للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَهُوَ ضَامِنٌ فِي الْقِيَاسِ قِيمَتَهُ لِلرَّاهِنِ، وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ، وَفِي الِاسْتِحْسَانِ: لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، وَهُوَ قَوْلُ عُلَمَائِنَا الثَّلَاثَةِ (- رَحِمَهُمُ اللَّهُ -) وَجْهُ الْقِيَاسِ: أَنَّ بِقَبْضِ الرَّهْنِ ثَبَتَتْ يَدُ الِاسْتِيفَاءِ لِلْمُرْتَهِنِ، وَيَتِمُّ ذَلِكَ بِهَلَاكِ الرَّهْنِ، وَصَيْرُورَتُهُ مُسْتَوْفِيًا بِهَلَاكِ الرَّهْنِ بَعْدَ الْإِبْرَاءِ بِمَنْزِلَةِ اسْتِيفَائِهِ حَقِيقَةً بَعْدَ الْإِبْرَاءِ فَيَلْزَمُهُ رَدُّ الْمُسْتَوْفَى، وَلَا يُقَالُ إنَّمَا يَصِيرُ مُسْتَوْفِيًا مِنْ وَقْتِ الْقَبْضِ حَتَّى تُعْتَبَرَ قِيمَتُهُ مِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ فَيَكُونَ بَرِيئًا بَعْدَ الِاسْتِيفَاءِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْإِبْرَاءَ بَعْدَ الِاسْتِيفَاءِ صَحِيحٌ مُوجِبٌ لِرَدِّ الْمُسْتَوْفَى كَالْبَائِعِ إذَا قَبَضَ الثَّمَنَ ثُمَّ أَبْرَأَ الْمُشْتَرِيَ عَنْ الثَّمَنِ.

وَقَدْ قَالَ بَعْدَ هَذَا فِي الرَّهْنِ بِالصَّدَاقِ: إذَا طَلَّقَهَا الزَّوْجُ قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا ثُمَّ هَلَكَ الرَّهْنُ لَا يَلْزَمُهَا رَدُّ شَيْءٍ عَلَى الزَّوْجِ بِطَرِيقِ الِاسْتِحْسَانِ، وَلَوْ كَانَ الطَّرِيقُ فِيهِ هَذَا لَلَزِمَهَا رَدُّ النِّصْفِ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ قَبْلَ الدُّخُولِ بَعْدَ اسْتِيفَاءِ الصَّدَاقِ يَلْزَمُهَا رَدُّ نِصْفِ الْمُسْتَوْفَى، وَلَا وَجْهَ لِإِسْقَاطِ الضَّمَانِ الْفَائِتِ فِي مَالِيَّةِ الرَّهْنِ بِسَبَبِ الْإِبْرَاءِ عَنْ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّ ضَمَانَ الْعَقْدِ بِالْقَبْضِ فَيَبْقَى بَعْدَ الْقَبْضِ، وَإِنْ سَقَطَ الدَّيْنُ، كَمَا لَوْ اسْتَوْفَى الدَّيْنَ حَقِيقَةً أَوْ اشْتَرَى بِالدَّيْنِ عَيْنًا أَوْ صَالَحَ مِنْهُ عَلَى عَيْنٍ أَوْ أَحَالَهُ عَلَى إنْسَانٍ آخَرَ بَقِيَ ضَمَانُ الرَّهْنِ، وَإِنْ بَرِئَتْ ذِمَّةُ الرَّاهِنِ عَنْ الدَّيْنِ، وَكَذَلِكَ لَوْ تَصَادَقَا عَلَى أَنْ لَا دَيْنَ، بَقِيَ ضَمَانُ الرَّهْنِ لِبَقَاءِ الْقَبْضِ، وَإِنْ انْعَدَمَ الدَّيْنُ، وَلَوْ تَبَادَلَا رَهْنًا بِرَهْنٍ بَقِيَ ضَمَانُ الْأَوَّلِ مَا لَا يَرُدُّهُ عَلَى الرَّاهِنِ لِبَقَاءِ الْقَبْضِ، وَالْمُشْتَرِي إذَا قَبَضَ الْمَبِيعَ فَهُوَ بِالْخِيَارِ ثُمَّ فَسْخُ الْبَيْعِ بَقِيَ مَضْمُونًا بِالثَّمَنِ لِبَقَاءِ الْقَبْضِ، وَإِنْ انْفَسَخَ الْبَيْعُ، وَإِذَا كَانَ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ فَفَسْخُ الْبَيْعِ يَبْقَى مَضْمُونًا بِالْقِيمَةِ عَلَى الْمُشْتَرَى؛ لِبَقَاءِ الْقَبْضِ، كَمَا فِي الِابْتِدَاءِ.

وَلَا يُقَالُ لَوْ وَجَبَ الضَّمَانُ عَلَى الْمُرْتَهِنِ إنَّمَا يَجِبُ بِسَبَبِ الْإِبْرَاءِ، وَهُوَ مُتَبَرِّعٌ فِيهِ فَلَا يُوجِبُ عَلَيْهِ ضَمَانًا؛ لِأَنَّ وُجُوبَ الضَّمَانِ عَلَيْهِ لَيْسَ بِالْإِبْرَاءِ، بَلْ الِاسْتِيفَاءِ بِهَلَاكِ الرَّهْنِ إلَّا أَنَّهُ قَبْلَ الْإِبْرَاءِ كَانَتْ تَقَعُ الْمُقَاصَّةُ، وَبَعْدَ الْإِبْرَاءِ لَا يُمْكِنُ إثْبَاتُ الْمُقَاصَّةِ فَيَبْقَى الْمُسْتَوْفِي مَضْمُونًا عَلَيْهِ، كَمَا لَوْ اسْتَوْفَاهُ حَقِيقَةً بَعْدَ الْإِبْرَاءِ، وَيَلْزَمُهُ ضَمَانُ الْمُسْتَوْفِي، وَإِنْ كَانَ لَوْ لَمْ يَسْبِقْ الْإِبْرَاءُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ شَيْءٌ، وَلِلِاسْتِحْسَانِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ ضَمَانَ الرَّهْنِ يَثْبُتُ بِاعْتِبَارِ الْقَبْضِ، وَالدَّيْنِ جَمِيعًا؛ لِأَنَّهُ ضَمَانُ الِاسْتِيفَاءِ فَلَا يَتَحَقَّقُ ذَلِكَ إلَّا بِاعْتِبَارِ الدَّيْنِ، وَبِالْإِبْرَاءِ عَنْ الدَّيْنِ انْعَدَمَ أَحَدُ الْمَعْنَيَيْنِ، وَهُوَ الدَّيْنُ، وَالْحُكْمُ الثَّابِتُ بَعْلَةٍ ذَاتِ وَصْفَيْنِ يَنْعَدِمُ بِانْعِدَامِ أَحَدِهِمَا.

(أَلَا تَرَى) أَنَّهُ لَوْ رَدَّ الرَّهْنَ سَقَطَ الضَّمَانُ لِانْعِدَامِ الْقَبْضِ مَعَ بَقَاءِ الدَّيْنِ، فَكَذَلِكَ إذَا أُبْرِئَ مِنْ الدَّيْنِ يَسْقُطُ الضَّمَانُ لِانْعِدَامِ الدَّيْنِ مَعَ بَقَاءِ الْقَبْضِ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ اسْتَوْفَى حَقِيقَةً؛ لِأَنَّ هُنَاكَ الدَّيْنَ بِالِاسْتِيفَاءِ لَا يَسْقُطُ بَلْ يَتَقَرَّرُ، فَإِنَّ مَا هُوَ الْمَقْصُودُ يَحْصُلُ بِالِاسْتِيفَاءِ، وَحُصُولُ

<<  <  ج: ص:  >  >>