للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مُوجَبُ الرَّهْنِ - غَيْرُ مُحْتَمَلٍ لِلتَّجَزِّي، وَعِنْدَ إضَافَةِ الْعَقْدِ إلَى نِصْفِهِ لَمْ يَثْبُتْ فِي كُلِّهِ فَيَبْطُلُ الْعَقْدُ أَصْلًا لِتَعَذُّرِ أَسْبَابِ مُوجَبِهِ فِي النِّصْفِ كَالْمَرْأَةِ فِي حُكْمِ الْحُلِيِّ لَمَّا كَانَتْ لَا تُجَزَّأُ، فَإِذَا أُضِيفَ النِّكَاحُ إلَى نِصْفِهَا بَطَلَ عِنْدَ الْخَصْمِ، وَعِنْدَنَا: يَثْبُتُ فِي الْكُلِّ، وَهَذَا بِخِلَافِ الرَّهْنِ مِنْ رَجُلَيْنِ؛ لِأَنَّ مُوجَبَ الْعَقْدِ هُنَاكَ، وَهُوَ يَدُ الِاسْتِيفَاءِ ثَبَتَ فِي جَمِيعِ الْمَحِلِّ غَيْرَ مُتَجَزِّئٍ ثُمَّ حُكْمُ التَّجَزُّؤِ يَثْبُتُ بَيْنَ الْمُرْتَهِنِينَ عِنْدَ تَمَامِ الِاسْتِيفَاءِ بِالْهَلَاكِ لِلْمُزَاحَمَةِ، وَبِهِ لَا يَظْهَرُ التَّجَزُّؤُ فِي الْمَحِلِّ.

(أَلَا تَرَى) أَنَّ نِصْفَ الْعَيْنِ لَا يَسْتَحِقُّ قِصَاصًا ثُمَّ يَجِبُ الْقِصَاصُ لِاثْنَيْنِ فِي نَفْسٍ وَاحِدَةٍ، وَيَكُونُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُسْتَوْفِيًا لِلنِّصْفِ عِنْدَ الْعَقْلِ بِاعْتِبَارِ أَنْ لَا يَظْهَرَ حُكْمُ التَّجَزُّؤِ فِي الْقِصَاصِ فَكَذَلِكَ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ يَسْتَقِيمُ هَذَا، وَالشَّرْعُ لَا يَمْنَعُ الِاسْتِيفَاءَ حَقِيقَةً؟ فَإِنَّ مَنْ كَانَ لَهُ عَلَى غَيْرِهِ عَشَرَةٌ فَدَفَعَ إلَيْهِ الْمَدْيُونُ كِيسًا فِيهِ عِشْرُونَ دِرْهَمًا لِيَسْتَوْفِيَ حَقَّهُ مِنْهُ يَصِيرُ مُسْتَوْفِيًا حَقَّهُ مِنْ النِّصْفِ شَائِعًا، وَإِذَا كَانَ الشُّيُوعُ لَا يَمْنَعُ حَقِيقَةَ الِاسْتِيفَاءِ، فَكَيْفَ يَمْنَعُ ثُبُوتَ يَدِ الِاسْتِيفَاءِ قُلْنَا: مُوجَبُ حَقِيقَةِ الِاسْتِيفَاءِ مِلْكُ عَيْنِ الْمُسْتَوْفَى، وَالْيَدُ هِيَ عَلَى الْمِلْكِ، وَالشُّيُوعِ، وَلَا يَمْنَعُ الْمِلْكُ فِيمَا هُوَ الْمُوجَبُ يُمْكِنُ إثْبَاتُهُ فِي الْجُزْءِ الشَّائِعِ هُنَاكَ، وَمُوجَبُ الرَّهْنِ يَدُ الِاسْتِيفَاءِ فَقَطْ، وَذَلِكَ لَا يَتَحَقَّقُ فِي الْجُزْءِ الشَّائِعِ، وَبِهَذَا الطَّرِيقِ كَانَ مُسْتَوْفِيًا فِي حُكْمِ الرَّهْنِ عَمَّا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ، وَعَمَّا لَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ بِخِلَافِ الْهِبَةِ، فَإِنَّ مُوجَبَ الْعَقْدِ هُنَاكَ الْمِلْكُ، وَالْقَبْضُ شَرْطُ تَمَامِ ذَلِكَ الْعَقْدِ فَيُرَاعَى وُجُودُهُ فِي كُلِّ مَحِلٍّ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ، وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ رَهْنُ الْمُشَاعِ مِنْ الشَّرِيكِ هُنَا؛ لِأَنَّ مُوجَبَ الْعَقْدِ لَا يَتَحَقَّقُ فِيمَا أُضِيفَ إلَيْهِ الْعَقْدُ سَوَاءٌ كَانَ الْعَقْدُ مَعَ الشَّرِيكِ أَوْ مَعَ الْأَجْنَبِيِّ بِخِلَافِ الْإِجَارَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ (- رَحِمَهُ اللَّهُ -) فَالشُّيُوعُ هُنَاكَ إنَّمَا يُؤْثَرُ لَا؛ لِأَنَّ مُوجَبَ الْعَقْدِ يَنْعَدِمُ بِهِ بَلْ؛ لِأَنَّهُ يَتَقَرَّرُ اسْتِيفَاءُ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي أَوْجَبَهُ الْعَقْدُ؛ لِأَنَّ اسْتِيفَاءَ الْمَنْفَعَةِ يَكُونُ مِنْ جُزْءٍ مُعَيَّنٍ، وَذَلِكَ لَا يُوجَدُ فِي الْإِجَارَةِ مِنْ الشَّرِيكِ، فَإِنَّهُ يَسْتَوْفِي مَنْفَعَةَ الْكُلِّ، فَيَكُونُ مُسْتَوْفِيًا مَنْفَعَةَ مَا اسْتَأْجَرَ، لَا عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي اسْتَحَقَّهُ، وَإِنْ كَانَ لَا يُمْكِنُ اسْتِيفَاءُ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ إلَّا بِمَا يَتَنَاوَلُهُ الْعَقْدُ لَا يَمْنَعُ جَوَازَ الْعَقْدِ كَبَيْعِ الرَّهْنِ، فَإِنَّهُ اسْتِيفَاءٌ لَا يُمْكِنُ إلَّا بِالْوِعَاءِ، وَلَا تُمْنَعُ بِهِ صِحَّةُ الْعَقْدِ، وَعَلَى هَذَا قُلْنَا إذَا اسْتَحَقَّ نِصْفَ الْمَرْهُونِ مِنْ يَدِ الْمُرْتَهِنِ بَطَلَ الرَّهْنُ فِي الْكُلِّ.

وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى (- رَحِمَهُ اللَّهُ -): عَلَى الرَّهْنِ فِي النِّصْفِ الْآخَرِ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ صَحَّ فِي الْآلَةِ فِي جَمِيعِ الْعَيْنِ فَإِنَّ كَوْنَ الْمِلْكِ بِغَيْرِ الرَّاهِنِ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الرَّهْنِ، وَثُبُوتَ مُوجِبِهِ، كَمَا لَوْ اسْتَعَارَ مِنْهُ غَيْرُهُ بَيْتًا لِيَرْهَنَهُ بِدَيْنٍ ثُمَّ بَطَلَ حُكْمُ الْعَقْدِ فِي الْبَعْضِ؛ لِانْعِدَامِ الرِّضَا مِنْ الْمَالِكِ بِهِ فَيَبْقَى صَحِيحًا فِيمَا

<<  <  ج: ص:  >  >>