للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَأَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يَجْعَلُ الْإِمَامَ فِي اسْتِيفَاءِ الْقَوَدِ كَالْوَصِيِّ؛ لِأَنَّ ثُبُوتَ وِلَايَتِهِ بِالْعَقْدِ، وَهُوَ التَّقْلِيدُ كَثُبُوتِ وِلَايَةِ الْوَصِيِّ وَهُمَا يَجْعَلَانِ الْإِمَامَ فِيمَا هُوَ حَقٌّ لِلْمُسْلِمِينَ كَالْأَبِ فِي حَقِّ وَلَدِهِ الصَّغِيرِ؛ لِأَنَّ وِلَايَتَهُ وِلَايَةٌ مُتَكَامِلَةٌ تَعُمُّ الْمَالَ وَالنَّفْسَ وَالْمُسْلِمُونَ يَعْجِزُونَ عَنْ الْإِجْمَاعِ لِلِاسْتِيفَاءِ كَالصَّغِيرِ وَيَجُوزُ لِلْإِمَامِ أَنْ يُصَالِحَ عَلَى الدِّيَةِ بِالِاتِّفَاقِ، أَمَّا عِنْدَهُمَا فَلِأَنَّهُ يَمْلِكُ الِاسْتِيفَاءَ فَيَمْلِكُ الْإِسْقَاطَ بِالصُّلْحِ عَلَى الدِّيَةِ وَمَنْفَعَةُ الْمُسْلِمِينَ فِي هَذَا أَظْهَرُ مِنْهُ فِي اسْتِيفَاءِ الْقَوَدِ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَمْ يَجِبْ الْقِصَاصُ بِهَذَا الْقَتْلِ لِانْعِدَامِ الْمُسْتَوْفِي فَيَكُونُ الْوَاجِبُ هُوَ الدِّيَةُ وَلِلْإِمَامِ وِلَايَةُ اسْتِيفَائِهِ؛ لِأَنَّهُ حَقُّ جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ وَذَكَرَ حَدِيثَ وَهْبِ بْنِ كَيْسَانَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ قَتَلَ يَزْدَانَ فِي تُهْمَةٍ لَهُ فِي دَمِ عُمَرَ فَقَالَ عَلِيٌّ لِعُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - اُقْتُلْ عَبْدَ اللَّهِ بِهِ فَقَالَ: عُثْمَانُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَدْ قُتِلَ أَبُوهُ بِالْأَمْسِ، وَإِنَّمَا أَسْتَحْيِي أَنْ يُقْتَلَ أَبُوهُ وَأَقْتُلُهُ هَذَا الْيَوْمَ لَا أَفْعَلُ، هَذَا رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْأَرْضِ قُتِلَ وَأَنَا وَلِيُّهُ وَأَعْفُو عَنْ هَذَا وَأُؤَدِّي دِيَتَهُ فَذَلِكَ دَلِيلُ جَوَازِ صُلْحِ الْإِمَامِ عَنْ الْقَوَدِ عَلَى الدِّيَةِ فِي حَقِّ مَنْ لَا وَارِثَ لَهُ.

وَإِذَا قَتَلَ الْحُرُّ وَالْعَبْدُ رَجُلًا فَوَكَلَ الْحُرُّ وَمَوْلَى الْعَبْدِ رَجُلًا بِالصُّلْحِ فَصَالَحَ وَلِيَّ الدَّمِ عَنْهُمَا عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ فَعَلَى الْحُرِّ نِصْفُ الْأَلْفِ وَعَلَى مَوْلَى الْعَبْدِ نِصْفُهَا؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ نَائِبٌ عَنْهُمَا فَصُلْحُهُ كَصُلْحِهِمَا، وَهَذَا لِأَنَّ الصُّلْحَ اعْتِيَاضٌ عَنْ الْجِنَايَةِ وَهُمَا فِي الْجِنَايَةِ، وَفِي مُوجِبِهَا سَوَاءٌ يَعْنِي الْحُرَّ عَنْ نَفْسِهِ وَالْمَوْلَى عَنْ عَبْدِهِ فَيَسْتَوِيَانِ فِيمَا يَلْزَمُهُمَا مِنْ الْعِوَضِ.

وَإِذَا قَتَلَ الْعَبْدُ رَجُلًا وَلَهُ وَلِيَّانِ فَصَالَحَ مَوْلَاهُ أَحَدَهُمَا عَنْ نَصِيبِهِ مِنْ الدَّمِ عَلَى الْعَبْدِ فَالصُّلْحُ جَائِزٌ وَيُقَالُ لِلَّذِي صَارَ لَهُ الْعَبْدُ ادْفَعْ نِصْفَهُ إلَى شَرِيكِكَ أَوْ افْدِهِ بِنِصْفِ الدِّيَةِ عَلَى أَنْ يُسَلِّمَ لَكَ الْعَبْدَ؛ لِأَنَّ الْمُصَالِحَ أَسْقَطَ نَصِيبَهُ مِنْ الْقَوَدِ بِعِوَضٍ، وَهُوَ الْعَبْدُ فَصَحَّ ذَلِكَ، ثُمَّ تَعَذَّرَ عَلَى الْآخَرِ اسْتِيفَاءُ الْقَوَدِ فَانْقَلَبَ نَصِيبُهُ مَالًا، وَعِنْدَ انْقِلَابِ نَصِيبِهِ مَالًا، الْعَبْدُ فِي مِلْكِ الْمُصَالِحِ فَهُوَ الْمُخَاطَبُ بِدَفْعِ نِصْفِ الْعَبْدِ إلَيْهِ أَوْ الْفِدَاءِ بِنِصْفِ الدِّيَةِ؛ لِأَنَّ نَصِيبَهُ حِينَ انْقَلَبَ مَالًا كَانَ لِجِنَايَةِ الْخَطَأِ مِنْ الْعَبْدِ يَتَعَلَّقُ بِرَقَبَتِهِ وَيُخَاطَبُ مَوْلَاهُ بِالدَّفْعِ أَوْ الْفِدَاءِ وَلَيْسَ لِلْعَبْدِ الْآخَرِ أَنْ يُضَمِّنَ مَوْلَى الْعَبْدِ شَيْئًا؛ لِأَنَّهُ مَا اسْتَحَقَّ مَالًا فِي مِلْكِهِ، وَإِنَّمَا اسْتَحَقَّ الْمَالَ فِي مِلْكِ الْمُصَالِحِ وَحَقُّهُ قَائِمٌ لَمْ يُفَوِّتْهُ الْمُوَلَّى عَلَيْهِ فَلِهَذَا لَا يَضْمَنُ لَهُ شَيْئًا، وَلَوْ صَالَحَهُ عَلَى عَبْدٍ آخَرَ مَعَ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ لَهُ فِي الْعَبْدِ الْآخَرِ حَقٌّ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ الْمُصَالِحَ إنَّمَا أَسْقَطَ حَقَّهُ مِنْ الْقَوَدِ بِعِوَضٍ، فَلَا يَكُونُ لِلْآخَرِ أَنْ يُشَارِكَهُ فِي الْعِوَضِ، فَإِنَّمَا يَثْبُتُ حَقُّهُ فِي نَصِيبِ الْعَبْدِ الْجَانِي لَا بِالصُّلْحِ، ثُمَّ يَتَعَذَّرُ اسْتِيفَاءُ الْقَوَدِ مِنْهُ وَذَلِكَ

<<  <  ج: ص:  >  >>