أَنَّ الْقِيَاسَ، وَالِاسْتِحْسَانَ مِنْهُمَا، وَقَدْ تَكَلَّفَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا (- رَحِمَهُمُ اللَّهُ -) فَقَالُوا: هُنَاكَ لَا يَقْضِي قِيَاسًا، وَاسْتِحْسَانًا؛ لِأَنَّهُ لَوْ قَضَى لَمْ يَتَمَكَّنْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إلَّا مِنْ قَبْضِ النِّصْفِ، وَقَبْضُ النِّصْفِ بِحُكْمِ الرَّهْنِ مُشَاعًا لَا يَجُوزُ، وَهُنَا الْعَيْنُ فِي أَيْدِيهِمَا فَيُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ رَهْنِ الْعَيْنِ مِنْ رَجُلَيْنِ، وَلَوْ مَاتَ الرَّاهِنُ، وَعَلَيْهِ دَيْنٌ، وَالرَّهْنُ فِي أَيْدِيهِمَا، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يُقِيمُ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ ارْتَهَنَهُ كَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفُ حَقِّهِ يُبَاعُ لَهُ فَإِنْ فَضَلَ عَنْ نَصِيبِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا شَيْءٌ كَانَ الْفَضْلُ بَيْنَ الْغُرَمَاءِ بِالتَّخْصِيصِ، وَإِنْ بَقِيَ مِنْ دَيْنِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا شَيْءٌ ضَرَبَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالدَّيْنِ فِيمَا بَقِيَ لَهُ مِنْ الْغُرَمَاءِ فِي التَّرِكَةِ وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ (رَحِمَهُمَا اللَّهُ) اسْتِحْسَانًا وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: الرَّهْنُ بَاطِلٌ وَهُوَ بَيْنَ الْغُرَمَاءِ بِالتَّخْصِيصِ فَأَبُو يُوسُفَ أَخَذَ بِالْقِيَاسِ، وَسَوَّى بَيْنَ مَا بَعْدَ وَفَاةِ الرَّاهِنِ، وَحَالِ حَيَاتِهِ بِاعْتِبَارِ الْمَعْنَى الَّذِي قُلْنَا أَنَّ الْقَاضِي لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الْقَضَاءِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالرَّهْنِ إلَّا فِي النِّصْفِ، وَالشُّيُوعُ لَمَّا كَانَ يَمْنَعُ صِحَّةَ الرَّهْنِ فِي حَيَاةِ الرَّاهِنِ فَكَذَلِكَ بَعْدَ وَفَاتِهِ وَهُمَا فَرَّقَا لِمَعْنَيَيْنِ أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْمَقْصُودَ بَعْدَ مَوْتِ الرَّاهِنِ إثْبَاتُ الِاخْتِصَاصِ دُونَ الْجِنْسِ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَثْبَتَ لِنَفْسِهِ حَقَّ الِاخْتِصَاصِ بِالْعَيْنِ حَتَّى يُبَاعَ لَهُ فِي دَيْنِهِ، وَهَذَا مِمَّا يَحْتَمِلُ الشَّرِكَةِ فِي الْعَيْنِ، وَهُوَ نَظِيرُ مَا لَوْ ادَّعَى رَجُلَانِ نِكَاحَ امْرَأَةٍ بَعْدَ مَوْتِهَا، وَأَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْبَيِّنَةَ فَيُقْضَى لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِنِصْفِ مِيرَاثِ الزَّوْجِ بِخِلَافِ حَالِ الْحَيَاةِ.
وَكَذَلِكَ لَوْ ادَّعَى أُخْتَانِ نِكَاحَ رَجُلٍ بَعْدَ مَوْتِهِ، وَأَقَامَتَا الْبَيِّنَةَ يُقْضَى لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا بِالْمِيرَاثِ، وَبِنِصْفِ مِيرَاثٍ بِخِلَافِ حَالِ الْحَيَاةِ وَلِأَنَّ الشُّيُوعَ يَمْنَعُ اسْتِحْقَاقَ دَوَامِ الْيَدِ، وَالْيَدُ فِي حَالِ حَيَاةِ الرَّاهِنِ مُسْتَدَامَةٌ لِلْمُرْتَهِنِ فَتَمَكُّنُ الشُّيُوعِ يَمْنَعُ الْقَاضِي مِنْ الْقَضَاءِ بِهِ فَأَمَّا بَعْدَ مَوْتِهِ فَلَا يُسْتَدَامُ حَبْسُ الرَّهْنِ، وَلَكِنَّهُ يُبَاعُ فِي الدَّيْنِ، وَالشُّيُوعُ لَا يَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ فَيُقْضَى لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِبَيْعِ النِّصْفِ فِي دَيْنِهِ، وَلَوْ كَانَ الرَّهْنُ فِي يَدِ أَحَدِهِمَا، وَأَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ ارْتَهَنَهُ مِنْ رَجُلٍ آخَرَ فَهُوَ لِلَّذِي فِي يَدَيْهِ؛ لِأَنَّ الْخَارِجَ يَحْتَاجُ إلَى إثْبَاتِ الْمِلْكِ لِرَاهِنِهِ أَوَّلًا، وَذُو الْيَدِ قَدْ أَثْبَتَ أَنَّهُ مُرْتَهِنٌ فَلَا يَكُونُ خَصْمًا فِي إثْبَاتِ الْمِلْكِ عَلَيْهِ لِلرَّاهِنِ الْخَارِجِ وَهُوَ لَوْ حَضَرَ بِنَفْسِهِ لَا يُقْبَلُ دَيْنُهُ، وَمَا لَمْ يَثْبُتْ الْمِلْكُ لَهُ لَا يَثْبُتُ الرَّهْنُ مِنْ جِهَتِهِ، وَلِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى إثْبَاتِ الدَّيْنِ أَوَّلًا عَلَى رَاهِنِهِ حَتَّى يَثْبُتَ حَقُّهُ فَيَسْتَحِقَّ الْعَيْنَ عَلَى ذِي الْيَدِ بِحُكْمِ الرَّهْنِ، وَذُو الْيَدِ لَيْسَ بِخَصْمٍ عَنْ رَهْنِ الْخَارِجِ فِي إثْبَاتِ الدَّيْنِ عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ وَقَّتَ الْمُرْتَهِنُ الْخَارِجَ أَوَّلًا لِهَذَيْنِ الْعَيْنَيْنِ أَنَّهُ مَا لَمْ يُثْبِتْ مِلْكَ رَاهِنِهِ، وَدِينُهُ عَلَى الرَّاهِنِ لَمَا ثَبَتَ حَقُّهُ، وَإِنْ شَهِدَ شُهُودُهُ بِسَبْقِ التَّارِيخِ، فَإِذَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute