مِلْكِهِ عَلَيْهِ، وَالْبَيَانُ فِي أَنَّهُ قَالَ: وَيَجْعَلُهُ دَيْنًا عَلَى الرَّاهِنِ، وَهَكَذَا يَقُولُ فِي (كِتَابِ اللُّقَطَةِ) وَغَيْرِهِ، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ الْأَعْمَشُ (- رَحِمَهُ اللَّهُ -) يَقُولُ: لَا حَاجَةَ إلَى هَذِهِ الزِّيَادَةِ، وَلَكِنَّ مُجَرَّدَ أَمْرِهِ يَكْفِي؛ لِأَنَّ أَمْرَ الْقَاضِي كَأَمْرِ صَاحِبِ الْمَالِ، وَأَكْثَرُ مَشَايِخِنَا (رَحِمَهُمْ اللَّهِ) عَلَى: أَنَّهُ مَا لَمْ يُصَرِّحْ الْقَاضِي بِهَذَا اللَّفْظِ لَا يَصِيرُ دَيْنًا؛ لِأَنَّ أَمْرَ الْقَاضِي فِي هَذَا الْمَوْضِعِ لَيْسَ لِإِلْزَامِ الْمَأْمُورِ، فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الْإِنْفَاقُ، وَإِنْ أَمَرَهُ الْقَاضِي بِذَلِكَ، وَلَكِنَّ الْمَقْصُودَ النَّظَرُ، وَهُوَ مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ الْأَمْرِ بِالْإِنْفَاقِ حِسْبَةً وَبَيْنَ الْأَمْرِ بِالْإِنْفَاقِ لِيَكُونَ دَيْنًا، فَعِنْدَ الْإِطْلَاقِ لَا يَثْبُتُ إلَّا أَدْنَاهُمَا، وَلَا يَصِيرُ دَيْنًا إلَّا بِالْقَبْضِ بِخِلَافِ أَمْرِ صَاحِبِ الْمَالِ، فَهَذَا اسْتِقْرَاضٌ أَوْ اسْتِيهَابٌ يُثْبِتُ أَدْنَاهُمَا، وَالْأَدْنَى هُنَاكَ الِاسْتِقْرَاضُ، وَلَا يُصَدَّقُ الْمُرْتَهِنُ عَلَى النَّفَقَةِ إلَّا بِبَيِّنَةٍ؛ لِأَنَّهُ يَدَّعِي لِنَفْسِهِ دَيْنًا فِي ذِمَّةِ الرَّاهِنِ، وَهُوَ غَيْرُ مَقْبُولِ الْقَوْلِ فِيمَا يَدَّعِيهِ لِنَفْسِهِ فِي ذِمَّةِ غَيْرِهِ إلَّا بِبَيِّنَةٍ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ بَيِّنَةٌ حَلَفَ الرَّاهِنُ مَا يَعْلَمُ أَنَّهُ أَنْفَقَ عَلَى رَهْنِهِ كَذَا وَكَذَا؛ لِأَنَّ الْمُنْفِقَ يَدَّعِي عَلَيْهِ الدَّيْنَ، وَهُوَ يُنْكِرُ، فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ، وَلِأَنَّهُ يُسْتَحْلَفُ عَلَى فِعْلِ الْغَيْرِ، وَهُوَ الْإِنْفَاقُ مِنْ الْمَأْمُورِ، وَالْيَمِينُ عَلَى فِعْلِ الْغَيْرِ يَكُونُ عَلَى الْعِلْمِ.
وَلَوْ ارْتَهَنَ دَابَّتَيْنِ فَنَفَقَتْ إحْدَاهُمَا ذَهَبَ مِنْ الدَّيْنِ بِحِسَابِهِ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَتْ الْبَاقِيَةُ مِثْلُهَا، وَلَيْسَ هَذَا كَجِنَايَةِ الرَّقِيقِ مَعْنَاهُ: إذَا رَهَنَ عَبْدَيْنِ بِأَلْفٍ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَلْفٌ، فَقَتَلَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ كَانَ الْبَاقِي مِنْهُمَا رَهْنًا بِسَبْعِمِائَةٍ وَخَمْسِينَ، وَيَتَحَوَّلُ إلَى الْقَاتِلِ بَعْدَ مَا كَانَ عَلَى الْمَقْتُولِ مِنْ الدَّيْنِ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ فِي (بَابِ الْجِنَايَاتِ) وَفِي هَذِهِ الصُّورَةِ مِنْ الدَّابَّتَيْنِ كَانَتْ الْبَاقِيَةُ رَهْنًا بِخَمْسِمِائَةٍ؛ لِأَنَّ جِنَايَةَ إحْدَى الدَّابَّتَيْنِ عَلَى الْأُخْرَى هَدَرٌ قَالَ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَرْحُ الْعَجْمَاءِ جُبَارٌ.
فَكَانَ قَتْلُ إحْدَاهُمَا الْأُخْرَى، وَمَوْتُهَا سَوَاءً، بِخِلَافِ بَنِي آدَمَ فَإِنَّهُ مِنْ أَهْلِ جِنَايَةٍ مُعْتَبَرَةٍ فِي الْأَحْكَامِ فَحِصَّةُ الْأَمَانَةِ مِنْ الْجَانِي عَلَى الْمَضْمُونِ مِنْ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ لَا بُدَّ أَنْ يُقَامَ مَقَامَهُ فِي تَحْوِيلِ مَا كَانَ عَلَى الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ إلَى الْجَانِي، وَذَلِكَ نِصْفُ مَا كَانَ عَلَى الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ، وَلَوْ اُسْتُحِقَّتْ إحْدَاهُمَا لَمْ تَنْفَكَّ الْأُخْرَى إلَّا بِجَمِيعِ الْمَالِ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا مَحْبُوسَةٌ بِجَمِيعِ الْمَالِ عِنْدَ الْإِجْمَالِ، وَإِنْ هَلَكَتْ إحْدَاهُمَا هَلَكَتْ بِحِصَّتِهَا؛ لِأَنَّ حُكْمَ الضَّمَانِ يَتَوَزَّعُ عَلَيْهِمَا، فَعِنْدَ هَلَاكِ إحْدَاهُمَا إنَّمَا يَصِيرُ مُسْتَوْفِيًا حِصَّتَهَا فِي الدَّيْنِ بِمَنْزِلَةِ الْعَيْنِ الْوَاحِدَةِ يَرْهَنُهَا مِنْ رَجُلَيْنِ بِدَيْنٍ لَهُمَا فِي أَنَّ حُكْمَ الْحَبْسِ يَكُونُ مُخَالِفًا لِحُكْمِ اسْتِيفَاءِ الدَّيْنِ عِنْدَ الْهَلَاكِ حَتَّى يَصِيرَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عِنْدَ الْهَلَاكِ مُسْتَوْفِيًا نِصْفَ دَيْنِهِ، وَلَوْ وَلَدَتْ إحْدَاهُمَا وَلَدًا، وَقِيمَتُهُمَا سَوَاءٌ، وَقِيمَةُ الْوَلَدِ قِيمَةُ الْأُمِّ ثُمَّ بِيعَتْ الَّتِي لَمْ تَلِدْ ذَهَبَ بِنِصْفِ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ تَابِعٌ لِلْأُمِّ دَاخِلٌ مَعَهَا فِي حِصَّتِهَا؛
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute