بِمَنْزِلَةِ الْأَجْنَبِيِّ، وَهُمْ أَحَقُّ بِالْكَسْبِ مِنْهُ يَصْرِفُونَ ذَلِكَ إلَى حَوَائِجِهِمْ، وَهَذَا بِخِلَافِ الْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ فَإِنَّهُ لَا يَبِيعُ مِنْ هَؤُلَاءِ، وَكَذَلِكَ الْوَصِيُّ؛ لِأَنَّهُ فِي الْبَيْعِ مِنْهُمْ فِي حَقِّ هَؤُلَاءِ، وَفِي الرَّهْنِ لَا يَكُونُ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّ حُكْمَ الرَّهْنِ وَاحِدٌ، وَهُوَ أَنَّهُ مَضْمُونٌ بِالْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ، وَمِنْ الدَّيْنِ سَوَاءٌ رَهَنَهُ عِنْدَ هَؤُلَاءِ أَوْ عِنْدَ أَجْنَبِيٍّ فَلِانْتِفَاءِ التُّهْمَةِ يَنْفُذُ تَصَرُّفُهُ مَعَهُمْ وَلَوْ رَهَنَ الْوَصِيُّ مَالَ الْيَتِيمِ ثُمَّ غَصَبَهُ فَاسْتَعْمَلَهُ حَتَّى هَلَكَ عِنْدَهُ فَهُوَ ضَامِنٌ لِقِيمَتِهِ؛ لِأَنَّهُ بِالْغَصْبِ صَارَ جَانِيًا عَلَى حَقِّ الْمُرْتَهِنِ مُفَوِّتًا لِيَدِهِ الْمُسْتَحَقَّةِ فَهُوَ فِي ذَلِكَ كَالْأَجْنَبِيِّ ضَامِنٌ لِقِيمَتِهِ يَقْضِي مِنْهُ الدَّيْنَ إذَا كَانَ حَالًّا، وَالْفَضْلُ لِلْيَتِيمِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ حَلَّ فَالْقِيمَةُ رَهْنٌ؛ لِأَنَّهُ فِي الْغَصْبِ، وَالِاسْتِعْمَالِ لَا يَكُونُ عَامِلًا لِلْيَتِيمِ فِي مَالِهِ، بَلْ يَكُونُ هُوَ فِيهِ كَأَجْنَبِيٍّ آخَرَ، فَيَتَقَرَّرُ الضَّمَانُ عَلَيْهِ وَإِنْ اسْتَدَانَهُ الْوَصِيُّ عَلَى نَفْسِهِ، وَرَهَنَ مَتَاعًا لِلْيَتِيمِ فِي ذَلِكَ فَهُوَ جَائِزٌ، وَكَذَلِكَ الْوَلَدُ فِي هَذِهِ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ (- رَحِمَهُ اللَّهُ -) لَا يَجُوزُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ صَرَفَ مَالَ الْيَتِيمِ إلَى مَنْفَعَةِ نَفْسِهِ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ، وَلَيْسَ لِلْأَبِ، وَالْوَصِيِّ ذَلِكَ.
(أَلَا تَرَى) أَنَّهُ لَيْسَ لَهُمَا أَنْ يَقْضِيَا دِينَهُمَا بِمَالِ الصَّغِيرِ، فَكَذَلِكَ لَا يَكُونُ لَهُمَا أَنْ يَرْهَنَا مَتَاعَ الْيَتِيمِ بِدَيْنِهِمَا، وَلَكِنَّا نَقُولُ لِلْأَبِ، وَالْوَصِيِّ أَنْ يُودِعَا مَالَ الصَّغِيرِ مِنْ هَذَا الرَّجُلِ، وَالْمَنْفَعَةُ لِلصَّغِيرِ فِي الرَّهْنِ أَظْهَرُ مِنْهُ فِي الْإِيدَاعِ؛ لِأَنَّهُ فِي الْإِيدَاعِ إذَا هَلَكَ بَطَلَ حَقُّ الصَّغِيرِ، وَفِي الرَّهْنِ إذَا هَلَكَ صَارَ الْمُرْتَهِنُ مُسْتَوْفِيًا لِدَيْنِهِ، وَكَانَا ضَامِنَيْنِ لِلصَّغِيرِ مَالِيَّةَ الرَّهْنِ، وَهَذَا بِخِلَافِ حَقِيقَةِ الْإِيفَاءِ؛ لِأَنَّهُ إخْرَاجُ مِلْكِ الدَّيْنِ مِنْ مِلْكِ الصَّغِيرِ بِغَيْرِ عِوَضٍ يَدْخُلُ فِي مِلْكِهِ بِمُقَابَلَتِهِ فِي الْحَالِ فَلَا يَنْفُذُ مِنْهُمَا، فَأَمَّا بِالرَّهْنِ فَلَا تَخْرُجُ الْعَيْنُ عَنْ مِلْكِهِ، وَلَكِنْ يَتَعَيَّنُ حَافِظٌ بِحِفْظِهَا، وَهُوَ الْمُرْتَهِنُ فَهُوَ كَالْإِيدَاعِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَإِنْ سَلَّطَا الْمُرْتَهِنَ عَلَى بَيْعِهِ فَهُوَ نَظِيرُ التَّوْكِيلِ بِالْبَيْعِ، وَلَهُمَا ذَلِكَ فِي مَالِ الصَّغِيرِ، وَفِي الْحَقِيقَةِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تَنْبَنِي عَلَى الْبَيْعِ فَإِنَّ الْأَبَ أَوْ الْوَصِيَّ إذَا بَاعَ مَالَ الْيَتِيمِ مِنْ غَرِيمِ نَفْسِهِ بِمِثْلِ مَا عَلَيْهِ مِنْ الدَّيْنِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَمُحَمَّدٍ (رَحِمَهُمَا اللَّهُ) تَعَالَى يَصِيرُ الثَّمَنُ قِصَاصًا بِدَيْنِهِ، وَيَصِيرُ هُوَ ضَامِنًا لِلصَّغِيرِ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ (- رَحِمَهُ اللَّهُ -) لَا يَصِيرُ الثَّمَنُ قِصَاصًا بِدَيْنِهِ، فَإِذَا كَانَ مِنْ أَصْلِهِ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ قَضَاءَ دَيْنِ نَفْسِهِ بِمَالِ الْيَتِيمِ بِطَرِيقِ الْبَيْعِ، فَكَذَلِكَ بِطَرِيقِ الرَّهْنِ، وَعِنْدَهُمَا لَمَّا كَانَ يَمْلِكُ ذَلِكَ بِطَرِيقِ الْبَيْعِ.
فَكَذَلِكَ بِطَرِيقِ الرَّهْنِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الرَّهْنِ ضَرَرٌ عَلَى الصَّبِيِّ إلَّا أَنْ يَصِيرَ قَاضِيًا دَيْنَهُ عِنْدَ هَلَاكِ الرَّهْنِ ضَامِنًا مِثْلَهُ لِلْيَتِيمِ فَهُوَ كَالْبَيْعِ فِي هَذَا الْحُكْمِ، وَإِذَا رَهَنَ الْأَبُ مِنْ نَفْسِهِ مَتَاعَ الصَّغِيرِ فَهُوَ جَائِزٌ، كَمَا يَجُوزُ بَيْعُهُ مَالَ الصَّغِيرِ لِنَفْسِهِ قَالَ بِخِلَافِ الْوَصِيِّ؛ لِأَنَّ الْأَبَ يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ مَعَ نَفْسِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ مَنْفَعَةٌ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute