للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

كَمَا لَوْ قَبِلَ الْمَرْهُونُ تَحَوَّلَ حُكْمُ الرَّهْنِ مِنْ الْعَيْنِ إلَى الْقِيمَةِ، وَلَوْ هَلَكَتْ الْعَيْنُ قَبْلَ الْبَيْعِ يَصِيرُ الْمُرْتَهِنُ بِهِ مُسْتَوْفِيًا حَقَّهُ، فَكَذَلِكَ إذَا تَوَى الثَّمَنُ وَفِيهِ وَفَاءٌ بِالدَّيْنِ

وَإِذَا كَانَ الرَّهْنُ أَرْضَ خَرَاجٍ أَوْ عُشْرٍ، فَأَخَذَ السُّلْطَانُ الْخَرَاجَ أَوْ الْعُشْرَ مِنْ الثَّمَرَةِ كَانَ لِلْعَدْلِ أَنْ يَبِيعَ مَا بَقِيَ مَعَ الْأَرْضِ الرَّهْنِ لِمَا بَيَّنَّا: أَنَّ حُكْمَ الرَّهْنِ يَثْبُتُ فِي الزِّيَادَةِ الْمُوَلَّدَةِ مِنْ الْعَيْنِ، وَلَا يَسْقُطُ بِاعْتِبَارِ مَا أَخَذَ السُّلْطَانُ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ مِنْ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مُسْتَحَقٌّ عَلَى الرَّهْنِ، وَلِأَنَّ ذَلِكَ الْجُزْءَ كَالتَّاوِي بِغَيْرِ صُنْعِ الْمُرْتَهِنِ، وَلَوْ هَلَكَ الْكُلُّ بِغَيْرِ صُنْعِهِ لَمْ يَسْقُطْ شَيْءٌ مِنْ دَيْنِهِ فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ يَأْخُذُ السُّلْطَانُ الْخَرَاجَ مِنْ الثَّمَرَةِ، وَالْخَرَاجُ فِي ذِمَّةِ الرَّاهِنِ؟ قُلْنَا: قَدْ قِيلَ أَنَّ الْمُرَادَ خَرَاجُ الْمُقَاسَمَةِ وَهُوَ جُزْءٌ مِنْ الْخَارِجِ كَالْعُشْرِ، وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ خَرَاجَ الْوَظِيفَةِ فَلَهُ تَعَلُّقٌ بِالْخَرَاجِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ امْتَنَعَ مِنْ أَدَاءِ الْخَرَاجِ يَبِيعُهُ الْإِمَامُ بِطَرِيقِ الِاجْتِهَادِ، وَإِذَا أَخَذَ السُّلْطَانُ الْخَرَاجَ أَوْ الْعُشْرَ مِنْ الرَّاهِنِ لَمْ يَكُنْ لِلرَّاهِنِ أَنْ يَرْجِعَ بِشَيْءٍ مِنْ الثَّمَرَةِ، وَهُوَ كُلُّهُ رَهْنٌ يَبِيعُهُ الْعَدْلُ، وَيُوفِيهِ الْمُرْتَهِنَ، وَلَا شَكَّ أَنَّ لِلسُّلْطَانِ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ الْخَرَاجَ، وَكَذَلِكَ الْعُشْرَ عِنْدَ حَاجَةِ مَصَارِفِ الْعُشْرِ، وَلِلسُّلْطَانِ أَنْ يَأْخُذَ الْعُشْرَ مِنْ مَالِكِ الثَّمَرَةِ بَعْدَ إدْرَاكِ الْغَلَّةِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّهُ يُطَالِبُهُ بِالْأَدَاءِ، وَلَهُ أَنْ يُؤَدِّيَ مِنْ أَيِّ مَوْضِعٍ شَاءَ فَإِذَا كَانَ هُوَ الَّذِي رَهَنَ الْعَيْنَ، وَتَعَذَّرَ عَلَيْهِ أَدَاءُ الْعُشْرِ أَخَذَهُ مِنْ غَيْرِ الثَّمَرَةِ لَزِمَهُ الْأَدَاءُ مِنْ مَحَلٍّ آخَرَ، فَإِذَا أَخَذَ مِنْهُ بَقِيَتْ الثِّمَارُ مَمْلُوكَةً لِلرَّاهِنِ مَحْبُوسَةً عِنْدَ الْمُرْتَهِنِ بِحَقِّهِ، وَلِلْعَدْلِ أَنْ يَبِيعَ الْكُلَّ، كَمَا بَيَّنَّا، وَلَا يَكُونُ لِلرَّاهِنِ أَنْ يَرْجِعَ بِشَيْءٍ مِنْ الثَّمَرَةِ مَا لَمْ يَقْضِ الدَّيْنَ؛ لِأَنَّهُ بِتَصَرُّفِهِ قَصَرَ يَدَ نَفْسِهِ عَنْ الثَّمَرَةِ مَا لَمْ يُؤَدِّ الدَّيْنَ، وَقَدْ كَانَتْ الثَّمَرَةُ مَشْغُولَةً بِالْعُشْرِ وَالْخَرَاجِ، فَإِذَا زَالَ ذَلِكَ بِأَدَائِهِ مِنْ مَحَلٍّ آخَرَ بَقِيَ حُكْمُ الرَّهْنِ فِيهِ عَلَى حَالِهِ.

قَالَ: وَلَوْ كَانَ الرَّهْنُ إبِلًا أَوْ بَقَرًا أَوْ غَنَمًا سَائِمَةً لَمْ يَكُنْ فِيهَا زَكَاةٌ؛ لِأَنَّ عَلَى صَاحِبِهَا مِنْ الدَّيْنِ مَا يَسْتَغْرِقُ رِقَابَهَا، وَوُجُوبُ الزَّكَاةِ مِنْ الْمَالِ النَّامِي بِاعْتِبَارِ عَنَاءِ الْمَالِكِ قَالَ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا صَدَقَةَ إلَّا عَنْ ظَهْرِ غِنًى»، وَبِالدَّيْنِ الْمُسْتَغْرَقِ يَنْعَدِمُ الْغِنَاءُ، وَالسَّبَبُ إذَا وَجَبَ الْحُكْمُ بِوَاسِطَةٍ لَمْ يَثْبُتْ الْحُكْمُ بِدُونِ تِلْكَ الْوَاسِطَةِ كَشِرَاءِ الْقَرِيبِ يُوجِبُ الْعِتْقَ بِوَاسِطَةِ الْمِلْكِ فَإِذَا اشْتَرَاهُ لِغَيْرِهِ لَا يَكُونُ إعْتَاقًا لِانْعِدَامِ الْوَاسِطَةِ.

وَإِنْ كَانَ الْعَدْلُ هُوَ الرَّاهِنُ فَإِنْ كَانَ الْمُرْتَهِنُ لَمْ يَقْبِضْ مِنْ يَدِ الرَّاهِنِ فَلَيْسَ بِرَهْنٍ؛ لِأَنَّ تَمَامَ الرَّهْنِ بِالْقَبْضِ، وَيَدُ الْمَالِكِ فِي مَالِهِ لَا تَكُونُ نَائِبَةً عَنْ الْغَيْرِ فَلَا يَصِيرُ الْمُرْتَهِنُ قَابِضًا بِيَدِ الرَّاهِنِ، وَإِنْ كَانَ الْمُرْتَهِنُ قَبَضَهُ، وَجَعَلَ الرَّاهِنَ مُسَلَّطًا عَلَى بَيْعِهِ فَهُوَ رَهْنٌ، وَبَيْعُ الرَّاهِنِ فِيهِ جَائِزٌ؛ لِأَنَّ الْعَيْنَ مِلْكُهُ، وَهُوَ مَشْغُولٌ بِحَقِّ الْمُرْتَهِنِ فَإِذَا رَضِيَ صَاحِبُ الْحَقِّ بِالْبَيْعِ نَفَذَ بَيْعُ الْمَالِكِ فِيهِ.

وَإِذَا ارْتَهَنَ

<<  <  ج: ص:  >  >>