فِي تَصَرُّفِهِ فَيَنْفُذُ تَصَرُّفُهُ كَالشَّرِيكَيْنِ فِي الْعَبْدِ إذَا بَاعَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ أَوْ وَهَبَهُ، وَهَذَا لِأَنَّ التَّأْجِيلَ فِي إسْقَاطِ الْمُطَالَبَةِ إلَى مُدَّةٍ، وَلَوْ أَسْقَطَ حَقَّهُ فِي الْمُطَالَبَةِ بِنَصِيبِهِ لَا إلَى غَايَةٍ بِأَنْ أَبْرَأَ عَنْ نَصِيبِهِ كَانَ صَحِيحًا، فَإِذَا أَسْقَطَ مُطَالَبَتَهُ إلَى غَايَةٍ كَانَ أَوْلَى بِالصِّحَّةِ، وَلَوْ اشْتَرَى أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ عَلَى عَيْنٍ أَوْ قَبِلَ الْحَوَالَةَ بِنَصِيبِهِ عَلَى إنْسَانٍ كَانَ صَحِيحًا لِمَا أَنَّهُ مُتَصَرِّفٌ فِي خَالِصِ نَصِيبِهِ فَكَذَلِكَ إذَا أَجَّلَ نَصِيبَهُ، وَلَوْ أَقَرَّ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ بِأَنَّ الدَّيْنَ مُؤَجَّلٌ إلَى سَنَةٍ وَأَنْكَرَ صَحَّ إقْرَارُ الْمُقِرِّ فِي نَصِيبِهِ فَكَذَلِكَ إذَا أَنْشَأَ التَّأْجِيلَ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ لَا يَصِحُّ فِيمَا هُوَ حَقٌّ لِلْغَيْرِ مَعَ تَمَكُّنِ التُّهْمَةِ فِيهِ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ تَحْصِيلَ مَقْصُودِهِ بِالْإِنْشَاءِ وَلَمَّا صَحَّ إقْرَارُهُ هُنَا عَرَفْنَا أَنَّهُ يَصِحُّ تَأْجِيلُهُ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فِي الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَانِ: إحْدَاهُمَا: أَنَّ تَأْجِيلَهُ يُلَاقِي بَعْضَ نَصِيبِ شَرِيكِهِ، وَهُوَ لَا يَمْلِكُهُ بِالِاتِّفَاقِ وَبَيَانُ هَذَا أَنَّ أَصْلَ الدَّيْنِ يَبْقَى مُشْتَرَكًا بَعْدَ التَّأْجِيلِ، وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَجْعَلَ تَأْجِيلَهُ مُضَافًا لِنَصِيبِهِ خَاصَّةً إلَّا بَعْدَ قِسْمَةِ الدَّيْنِ وَقَبْلَ الْقَبْضِ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ تَمْيِيزٌ وَمَا فِي الذِّمَّةِ لَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ التَّمْيِيزُ، وَفِي الْعَيْنِ الْقِسْمَةُ بِدُونِ التَّمْيِيزِ لَا تَحْصُلُ، فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ بَيْنَ رَجُلَيْنِ صُبْرَةُ حِنْطَةٍ فَقَالَ: اقْتَسَمْنَا عَلَى أَنَّ هَذَا الْجَانِبَ لِي وَالْجَانِبَ الْآخَرَ لَكَ لَا يَجُوزُ، وَهَذَا لِأَنَّ فِي الْقِسْمَةِ تَمْلِيكَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفَ نَصِيبِ شَرِيكِهِ عِوَضًا عَمَّا يَتَمَلَّكُهُ عَلَيْهِ وَتَمْلِيكُ الدَّيْنِ مِنْ غَيْرِ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ لَا يَجُوزُ، وَإِنَّمَا قُلْنَا إنَّ هَذَا قِسْمَةٌ؛ لِأَنَّ نَصِيبَ أَحَدِهِمَا يَصِيرُ مُخَالِفًا لِنَصِيبِ الْآخَرِ فِي الْوَصْفِ وَالْحُكْمُ فِي الْقِسْمَةِ لَيْسَ إلَّا هَذَا.
وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ تَأْجِيلَهُ يُصَادِفُ بَعْضَ نَصِيبِ شَرِيكِهِ أَنَّ الْآخَرَ إذَا قَبَضَ نَصِيبَهُ، ثُمَّ حَلَّ الْأَجَلُ كَانَ لِلْمُؤَخِّرِ أَنْ يُشَارِكَهُ فِي الْمَقْبُوضِ وَيَكُونُ مَا بَقِيَ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا وَالْبَاقِي هُوَ مَا كَانَ مُؤَجَّلًا، وَلَوْ سَلَّمَ لِلْقَابِضِ مَا قَبَضَ وَاخْتَارَ اتِّبَاعَ الْمَدْيُونِ، ثُمَّ نَوَى مَا عَلَيْهِ كَانَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْقَابِضِ فَيُشَارِكَهُ فِي الْمَقْبُوضِ بِاعْتِبَارِ أَنَّ نِصْفَ الْمَقْبُوضِ حَقُّهُ، وَإِنَّمَا يُسَلِّمُهُ لَهُ بِشَرْطِ أَنْ يُسَلِّمَ لَهُ مَا فِي ذِمَّةِ الْمَدْيُونِ، فَإِذَا لَمْ يُسَلِّمْ رَجَعَ عَلَيْهِ وَبِهَذَا الْفَصْلِ تَبَيَّنَ فَسَادُ مَذْهَبِهِمَا، فَإِنَّهُ بَعْدَ التَّأْجِيلِ إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْمُؤَخِّرِ أَنْ يُطَالِبَ بِنَصِيبِهِ فَكَيْفَ يَكُونُ لِلْآخَرِ أَنْ يَقْبِضَ شَيْئًا مِنْ نَصِيبِهِ، وَإِنْ جُعِلَ الْآخَرُ قَابِضًا لِنَصِيبِ نَفْسِهِ كَانَ ذَلِكَ قِسْمَةً فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَكُونَ لِلْمُؤَخِّرِ أَنْ يُشَارِكَهُ بَعْدَ حُلُولِ الْأَجَلِ، وَإِنْ جُعِلَ قَابِضًا لِبَعْضِ نَصِيبِ الْمُؤَخِّرِ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ لِلْمُؤَخِّرِ أَنْ يُطَالِبَ بِنَصِيبِهِ قَبْلَ حُلُولِ الْأَجَلِ لَا يَكُونُ ذَلِكَ لِغَيْرِهِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ أَبْرَأَهُ عَنْ نَصِيبِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَبْقَى نَصِيبُهُ بَعْدَ الْإِبْرَاءِ، وَإِنَّمَا الْقِسْمَةُ مَعَ بَقَاءِ نَصِيبِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِخِلَافِ الْبَيْعِ فِي نَصِيبِ أَحَدِهِمَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute