للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَادَ إلَيْهِ عَيْنٌ آخَرُ فَلِهَذَا لَزِمَهُ عِنْدَ الْإِقَالَةِ قِيمَةُ الثَّوْبِ، وَلَوْ رَجَعَ فِي الْهِبَةِ، ثُمَّ نَاقَضَهُ السَّلَمُ رُدَّ عَلَيْهِ بِعَيْبِهِ؛ لِأَنَّ الرُّجُوعَ فَسْخُ الْهِبَةِ سَوَاءٌ حَصَلَ بِقَضَاءٍ أَوْ بِغَيْرِ قَضَاءٍ، وَإِنَّمَا يَعُودُ إلَيْهِ الْمِلْكُ الَّذِي كَانَ قَبْلَ الْهِبَةِ.

وَإِذَا مَاتَ رَبُّ السَّلَمِ أَوْ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ، ثُمَّ صَالَحَ الْحَيُّ الْوَارِثَ وَمَاتَا جَمِيعًا، ثُمَّ صَالَحَ الْوَارِثُ عَلَى رَأْسِ الْمَالِ جَازَ؛ لِأَنَّ الْوَارِثَ خَلَفُ الْمُورِثِ فِيمَا كَانَ لَهُ وَالصُّلْحُ عَلَى رَأْسِ الْمَالِ إقَالَةٌ تُسْتَفَادُ بِالْمِلْكِ دُونَ الْعَقْدِ.

(أَلَا تَرَى) أَنَّ الْوَكِيلَ بِالشِّرَاءِ لَا يَمْلِكُ الْإِقَالَةَ بَعْدَ الشِّرَاءِ وَالْمُوَكِّلُ يَمْلِكُهَا؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ لَهُ، فَإِذَا كَانَ الْوَارِثُ قَائِمًا مَقَامَ الْمُورِثِ فِي الْمِلْكِ قَامَ مَقَامَهُ فِي الْإِقَالَةِ أَيْضًا.

وَإِذَا صَالَحَ رَبُّ السَّلَمِ الْمُسْلَمَ إلَيْهِ عَلَى أَنْ يَرُدَّ عَلَيْهِ رَأْسَ الْمَالِ وَبَعْضَ الْمُسْلَمِ فِيهِ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّ هَذَا اسْتِبْدَالٌ لِلْمُسْلَمِ فِيهِ، فَإِنَّ بِمُقَابَلَةِ نِصْفِ الْمُسْلَمِ فِيهِ نِصْفَ رَأْسِ الْمَالِ، وَهُوَ قَدْ صَالَحَهُ عَلَى أَنْ يَرُدَّ عَلَيْهِ بِمُقَابَلَةِ نِصْفِ الْمُسْلَمِ فِيهِ جَمِيعَ رَأْسِ الْمَالِ فَيَكُونُ هَذَا اسْتِبْدَالًا وَذَلِكَ بَاطِلٌ، وَلَوْ كَانَ رَأْسُ الْمَالِ ثَوْبًا فَصَالَحَهُ عَلَى أَنْ أَبْرَأَهُ عَنْ الطَّعَامِ عَلَى أَنْ يَرُدَّ عَلَيْهِ رَبُّ السَّلَمِ خَمْسَةَ دَرَاهِمَ فَهَذَا بَاطِلٌ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْمُسْلَمَ فِيهِ يَأْخُذُ الْخَمْسَ أَيْضًا بِغَيْرِ شَيْءٍ أَعْطَاهُ إيَّاهُ، فَإِنَّ الطَّعَامَ قَدْ سَقَطَ عَنْهُ كُلُّهُ وَمِثْلُ هَذَا يَكُونُ رِبًا، وَإِذَا كَانَ رَأْسُ الْمَالِ عَرَضًا فَصَالَحَهُ فَبَاعَهُ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ مِنْ رَبِّ السَّلَمِ بِطَعَامٍ مِثْلِ طَعَامِهِ أَوْ أَكْثَرَ جَازَ، وَإِنَّ رَبَّ السَّلَمِ بَائِعٌ لِذَلِكَ الْعَرَضِ، وَقَدْ اشْتَرَى بَعْدَ السَّلَمِ بِمِثْلِ مَا بَاعَهُ أَوْ بِأَكْثَرَ وَذَلِكَ جَائِزٌ، وَإِنْ بَاعَهُ بِأَقَلَّ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهُ اشْتَرَى مَا بَاعَ بِأَقَلَّ مِمَّا بَاعَ قَبْلَ نَقْدِ السَّلَمِ، وَهُوَ الْمُسْلَمُ فِيهِ فَغَيْرُ جَائِزٍ؛ لِأَنَّهُ اسْتِرْبَاحٌ عَلَى مَا لَمْ يَدْخُلْ فِي ضَمَانِهِ، وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي الْبُيُوعِ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ ذَلِكَ بِطَرِيقَةِ الصُّلْحِ.

وَإِذَا كَانَ رَأْسُ الْمَالِ شَاةً فَأَصَابَ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ مِنْ لَبَنِهَا وَصُوفِهَا وَسَمْنِهَا، ثُمَّ صَالَحَهُ عَلَى رَأْسِ الْمَالِ جَازَ وَعَلَيْهِ ثَمَنُهَا لِمَكَانِ الزِّيَادَةِ الْمُتَوَلِّدَةِ مِنْ الْعَيْنِ كَمَا فِي الْوَلَدِ الَّذِي قَدَّمْنَا قَالَ: إلَّا أَنْ يَرْضَى رَبُّ السَّلَمِ أَنْ يَأْخُذَ الشَّاةَ بِعَيْنِهَا وَمُرَادُهُ إذَا لَمْ تَكُنْ الزِّيَادَةُ قَائِمَةً وَلَكِنَّ الْمُسْلَمَ إلَيْهِ هُنَا اسْتَهْلَكَهَا، فَإِنْ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ عِوَضٌ بِالِاسْتِهْلَاكِ فَيَكُونُ هَذَا بِمَنْزِلَةِ تَفْوِيتِهِ جُزْءًا مِنْ عَيْنِهَا وَذَلِكَ يَمْنَعُ رَدَّ عَيْنِهَا بَعْدَ الْإِقَالَةِ إلَّا أَنْ يَرْضَى بِهِ رَبُّ السَّلَمِ فَهَذَا مِثْلُهُ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ نَخْلًا فَأَكَلَ مِنْ ثَمَرَتِهِ بِخِلَافِ الْوَلَدِ الَّذِي أَعْتَقَهُ فَهُنَاكَ، وَلَاءُ الْوَلَدِ بَاقٍ لَهُ وَالْوَلَاءُ أَثَرٌ مِنْ آثَارِ الْمِلْكِ فَيَكُونُ بَقَاؤُهُ كَبَقَاءِ مِلْكِهِ فِي الْوَلَدِ فَيُمْنَعُ رَدُّ عَيْنِهَا، وَإِنْ رَضِيَ رَبُّ السَّلَمِ بِهَا رَهْنًا بَعْدَ الِاسْتِهْلَاكِ لَمْ يَبْقَ شَيْءٌ مِنْ الزِّيَادَةِ فَوِزَانُ هَذَا مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ قُتِلَ الْوَلَدُ، وَلَوْ كَانَ عَبْدًا فَأَكَلَ مِنْ غَلَّتِهِ، ثُمَّ صَالَحَهُ عَلَى رَأْسِ الْمَالِ كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَرُدَّ الْعَبْدَ، وَلَا يَرُدَّ الْغَلَّةَ؛ لِأَنَّ الْغَلَّةَ لَيْسَتْ مُتَوَلَّدَةً مِنْ الْعَيْنِ، وَقَدْ بَيَّنَّا الْفَرْقَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الزِّيَادَةِ مِنْ الْعَيْنِ فِي الْبُيُوعِ.

قَالَ: فَإِذَا كَانَ

<<  <  ج: ص:  >  >>