فَهُوَ ضَامِنٌ قِيمَتَهَا، فَيَكُونُ رَهْنًا مَكَانَهَا لِمَا بَيَّنَّا: أَنَّهُ مُتْلِفٌ لِحَقِّ الْمُرْتَهِنِ فِي الْمَالِيَّةِ بِمَا صَنَعَ فَيَكُونُ ضَامِنًا بَدَلَهُ، وَحُكْمُ الْبَدَلِ حُكْمُ الْمُبْدَلِ فَيَكُونُ رَهْنًا، كَمَا لَوْ أَتْلَفَ الرَّهْنَ أَجْنَبِيٌّ ضَمِنَ قِيمَتَهُ فَإِنْ كَانَ الْمَالُ قَدْ حَلَّ قَبَضَهُ الْمُرْتَهِنُ بِحَقِّهِ؛ لِأَنَّهُ ظَفَرَ بِجِنْسِ حَقِّهِ مِنْ مَالِ الْمَدْيُونِ فَيَأْخُذُ قَضَاءً مِنْ دَيْنِهِ، وَيَرْجِعُ بِالْفَضْلِ، وَإِنْ كَانَ الرَّاهِنُ مُعْسِرًا كَانَ لِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يَسْتَسْعِيَ أُمَّ الْوَلَدِ وَالْمُدَبَّرَ فِي الدَّيْنِ كُلِّهِ؛ لِأَنَّ كَسْبَهُمَا مَمْلُوكٌ لِلْمَوْلَى فَالرَّاهِنُ مُوسِرٌ قَادِرٌ عَلَى أَدَاءِ الدَّيْنِ بِكَسْبِهِمَا.
وَلَوْ كَانَ قَادِرًا عَلَى ذَلِكَ بِمَالٍ آخَرَ لَأُمِرَ بِقَضَاءِ الدَّيْن، فَكَذَلِكَ إذَا كَانَ قَادِرًا عَلَيْهِ بِكَسْبِهِمَا، وَيُسْتَسْعَى الْمُعْتَقُ أَلْبَتَّةَ فِي قِيمَةِ خَمْسِمِائَةٍ؛ لِأَنَّ كَسْبَ الْمُعْتَقَ خَالِصُ حَقِّهِ فَلَا يُجْبَرُ عَلَى أَنْ يَقْتَضِيَ بِهِ دَيْنَ غَيْرِهِ، وَلَكِنْ قَدْ سُلِّمَتْ لَهُ مَالِيَّةُ رَقَبَتِهِ، وَكَانَ مَشْغُولًا بِحَقِّ الْمُرْتَهِنِ فَيَلْزَمُهُ السِّعَايَةُ فِي ذَلِكَ الْقَدْرِ لِاحْتِبَاسِهِ عِنْدَهُ، كَمَا تَجِبُ السِّعَايَةُ عَلَى مُعْتَقِ الْبَعْضِ لِلشَّرِيكِ السَّاكِتِ إذَا كَانَ الْمُعْتَقُ مُعْسِرًا ثُمَّ يَرْجِعُ الْمُعْتَقُ بِذَلِكَ عَلَى الرَّاهِنِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَبَرِّعٍ فِي قَضَاءِ دَيْنِهِ بِخَالِصِ مِلْكِهِ بَلْ كَانَ مُجْبَرًا عَلَى ذَلِكَ بِسَبَبٍ بَاشَرَهُ الرَّاهِنُ وَرَضِيَ بِهِ فَيَرْجِعُ بِهِ عَلَيْهِ كَالْكَفِيلِ عَنْهُ بِأَمْرِهِ إذَا أَدَّى، وَيَرْجِعُ الْمُرْتَهِنُ بِفَضْلِ دَيْنِهِ عَلَى الرَّاهِنِ فَإِنْ وَلَدَتْ الْمُدَبَّرَةُ وَلَدًا بَعْدَ مَا قَضَى عَلَيْهَا بِالسِّعَايَةِ ثُمَّ مَاتَتْ اسْتَسْعَى وَلَدَهَا فِي جَمِيعِ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّ وَلَدَهَا بِمَنْزِلَتِهَا، فَإِذًا التَّدْبِيرُ يَسْرِي إلَى الْوَلَدِ فَوَلَدُهَا مُدَبَّرٌ لِلْمَوْلَى، وَكَسْبُهُ لَهُ، وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى قَضَاءِ الدَّيْنِ بِسِعَايَتِهِ، فَيَسْتَسْعِي الْوَلَدَ فِي جَمِيعِ الدَّيْنِ، كَمَا كَانَ يَسْتَسْعِي الْأُمَّ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ كَسْبَ الْمَمْلُوكِ لَمَّا كَانَ لِلْمَالِكِ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْمَالِكِ فِيمَا يَلْزَمُهُ مِنْ قَضَاءِ الدَّيْنِ، وَالرَّاهِنُ كَانَ مُجْبَرًا عَلَى قَضَاءِ جَمِيعِ الدَّيْنِ بِمِلْكِهِ، فَكَذَلِكَ الْمُدَبَّرَةُ، وَوَلَدُهَا يُؤْمَرُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالسِّعَايَةِ فِي جَمِيعِ الدَّيْنِ، وَإِنْ كَانَ الْوَلَدُ مِنْ الْمَوْلَى قَدْ ادَّعَاهُ قَبْلَ الْوِلَادَةِ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ سِعَايَةٌ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ انْفَصَلَ حُرًّا فَكَسْبُهُ يَكُونُ مَمْلُوكًا دُونَ الْمَوْلَى، وَلَا يَكُونُ الْمَوْلَى قَادِرًا عَلَى قَضَاءِ دَيْنٍ يَكْسِبُهُ.
تَوْضِيحُهُ: أَنَّ الْوَلَدَ الَّذِي انْفَصَلَ مِنْ الْأُمِّ حُرًّا لَا يَثْبُتُ فِيهِ حُكْمُ الرَّهْنِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَحَلٍّ لَهُ وَوُجُوبُ السِّعَايَةِ عَلَيْهِ بِاعْتِبَارِ حُكْمِ الرَّهْنِ فَأَمَّا الْوَلَدُ الَّذِي انْفَصَلَ مُدَبَّرًا فَهُوَ جُزْءٌ مِنْهَا انْفَصَلَ بِصِفَتِهَا، وَلَهُ حُكْمُ الرَّهْنِ مِنْ حَيْثُ الِاسْتِسْعَاءِ فِي الدَّيْنِ؛ لِأَنَّ هَذَا الْوَلَدَ جُزْءٌ مِنْهَا، وَقَدْ انْفَصَلَ بِصِفَتِهَا فَيَلْزَمُهُ السِّعَايَةُ لِحُكْمِ الرَّهْنِ، كَمَا لَزِمَهَا.
وَلَوْ كَانَ الرَّهْنُ عَبْدًا يُسَاوِي خَمْسَمِائَةٍ بِأَلْفٍ فَأَعْتَقَهُ الرَّاهِنُ، وَهُوَ مُعْسِرٌ ثُمَّ مَاتَ الرَّاهِنُ، وَتَرَكَ خَمْسَمِائَةٍ فَإِنَّ الْمُرْتَهِنَ يَأْخُذُهَا، وَيَسْعَى لَهُ الْعَبْدُ فِي مِائَتَيْنِ، وَخَمْسِينَ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَى الْعَبْدِ السِّعَايَةُ فِي مِقْدَارِ قِيمَتِهِ، وَذَلِكَ نِصْفُ الدَّيْنِ شَائِعٌ فِي الْكُلِّ، وَالْخَمْسُمِائَةِ الَّتِي اسْتَوْفَاهَا الْمُرْتَهِنُ مِنْ تَرِكَةِ الرَّاهِنِ نِصْفُهُ مِمَّا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute