للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مُقِرًّا بِحَقِّ غَيْرِهِ فِيمَا لَمْ يَقَعْ الصُّلْحُ عَنْهُ وَذَكَرَ ابْنُ رُسْتُمَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي نَوَادِرِهِ أَنَّ أَبَا يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ: يُشَارِكُهُ وَقَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يُشَارِكُهُ وَجْهُ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الْمُصَالِحَ يَزْعُمُ أَنَّهُ يَأْخُذُ بِجِهَةِ الْمِيرَاثِ عَنْ أَبِيهِ وَلِهَذَا كَانَ مَصْرُوفًا إلَى دَيْنِ الْأَبِ لَوْ ظَهَرَ عَلَيْهِ دَيْنٌ وَلَا يَخْتَصُّ أَحَدُ الِابْنَيْنِ بِشَيْءٍ مِنْ مِيرَاثِ الْأَبِ فَلِلْآخَرِ حَقُّ الْمُشَارَكَةِ مَعَهُ فِي الْمَقْبُوضِ بِاعْتِبَارِ زَعْمِهِ وَلَوْ صَالَحَ أَحَدُهُمَا مِنْ جَمِيعِ دَعْوَاهُمَا عَلَى مِائَةِ دِرْهَمٍ وَضَمِنَ لَهُ تَسْلِيمَ أَخِيهِ فَإِنْ سَلَّمَ الْأَخُ ذَلِكَ لَهُ جَازَ وَأَخَذَ نِصْفَ الْمِائَةِ؛ لِأَنَّ الصُّلْحَ فِي نَصِيبِ أَخِيهِ كَانَ مَوْقُوفًا عَلَى إجَازَتِهِ فَإِذَا أَجَازَهُ جَازَ وَيُجْعَلُ كَأَنَّهُمَا بَاشَرَا الصُّلْحَ فَالْبَدَلُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ وَإِنْ لَمْ يَجُزْ فَهُوَ عَلَى دَعْوَاهُ وَرَدَّ الْمُصَالِحُ عَلَى الَّذِي فِي يَدَيْهِ الدَّارُ نِصْفَ الْمِائَةِ؛ لِأَنَّ الصُّلْحَ قَدْ بَطَلَ فِي نَصِيبِ أَخِيهِ بِرَدِّهِ

وَلَوْ ادَّعَى دَارًا فِي يَدَيْ رَجُلٍ فَقَالَ: هِيَ لِي وَلِإِخْوَتِي فَأَقَرَّ ذُو الْيَدِ بِذَلِكَ، ثُمَّ اشْتَرَى مِنْهُ نَصِيبَهُ لَمْ يَكُنْ لِإِخْوَتِهِ أَنْ يُشَارِكُوهُ فِي شَيْءٍ مِنْ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَأْخُذُ الْعِوَضَ عَنْ نَصِيبِهِ خَاصَّةً وَأَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يُفَرِّقُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ الصُّلْحِ فَيَقُولُ: هُنَا بَقِيَّةُ الْوَرَثَةِ يَتَمَكَّنُونَ مِنْ أَخْذِ نَصِيبِهِمْ مِنْ الْمِيرَاثِ أَوْ أَخْذِ الْعِوَضِ عَنْهُ بِالْبَيْعِ فَالْقَوْلُ بِقَطْعِ الشَّرِكَةِ لَا يُؤَدِّي إلَى تَخْصِيصِ بَعْضِ الْوَرَثَةِ فِي بَدَلِ شَيْءٍ مِنْ الْمِيرَاثِ بِخِلَافِ الصُّلْحِ عَلَى مَا قَرَّرْنَا

وَلَوْ ادَّعَى دَارًا فِي يَدَيْ رَجُلٍ فَاصْطَلَحَا فِيهَا عَلَى أَنْ يَسْكُنَهَا ذُو الْيَدِ سَنَةً، ثُمَّ يَدْفَعَهَا إلَى الْمُدَّعِي فَهَذَا جَائِزٌ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ اصْطَلَحَا عَلَى أَنْ يَسْكُنَهَا الْمُدَّعِي سَنَةً وَلَمْ يُسَلِّمْهَا لِذِي الْيَدِ وَهَذَا فِي جَانِبِ الْمُدَّعِي ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّهُ يَزْعُمُ أَنَّ رَقَبَتَهَا وَمَنْفَعَتَهَا لَهُ فَهُوَ بِهَذَا الصُّلْحِ يُبْطِلُ مِلْكَهُ عَنْ رَقَبَتِهَا وَيَبْقَى مِلْكُهُ فِي مِقْدَارِ مَا شَرَطَ لِنَفْسِهِ مِنْ الْمَنْفَعَةِ فَإِنَّمَا يَسْتَوْفِي ذَلِكَ بِحُكْمِ مِلْكِهِ وَذَلِكَ جَائِزٌ، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ يَسْتَوْفِيهَا بِحُكْمِ عَقْدِ الصُّلْحِ كَمَا لَوْ صَالَحَهُ عَلَى سُكْنَى دَارٍ أُخْرَى سَنَةً وَأَمَّا فِي جَانِبِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَفِيهِ بَعْضُ إشْكَالٍ؛ لِأَنَّهُ يَزْعُمُ أَنَّ رَقَبَتَهَا وَمَنْفَعَتَهَا لَهُ وَأَنَّهُ يَمْلِكُهَا مِنْ الْمُدَّعِي بَعْدَ سَنَةٍ وَالتَّمْلِيكُ لَا يَحْتَمِلُ التَّعْلِيقَ بِالشَّرْطِ وَلَا الْإِضَافَةِ وَلَكِنَّا نَقُولُ هَذَا الصُّلْحُ مَبْنِيٌّ عَلَى زَعْمِ الْمُدَّعِي وَفِي زَعْمِهِ أَنَّهُ يُعِيرُهَا مِنْ ذِي الْيَدِ سَنَةً، ثُمَّ يَأْخُذُهَا مِنْهُ وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ يُجْعَلُ مُمَلَّكًا رَقَبَتَهَا مِنْهُ فِي الْحَالِ مُبْقِيًا مَنْفَعَتَهَا سَنَةً عَلَى مِلْكِهِ وَهُوَ إنَّمَا يَسْتَوْفِي بِحُكْمِ مِلْكِهِ وَذَلِكَ جَائِزٌ.

(أَلَا تَرَى) أَنَّ مَنْ أَوْصَى لِغَيْرِهِ بِسُكْنَى دَارِهِ سَنَةً، ثُمَّ مَاتَ صَارَتْ الدَّارُ لِوَرَثَتِهِ وَبَقِيَتْ السُّكْنَى عَلَى حُكْمِ مِلْكِ الْمُوصِي يَسْتَوْفِيهَا الْمُوصَى لَهُ بِإِخْلَائِهَا لَهُ، وَكَذَلِكَ لَوْ بَاعَ الدَّارَ الْمُؤَجَّرَةَ وَالْمُشْتَرِي يَعْلَمُ بِالْإِجَارَةِ فَإِنَّهُ يَمْلِكُ رَقَبَتَهَا وَتَبْقَى مَنْفَعَتُهَا عَلَى حَقِّ الْبَائِعِ حَتَّى يَمْتَلِكَهَا الْمُسْتَأْجِرُ عَلَيْهِ بِالِاسْتِيفَاءِ وَيَكُونُ الْأَجْرُ لِلْبَائِعِ فَهَذَا مِثْلُهُ، وَإِنْ كَانَ

<<  <  ج: ص:  >  >>