للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِالدَّيْنِ فَيَصِيرُ الْمُرْتَهِنُ مُسْتَوْفِيًا كَمَالَ حَقِّهِ بِهَلَاكِهِ، وَإِنْ انْكَسَرَ، فَعَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ (رَحِمَهُمَا اللَّهُ): يَضْمَنُ الْمُرْتَهِنُ قِيمَتَهُ إنْ شَاءَ مِنْ جِنْسِهِ، وَإِنْ شَاءَ مِنْ خِلَاف جِنْسِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ فِيهِ الرِّبَا، وَيَكُونُ مَا ضَمِنَهُ رَهْنًا عِنْدَهُ إلَى أَنْ يَحِلّ أَجَلُ الدَّيْنِ ثُمَّ يَسْتَوْفِيَهُ ضَامِنٌ حَقَّهُ، وَالْمَكْسُورُ مَمْلُوكٌ لَهُ بِالضَّمَانِ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ (- رَحِمَهُ اللَّهُ -) يُخَيَّرُ الرَّاهِنُ إنْ شَاءَ سَلَّمَ الْمَكْسُورَ لِلْمُرْتَهِنِ بِدَيْنِهِ، وَإِنْ شَاءَ افْتَكَّهُ بِبَعْضِ الدَّيْنِ، وَرَوَى أَصْحَابُ (الْإِمْلَاءِ) عَنْ أَبِي يُوسُفَ.

وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ (رَحِمَهُمَا اللَّهُ) أَنَّ الرَّاهِنَ يُجْبَرُ عَلَى افْتِكَاكِ اقْتِضَاءِ جَمِيعِ الدَّيْنِ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُضَمِّنَ الْمُرْتَهِنَ شَيْئًا، وَالْأَصْلُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ (- رَحِمَهُ اللَّهُ -) أَنَّ حَالَةَ الِانْكِسَارِ مُعْتَبَرَةٌ بِحَالَةِ الْهَلَاكِ، وَالْقُلْبُ عِنْدَ الْهَلَاكِ فِي هَذَا الْفَصْلِ مَضْمُونٌ بِالدَّيْنِ دُونَ الْقِيمَةِ، فَكَذَلِكَ عِنْدَ الِانْكِسَارِ؛ لِأَنَّ ضَمَانَ الْقِيمَةِ يُوجِبُ الْمِلْكَ فِي الْمَضْمُونِ لِلضَّامِنِ، وَضَمَانُ الدَّيْنِ لَا يُوجِبُ ذَلِكَ، وَسَبَبُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الضَّامِنَيْنِ الْقَبْضُ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِشَيْءٍ وَاحِدٍ ضَمَانَانِ مِنْ جِنْسَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ فَعِنْدَ تَعَذُّرِ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الثَّابِتُ أَحَدَهُمَا وَبِالْإِجْمَاعِ فِي حَالَةِ الْهَلَاكِ: الْقُلْبُ مَضْمُونٌ بِالدَّيْنِ هُنَا، فَكَذَلِكَ فِي حَالَةِ الِانْكِسَارِ.

(أَلَا تَرَى) أَنَّ الْمَبِيعَ لَمَّا كَانَ مَضْمُونًا بِالثَّمَنِ اسْتَوَى فِيهِ حَالَةُ الْهَلَاكِ، وَحَالَةُ الِانْكِسَارِ، وَالْمَغْصُوبُ لَمَّا كَانَ مَضْمُونًا بِالْقِيمَةِ اسْتَوَى فِيهِ حَالَةُ الْهَلَاكِ، وَحَالَةُ الِانْكِسَارِ، فَهَذِهِ مِثْلُهُ إلَّا أَنَّ عِنْدَ الْهَلَاكِ يَتِمُّ الِاسْتِيفَاءُ حُكْمًا بَيْنَ الْوَزْنِ؛ لِأَنَّ الِاسْتِيفَاءَ يَكُونُ مِنْ الْمَالِيَّةِ، وَالْمَالِيَّةُ فِي مَالِ الرِّبَا عِنْدَ الْمُقَابَلَةِ بِالْجِنْسِ يَكُون بِقَدْرِ الْوَزْنِ، وَالْكَيْلِ فَأَمَّا عِنْدَ الِانْكِسَارِ فَلَا يَتِمُّ الِاسْتِيفَاءُ لِبَقَاءِ الْوَزْنِ، وَلَكِنَّهُ يَتَخَيَّرُ الرَّاهِنَ إنْ شَاءَ سَلَّمَ الْمَكْسُورَ لِلْمُرْتَهِنِ، وَجَعَلَهُ فِي حُكْمِ الْهَلَاكِ فَيَتِمُّ الِاسْتِيفَاءُ، وَإِنْ شَاءَ افْتَكَّهُ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ، كَمَا إذَا انْكَسَرَ الْقُلْبُ الْمَبِيعُ يُخَيَّرُ الْمُشْتَرِي بَيْنَ أَنْ يَأْخُذَهُ، وَيُؤَدِّيَ جَمِيعَ الثَّمَنِ، وَبَيْنَ أَنْ يَفْسَخَ الْبَيْعَ، وَيَجْعَلَهُ فِي حُكْمِ الْمُسْتَهْلَكِ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ (رَحِمَهُمَا اللَّهُ) قَالَا: ضَمَانُ الرَّهْنِ ضَمَانُ اسْتِيفَاءٍ، وَالِاسْتِيفَاءُ يَكُونُ مِنْ الْمَالِيَّةِ، وَمَالِيَّةُ الْقُلْبِ بِاعْتِبَارِ، وَزْنِهِ، وَالْوَزْنُ قَائِمٌ بَعْدَ الِانْكِسَارِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، فَلَا يُمْكِنُ جَعْلُ الْمُرْتَهِنِ مُسْتَوْفِيًا رَضِيَ بِهِ الرَّاهِنُ أَوْ لَمْ يَرْضَ؛ لِأَنَّ عِنْدَ تَسْلِيمِ الرَّاهِنِ الْمَكْسُورَ لِلْمُرْتَهِنِ لَا بُدَّ مِنْ الْقَبُولِ؛ لِأَنَّ الْمُرْتَهِنَ يَمْتَلِكُ الْمَكْسُورَ، وَذَلِكَ لَيْسَ مِنْ حُكْمِ ضَمَانِ الِاسْتِيفَاءِ إذَا لَمْ يَهْلَكْ الرَّهْنُ، لَا يَمْلِكُ الْمُرْتَهِنُ الْمَرْهُونَ بِهِ، وَلِهَذَا لَوْ كَانَ عَبْدًا كَانَ كَفَنُهُ عَلَى الرَّاهِنِ، وَإِذَا تَعَذَّرَ جَعْلُ الْمُرْتَهِنِ مُسْتَوْفِيًا قُلْنَا: الرَّاهِنُ مَا رَضِيَ بِقَبْضِهِ إلَّا عَلَى وَجْهٍ يَصِيرُ مُسْتَوْفِيًا عِنْدَ تَعَذُّرِ رَدِّهِ، كَمَا قَبَضَ فَلَا يَكُونُ رَاضِيًا بِقَبْضِهِ بِدُونِ هَذَا الشَّرْطِ، فَالْقُلْبُ فِي هَذِهِ الْحَالِ، كَالْمَقْبُوضِ بِغَيْرِ رِضَاهُ، وَهُوَ الْمَغْصُوبُ، فَيَكُونُ مَضْمُونًا بِقِيمَتِهِ، وَيُخَيَّرُ الْمَالِكُ بَيْنَ

<<  <  ج: ص:  >  >>