إنْسَانٌ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ نَفْسَ الْحَفْرِ لَيْسَ بِجِنَايَةٍ، وَإِنَّمَا يَصِيرُ جِنَايَةً إذَا اتَّصَلَ الْوُقُوعُ بِهِ وَالْمُسْتَحَقُّ بِجِنَايَةٍ عَلَى الْآدَمِيِّ نَفْسُهُ، فَعِنْدَ الْوُقُوعِ هُوَ مِلْكُ الْمُشْتَرِي، وَأَصْلُ فِعْلِ الْعَبْدِ لَمْ يَكُنْ فِي مِلْكِهِ فَلَا تَتَوَجَّهُ عَلَيْهِ الْمُطَالَبَةُ بِالدَّفْعِ بِفِعْلٍ سَبَقَ مِلْكَهُ، وَلَا تَتَوَجَّهُ الْمُطَالَبَةُ بِهِ عَلَى الْبَائِعِ؛ لِأَنَّ فِعْلَ الْعَبْدِ مُوجِبٌ سَبَبًا فِي مِلْكِهِ، وَالْبَيْعُ كَانَ بِحَقٍّ شَرْعِيٍّ لَا بِاخْتِيَارِهِ فَلَا يَضُرُّ تَعَلُّقُهُ بِهِ وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ الْوَاقِعُ دَابَّةً أُخْرَى؛ لِأَنَّ الْمُسْتَحَقَّ بِهِ مِنْ الْعَبْدِ كَالْمُسْتَحَقِّ بِالْأَوَّلِ فَيُمْكِنُ جَعْلُ الثَّمَنِ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا، وَهُنَا الْمُسْتَحَقُّ نَفْسُ الْعَبْدِ فَلَمْ يَكُنْ حَقُّ وَلِيِّ الْجِنَايَةِ مِنْ جِنْسِ حَقِّ صَاحِبِ الدَّابَّةِ إلَّا قَبْضَ الثَّمَنِ، وَلَمَّا تَعَذَّرَ إثْبَاتُ حَقِّهِ فِي الثَّمَنِ، وَاسْتِحْقَاقُ نَفْسِ الْعَبْدِ غَيْرُ مُمْكِنٍ مِنْ الْوَجْهِ الَّذِي قُلْنَا كَانَ دَمُهُ هَدَرًا.
وَإِذَا رَهَنَ الرَّجُلُ أَمَةً بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَقِيمَتُهَا خَمْسُمِائَةٍ ثُمَّ قَبَضَهَا وَكَاتَبَهَا فَلِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يُبْطِلَ الْكِتَابَةَ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ مِنْ الرَّاهِنِ تَصَرُّفٌ يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ وَفِي عَوْدِهِ إضْرَارٌ بِالْمُرْتَهِنِ، وَكَانَ لَهُ أَنْ يَفْسَخَ ذَلِكَ لِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْ نَفْسِهِ، كَمَا يَفْسَخُ بَيْعَ الرَّاهِنِ، وَكَمَا يَفْسَخُ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ، كَدَابَّةِ شَرِيكِهِ وَلَوْ لَمْ يُكَاتِبْهَا، وَلَكِنَّهُ دَبَّرَهَا فَسَعَتْ فِي خَمْسِمِائَةٍ ثُمَّ مَاتَتْ وَقَدْ وَلَدَتْ بِنْتًا تُسَاوِي خَمْسَمِائَةٍ فَعَلَى وَلَدِهَا أَنْ يَسْعَى فِي خَمْسِمِائَةٍ؛ لِأَنَّ الْبَاقِيَ مِنْ دَيْنِ الْمُرْتَهِنِ هَذَا الْقَدْرُ، وَوَلَدُهَا بِمَنْزِلَتِهَا يُدَبَّرُ لِلرَّاهِنِ، وَهُوَ أَحَقُّ بِكَسْبِهِ فَكَمَا كَانَ عَلَى الْأُمِّ أَنْ تَسْعَى فِي دَيْنِ الْمُرْتَهِنِ بِاعْتِبَارِ أَنَّ الرَّاهِنَ مُوسِرٌ بِهَذَا الطَّرِيقِ، فَكَذَلِكَ وَلَدُهَا يَسْعَى فِيمَا يُوَفِّي دَيْنَهُ فَإِنْ سَعَتْ الْبِنْتُ فِي مِائَةِ دِرْهَمٍ ثُمَّ وَلَدَتْ بِنْتًا ثُمَّ مَاتَتْ الْبِنْتُ الْأَوْلَى، وَقِيمَةُ الْأَوْلَى وَالسُّفْلَى سَوَاءٌ فَعَلَى السُّفْلَى أَنْ تَسْعَى فِيمَا بَقِيَ كُلُّهُ؛ لِأَنَّهَا كَالْأُولَى مُدَبَّرَةٌ لِلرَّاهِنِ، وَهُوَ أَحَقُّ بِكَسْبِهَا، وَالسُّفْلَى جُزْءٌ مِنْ الْأُولَى فَبَقَاؤُهَا كَبَقَاءِ الْأُولَى.
وَلَوْ رَهَنَ أَمَتَيْنِ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَقِيمَةُ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا أَلْفٌ فَدَبَّرَهُمَا الْمَوْلَى ثُمَّ مَاتَتْ إحْدَاهُمَا سَعَتْ الْبَاقِيَةُ فِي نِصْفِ الدَّيْنِ وَيَضْمَنُ الْمَوْلَى نِصْفَ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ انْقَسَمَ بَيْنَهُمَا بِحُكْمِ الرَّهْنِ نِصْفَيْنِ، وَوُجُوبُ السِّعَايَةِ عَلَى كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا بَعْدَ التَّدْبِيرِ كَحُكْمِ الرَّهْنِ، وَإِنَّمَا يَجِبُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِقَدْرِ مَا كَانَ فِيهَا مِنْ الدَّيْنِ وَاَلَّذِي فِي الْبَاقِيَةِ نِصْفُ الدَّيْنِ فَتَسْعَى فِيهِ وَيَضْمَنُ الْمَوْلَى نِصْفَ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّهُ بِالتَّدْبِيرِ مُسْتَرِدٌّ لَهَا فَكَأَنَّهُ افْتَكَّهَا ثُمَّ مَاتَتْ فَعَلَيْهِ قَضَاءُ مَا كَانَ مِنْهَا مِنْ الدَّيْنِ، فَإِنْ قِيلَ فَإِنْ ذَهَبَ مَا قُلْتُمْ: أَنَّ السِّعَايَةَ عَلَى الْمُدَبَّرَةِ بِاعْتِبَارِ أَنَّ الْمَالِكَ لِكَسْبِهَا مُوسِرٌ بِهَذَا الطَّرِيق قُلْنَا: نَعَمْ، وَلَكِنَّ السِّعَايَةَ عَلَيْهَا بِهَذَا الطَّرِيقِ كَانَ بِحُكْمِ الرَّهْنِ فِي الدَّيْنِ الَّذِي كَانَتْ هِيَ مَرْهُونَةٌ بِهِ فَلِهَذَا لَوْ لَمْ تَكُنْ مَرْهُونَةً لَمْ يَكُنْ عَلَيْهَا السِّعَايَةُ فِي دُيُونِ الْمَوْلَى مَا دَامَ الْمَوْلَى حَيًّا وَكُلُّ وَاحِدَةٍ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute