للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَذْكُورَةٌ فِي الْوَصَايَا

وَلَوْ كَانَتْ الْوَرَثَةُ كِبَارًا كُلُّهُمْ لَمْ يَكُنْ لِلْوَصِيِّ أَنْ يَرْهَنَ مِنْ مَتَاعِهِمْ شَيْئًا بِدَيْنٍ يَسْتَدِينُهُ عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ إنْ كَانُوا صِغَارًا وَكِبَارًا؛ لِأَنَّهُ مُشَاعٌ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانُوا كِبَارًا مَحْبُوسِينَ عَنْ التَّصَرُّفِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَمْلِكُ عَلَيْهِمْ مِنْ التَّصَرُّفِ مَا يَرْجِعُ إلَى الْحِفْظِ، وَالرَّهْنُ لَيْسَ مِنْ ذَلِكَ فِي شَيْءٍ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ بَيْعِ الْعَقَارِ، وَلِلْوَصِيِّ أَنْ يَرْهَنَ بِدَيْنٍ عَلَى الْمَيِّتِ؛ لِأَنَّهُ قَائِمٌ مَقَامَهُ فِيمَا هُوَ مِنْ حَوَائِجِ الْمَيِّتِ، وَإِيفَاءُ الدَّيْنِ مِنْ حَوَائِجِهِ، وَيَمْلِكُهُ الْوَصِيُّ، فَكَذَلِكَ الرَّهْنُ بِهِ كَانَتْ الْوَرَثَةُ صِغَارًا أَوْ كِبَارًا، وَكَانَ الْكَبِيرُ شَاهِدًا وَاحْتَاجَ إلَى نَفَقَةٍ يُنْفِقُهَا عَلَى الرَّقِيقِ فَرَهَنَ شَيْئًا مِنْ مَتَاعِهِمْ فِي ذَلِكَ، فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ (رَحِمَهُمَا اللَّهُ) وَإِنْ كَانَ غَائِبًا جَازَ؛ لِأَنَّ الِاسْتِدَانَةَ لِلْإِنْفَاقِ عَلَى الرَّقِيقِ مِنْ التَّصَرُّفَاتِ الَّتِي تَرْجِعُ إلَى الْحِفْظِ، وَالْوَصِيُّ يَمْلِكُ ذَلِكَ فِي حَقِّ الْكَبِيرِ الْغَائِبِ، كَمَا يَمْلِكُ بَيْعَ الْعُرُوضِ، وَلَا يَمْلِكُ فِي حَقِّ الْكَبِيرِ الْحَاضِرِ عِنْدَهُمَا، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ (- رَحِمَهُ اللَّهُ -) بِاعْتِبَارِ وِلَايَتِهِ نَصِيبَ الصَّغِيرِ تَثْبُتُ لَهُ الْوِلَايَةُ فِي ذَلِكَ فِي نَصِيبِ الْكَبِيرِ أَيْضًا، كَمَا فِي الْبَيْعِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُهُ الرَّقِيقَ إذَا كَانَ فِي الْوَرَثَةِ صِغَارٌ، وَكِبَارٌ فَكَذَلِكَ لَهُ وِلَايَةُ الِاسْتِدَانَةِ لِلْإِنْفَاقِ عَلَيْهِمْ ثُمَّ كَمَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَقْضِيَ ذَلِكَ الدَّيْنَ مِنْ مَالِهِمْ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَرْهَنَ بِهِ رَهْنًا

وَلَوْ رَهَنَ الْوَارِثُ الْكَبِيرُ شَيْئًا مِنْ مَتَاعِ الْمَيِّتِ، وَعَلَى الْمَيِّتِ دَيْنٌ، وَلَا وَارِثَ لَهُ غَيْرُهُ فَإِنْ خَاصَمَ الْغَرِيمَ فِي ذَلِكَ أَبْطَلَ الرَّهْنَ، وَبِيعَ لَهُ فِي دَيْنِهِ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ تَعَلَّقَ بِمَالِيَّةِ الْعَيْنِ الَّتِي رَهَنَهَا، فَالْوَارِثُ بِتَصَرُّفِهِ قَصَدَ إبْطَالَ حَقِّهِ فَيُرَدُّ عَلَيْهِ قَصْدُهُ، وَهَذَا التَّصَرُّفُ مِنْ الْوَارِثِ مُعْتَبَرٌ بِسَائِرِ التَّصَرُّفَاتِ كَالْبَيْعِ، وَنَحْوِهِ وَذَلِكَ لَا يَنْفُذُ مِنْ الْوَارِثِ فِي التَّرِكَةِ الْمَشْغُولَةِ بِالدَّيْنِ فَإِنْ قَضَى الْوَارِثُ الدَّيْنَ جَازَ الرَّهْنُ؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ حَقُّ الْغَرِيمِ، وَقَدْ زَالَ بِوُصُولِ دَيْنِهِ إلَيْهِ فَيَنْفُذُ الرَّهْنُ مِنْ الْوَارِثِ، كَمَا يَنْفُذُ سَائِرُ التَّصَرُّفَاتِ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ عَلَى الْمَيِّتِ دَيْنٌ فَرَهَنَ الْوَارِثُ الْكَبِيرُ شَيْئًا مِنْ مَتَاعِهِ بِمَالِ أَنْفَقَهُ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ كَانَ الْوَارِثُ صَغِيرًا فَفَعَلَ ذَلِكَ الْوَصِيُّ ثُمَّ رُدَّتْ عَلَيْهِمْ سِلْعَةً بِالْعَيْنِ كَانَ الْمَيِّتُ بَاعَهَا فَهَلَكَتْ فِي أَيْدِيهِمْ، وَصَارَ ثَمَنُهَا دَيْنًا فِي مَالِ الْمَيِّتِ، وَلَيْسَ لَهُ مَالٌ غَيْرُ مَا رَهَنَ بِالنَّفَقَةِ فَالرَّهْنُ جَائِزٌ؛ لِأَنَّهُ حِينَ سَلَّمَ الرَّهْنَ إلَى الْمُرْتَهِنِ لَمْ يَكُنْ عَلَى الْمَيِّتِ دَيْنٌ، وَالْعَيْنُ كَانَتْ مِلْكًا لِلْوَارِثِ فَارِغَةً عَنْ حَقِّ الْغَيْرِ فَلَزِمَهُ حَقُّ الْمُرْتَهِنِ فِيهِ ثُمَّ لِحَقِّ الدَّيْنِ بَعْدَ ذَلِكَ بِرَدِّ السِّلْعَةِ بِالْعَيْبِ فَلَا يُبْطِلُ ذَلِكَ حَقَّ الْمُرْتَهِنِ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ أَقَرَّ الْوَارِثُ بِدَيْنٍ عَلَى الْمَيِّتِ بَعْدَ الرَّهْنِ.

وَهَذَا الْخِلَافُ مَا إذَا اسْتَحَقَّ الْعَبْدَ الَّذِي كَانَ الْمَيِّتُ بَاعَهُ أَوْ وُجِدَ حُرًّا، فَإِنَّ الرَّهْنَ يَبْطُلُ؛ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّ الدَّيْنَ كَانَ وَاجِبًا عَلَى الْمَيِّتِ حِينَ رَهَنَ الْوَارِثُ التَّرِكَةَ، فَالْحُرُّ لَا يَدْخُلُ فِي الْعَقْدِ، وَلَا يَمْلِكُ

<<  <  ج: ص:  >  >>