للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عِنْدَ التَّكْذِيبِ لِرَجَاءِ نُكُولِهِ، وَلَكِنَّهُ يَحْلِفُ عَلَى فِعْلِ الْغَيْرِ فَيَكُونُ عَلَى الْفِعْلِ فَإِنْ قِيلَ: الِاسْتِحْلَافُ يَتَرَتَّبُ عَلَى دَعْوَى صَحِيحَةٍ، وَلَمْ تَصِحَّ الدَّعْوَى مِنْ الْمُقِرِّ لِلتَّنَاقُضِ، فَكَيْفَ يَحْلِفُ الْخَصْمُ؟ قُلْنَا: مَوْضُوعُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ قَالَ: رَهَنْتُهُ، وَلَمْ يَقُلْ عِنْدَ أَحَدٍ، فَكَانَ تَوْفِيقُهُ بَيْنَ الْكَلَامَيْنِ صَحِيحًا أَنِّي رَهَنْتُهُ عِنْدَ نَفْسِي ظَنًّا مِنْهُ أَنَّ ذَلِكَ صَحِيحٌ، وَإِذَا تَقَدَّمَ التَّنَاقُضُ، بِهَذَا التَّوْقِيفِ تَوَجَّهَتْ الْيَمِينُ عَلَى الْخَصْمِ، وَإِنْ قَالَ الْآخَرُ: قَدْ أَقْرَرْتَ أَنَّكَ رَهَنْتَهُ ثُمَّ زَعَمْتَ أَنَّكَ لَمْ تَفْعَلْ فَأَنْتِ ضَامِنٌ لِلْقُلْبِ فَلَهُ أَنْ يُضَمِّنَهُ قِيمَةَ الْقُلْبِ مَصُوغًا مِنْ الذَّهَبِ، وَيَرْجِعُ بِالْعَشَرَةِ قَالَ: عِيسَى هَذَا غَلَطٌ، وَلَا مَعْنًى لِإِيجَابِ ضَمَانِ الْقِيمَةِ عَلَى الْوَكِيلِ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ رَهَنَهُ فَلَيْسَ عَلَيْهِ ضَمَانُ الْقِيمَةِ أَيْضًا، وَلَيْسَ هُنَا حَالَةٌ ثَالِثَةٌ، فَبِأَيِّ طَرِيقٍ يَكُونُ الْوَكِيلُ ضَامِنًا؟ لِلْقِيمَةِ، وَهَذَا نَظِيرُ الظَّنِّ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فِي (كِتَابِ الْوَدِيعَةِ) إذَا ادَّعَى الْمُودِعُ الْهَلَاكَ ثُمَّ ادَّعَى الرَّدَّ، وَوَجْهُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ: أَنَّهُ مِنْ حَيْثُ الظَّاهِرِ قَدْ تَنَاقَضَ كَلَامُهُ، وَمَعَ التَّنَاقُضِ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ، فَكَأَنَّهُ سَاكِتٌ حَابِسٌ لِلْقُلْبِ، فَيَضْمَنُ قِيمَتَهُ.

تَوْضِيحُهُ: أَنَّهُ لَمَّا قَالَ: رَهَنْتُهُ أَوْجَبَ هَذَا الْكَلَامَ أَنَّهُ لَمْ يَبْقَ لَكَ عِنْدِي شَيْءٌ فَيُجْعَلُ جَاحِدًا الْأَمَانَةَ، بِهَذَا الطَّرِيقِ، وَمَنْ نَكَلَ أَمَانَةً فِي يَدِهِ ضَمِنَهَا؛ فَلِهَذَا كَانَ لَهُ أَنْ يُضَمِّنَ الْوَكِيلَ قِيمَتَهُ.

وَلَوْ ارْتَهَنَ طَوْقَ ذَهَبٍ فِيهِ مِائَةٌ وَخَمْسُونَ مِثْقَالًا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَحَالَ الْحَوْلُ، وَالْأَلْفُ عِنْدَ الرَّاهِنِ يَتَّجِرُ فِيهَا فَلَا زَكَاةَ فِيهَا عَلَى الرَّاهِنِ فِي رَهْنِهِ، وَلَا زَكَاةَ عَلَى الْمُرْتَهِنِ فِي الدَّيْنِ الَّذِي لَهُ عِنْدَهُ، فَإِذَا قَبَضَ الْمَالَ، وَرَدَّ الرَّهْنَ فَعَلَى الْمُرْتَهِنِ زَكَاةُ الْأَلْفِ لِمَا مَضَى لِوُصُولِ يَدِهِ إلَيْهَا، وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي (كِتَابِ الزَّكَاةِ): أَنَّ الزَّكَاةَ تَجِبُ فِي الدَّيْنِ وَلَكِنْ لَا يَجِبُ الْأَدَاءُ إلَّا بَعْدَ الْقَبْضِ، وَعَلَى الرَّاهِنِ زَكَاةُ الطَّوْقِ لِمَا مَضَى؛ لِأَنَّهُ وُجُوبُ الزَّكَاةِ فِي الذَّهَبِ بِاعْتِبَارِ الْعَيْنِ إلَّا أَنَّ الْعَيْنَ كَانَتْ مَحْبُوسَةً عِنْدَ الْحَقِّ الْمُرْتَهَنِ فَإِذَا، وَصَلَتْ يَدُهُ إلَيْهِ أَدَّى الزَّكَاةَ لِمَا مَضَى، وَلَيْسَ عَلَيْهِ فِي الْأَلْفِ زَكَاةٌ؛ لِأَنَّهُ كَانَ عَلَيْهِ مِثْلُهَا دَيْنًا، وَالْمُسْتَغْرَقُ بِالدَّيْنِ لَا يَكُونُ نِصَابَ الزَّكَاةِ.

وَإِذَا ارْتَهَنَ كُرَّيْ حِنْطَةٍ رَدِيئَةٍ بِكُرِّ حِنْطَةٍ جَيِّدَةٍ، وَقِيمَتُهُمَا سَوَاءٌ، فَهَلَكَا عِنْدَهُ فَهُوَ بِمَا فِيهِ؛ لِأَنَّ فِي مَالِيَّةِ الرَّهْنِ وَفَاءً بِالدَّيْنِ، وَإِنْ أَصَابَهُ فَفَسَدَ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ كُرًّا مِثْلَ أَحَدِهِمَا، وَيَكُونُ لَهُ نِصْفُ الْكُرَّيْنِ جَمِيعًا، وَيَرْجِعُ عَلَى الرَّاهِنِ بِدَيْنِهِ فِي قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ حَالَةَ الْفَسَادِ لَيْسَتْ بِحَالِ اسْتِيفَاءِ الدَّيْنِ، وَالْمَضْمُونُ مِنْهُ الْمَقْبُوضُ عِنْدَ تَعَذُّرِ الدَّيْنِ كَيْلًا، فَعِنْدَ الْفَسَادِ يَضْمَنُ مِثْلَ ذَلِكَ الْقَدْرِ، وَيَمْكُثُ الْفَاسِدُ بِالضَّمَانِ مِثْلَ مَا ضَمِنَ، وَلَمْ يُذْكَرْ قَوْلُهُمَا فِي هَذَا الْفَصْلِ، وَيَنْبَنِي عَلَى قَوْلِهِمَا فِي حَالَةِ الْهَلَاكِ، وَالْفَسَادِ: أَنْ يَكُونَ ضَامِنًا مِثْلَ أَحَدِ الْكُرَّيْنِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ مُسْتَوْفِيًا دَيْنَهُ بِالْكُرَّيْنِ لِمَعْنَى الرِّبَا، وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ مُسْتَوْفِيًا

<<  <  ج: ص:  >  >>