبًا فَاحِشًا وَادَّعَتْ بَيِّنَةً حَاضِرَةً أَوْ ادَّعَى رَجُلٌ ذَلِكَ قِبَلَ وَلَدِهِ الْكَبِيرِ أَوْ قِبَلَ أَخِيهِ؛ يُؤْخَذُ مِنْهُ كَفِيلٌ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، وَكَذَلِكَ الذِّمِّيُّ يَدَّعِي الشَّتْمَةَ قِبَلَ الْمُسْلِمِ أَوْ الذِّمِّيِّ، أَوْ الْعَبْدُ يَدَّعِيهَا قِبَلَ الْحَرِّ؛ لِأَنَّ الدَّعْوَى فِي هَذَا كُلِّهِ دَعْوَى التَّعْزِيرِ. وَالْكَفَالَةُ فِيهِ مَشْرُوعَةٌ.

وَإِذَا مَاتَ الرَّجُلُ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ وَلَمْ يَتْرُكْ شَيْئًا فَكَفَلَ ابْنَهُ أَجْنَبِيٌّ لِلْغَرِيمِ بِمَا لَهُ عَلَى الْمَيِّتِ؛ لَمْ تَجُزْ الْكَفَالَةُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَهِيَ جَائِزَةٌ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَالشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - وَإِذَا كَانَ الْمَيِّتُ تَرَكَ وَفَاءً؛ جَازَتْ الْكَفَالَةُ عِنْدَهُمْ جَمِيعًا، وَإِنْ تَرَكَ شَيْئًا لَيْسَ فِيهِ وَفَاءٌ فَإِنَّهُ يُلْزِمُ الْكَفِيلَ بِقَدْرِ مَا تَرَكَ الْمَيِّتُ فِي قَوْلِهِ وَفِي قَوْلِهِمَا يَلْزَمُهُ جَمِيعُ مَا كَفَلَ بِهِ وَحُجَّتُهُمْ فِي ذَلِكَ مَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أُتِيَ بِجِنَازَةِ رَجُلٍ مِنْ الْأَنْصَارِ لِيُصَلِّيَ عَلَيْهِ فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: هَلْ عَلَى صَاحِبِكُمْ دَيْنٌ فَقَالُوا: نَعَمْ، دِرْهَمَانِ أَوْ دِينَارَانِ فَقَالَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَسَلَامُهُ: صَلُّوا عَلَى صَاحِبِكُمْ. فَقَالَ أَبُو قَتَادَةَ: هُمَا عَلَيَّ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَفِي رِوَايَةٍ: قَالَ ذَلِكَ عَلِيٌّ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ فَصَلَّى عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» فَلَوْ لَمْ تَصِحَّ الْكَفَالَةُ عَنْ الْمَيِّتِ الْمُفْلِسِ؛ لَمَا صَلَّى عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَ الْكَفَالَةِ.

وَعَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ أَبِي أُمَيَّةَ «عَنْ رَجُلٍ مِنْ الْأَنْصَارِ أَنَّهُ قَالَ لِأَصْحَابِهِ: مَنْ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يَمُوتَ وَلَيْسَ عَلَيْهِ دَيْنٌ؛ فَلْيَفْعَلْ فَإِنِّي شَهِدْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَدْ أُتِيَ بِجِنَازَةِ رَجُلٍ مِنْ الْأَنْصَارِ فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: هَلْ عَلَى صَاحِبِكُمْ دَيْنٌ فَقَالُوا نَعَمْ فَقَالَ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ: وَمَا يَنْفَعُكُمْ صَلَاتِي عَلَيْهِ وَهُوَ فِي قَبْرِهِ مُرْتَهِنٌ بِدَيْنِهِ ثُمَّ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

<<  <  ج: ص:  >  >>