للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

حَتَّى يَحُولَ الْحَوْلُ بَعْدَ الْقَبْضِ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ مَا فِي الذِّمَّةِ لَا يَكُونُ سَائِمَةً، فَإِنْ تَزَوَّجَهَا عَلَى إبِلٍ سَائِمَةٍ بِأَعْيَانِهَا وَحَالَ الْحَوْلُ وَهِيَ فِي يَدِ الزَّوْجِ كَانَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَقُولُ أَوَّلًا إذَا قَبَضَتْ مِنْهَا نِصَابًا كَامِلًا فَعَلَيْهَا الزَّكَاةُ لِمَا مَضَى، ثُمَّ رَجَعَ وَقَالَ: لَا زَكَاةَ عَلَيْهَا حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ بَعْدَ الْقَبْضِ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى -: إذَا قَبَضَتْ مِنْهَا شَيْئًا يَلْزَمُهَا أَدَاءُ الزَّكَاةِ بِقَدْرِ الْمَقْبُوضِ لِمَا مَضَى سَوَاءٌ كَانَ نِصَابًا أَوْ دُونَهُ وَجْهُ قَوْلِهِمَا أَنَّهَا بِالْعَقْدِ مَلَكَتْ الصَّدَاقَ مِلْكًا تَامًّا بِدَلِيلِ أَنَّهَا تَمْلِكُ التَّصَرُّفَ فِيهِ عَلَى الْإِطْلَاقِ وَإِنَّمَا انْعَدَمَ الْيَدُ، وَذَلِكَ غَيْرُ مَانِعٍ مِنْ انْعِقَادِ الْحَوْلِ، وَوُجُوبُ الزَّكَاةِ فِيهِ كَالْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَالْمَغْصُوبِ إذَا كَانَ الْغَاصِبُ مُقِرًّا، وَجْهُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّهَا مَلَكَتْ الْمَالِيَّةَ ابْتِدَاءً بِعَقْدِ النِّكَاحِ فَلَا يَتِمُّ مِلْكُهَا فِيهِ إلَّا بِالْقَبْضِ كَالدِّيَةِ عَلَى الْعَاقِلَةِ بِخِلَافِ الْمَبِيعِ، فَإِنَّ مِلْكَ الْمَالِيَّةِ لَا يَثْبُتُ ابْتِدَاءً بِالْبَيْعِ بَلْ يَتَحَوَّلُ مِنْ أَصْلٍ كَانَ مَالًا إلَى بَدَلِهِ وَهَذَا لِأَنَّ وُجُوبَ الزَّكَاةِ فِي السَّائِمَةِ بِاعْتِبَارِ مَعْنَى النَّمَاءِ وَقَبْلَ الْقَبْضِ الْحُكْمُ مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ أَنْ يُسَلِّمَ لَهَا بِالْقَبْضِ أَوْ يَنْتَصِفُ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ بِخِلَافِ مَا بَعْدَ الْقَبْضِ، وَلِهَذَا لَوْ مَرَّ يَوْمُ الْفِطْرِ عَلَى الْعَبْدِ الْمَجْعُولِ صَدَاقًا، ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهَا صَدَقَةُ الْفِطْرِ بِخِلَافِ مَا بَعْدَ الْقَبْضِ فَصَارَ الْحَاصِلُ أَنَّ بِالْعَقْدِ يَحْصُلُ أَصْلُ الْمِلْكِ، وَتَمَامُ مَا هُوَ الْمَقْصُودُ لَا يَحْصُلُ إلَّا بِالْقَبْضِ، وَصَيْرُورَتُهُ نِصَابَ الزَّكَاةِ يَنْبَنِي عَلَى تَمَامِ الْمَقْصُودِ لَا عَلَى حُصُولِ أَصْلِ الْمِلْكِ بِخِلَافِ التَّصَرُّفِ فَإِنَّ نُفُوذَهُ يَنْبَنِي عَلَى ثُبُوتِ أَصْلِ الْمِلْكِ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ أَنَّهُ لَا يُكَوِّنُ نِصَابَ الزَّكَاةِ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ فِيهِ غَيْرُ نَامٍ حَتَّى لَا يَمْلِكَ التَّصَرُّفَ فِيهِ، ثُمَّ وَجْهُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - الْأَوَّلِ إنَّ الصِّدْقَ بِمَنْزِلَةِ مَالِ الْبَدَلِ، فَإِنَّ أَصْلَهُ لَمْ يَكُنْ مَالَ الزَّكَاةِ وَمِنْ أَصْلِهِ أَنَّ مَالَ الْبَدَلِ تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ وَلَا يَلْزَمُهُ الْأَدَاءُ حَتَّى يَقْبِضَ نِصَابًا تَامًّا عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ وَلَكِنَّهُ رَجَعَ عَنْ هَذَا، فَقَالَ: هُنَاكَ أَصْلُهُ كَانَ مَالًا، وَهَذَا أَصْلُهُ وَهُوَ مِلْكُ النِّكَاحِ لَمْ يَكُنْ مَالًا مُتَقَوِّمًا، وَالصَّدَاقُ جُعِلَ صِلَةً مِنْ وَجْهٍ فَلَا يَتِمُّ مِلْكُهَا الْمَالَ إلَّا بِالْقَبْضِ.

فَإِنْ طَلَّقَهَا الزَّوْجُ قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا وَالصَّدَاقُ خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ فَلَيْسَ عَلَيْهَا زَكَاةٌ فِي نَصِيبِهَا فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّهُ دُونَ النِّصَابِ وَلَوْ كَانَ عُشْرًا كَانَ عَلَيْهَا الزَّكَاةُ فِي نَصِيبِهَا فِي قَوْلِهِ الْأَوَّلِ وَفِي قَوْلِهِ الْآخَرِ لَا زَكَاةَ عَلَيْهَا فِي الْوَجْهَيْنِ وَعَلَى قَوْلِهِمَا يَلْزَمُهَا زَكَاةُ نَصِيبِهَا فِي الْوَجْهَيْنِ

(قَالَ): رَجُلٌ لَهُ إبِلٌ سَائِمَةٌ فَأَرَادَ أَنْ يَسْتَعْمِلَهَا أَوْ يَعْلِفَهَا فَلَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ حَتَّى حَالَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ فَعَلَيْهِ زَكَاةُ السَّائِمَةِ؛ لِأَنَّهَا كَانَتْ سَائِمَةً فِي جَمِيعِ

<<  <  ج: ص:  >  >>