للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَإِنْ قَالَ رَبُّ الثَّوْبِ: هَلَكَ قَبْلَ أَنْ يَفْتَكَّهُ وَقَالَ الرَّاهِنُ: هَلَكَ بَعْدَ مَا افْتَكَكْتُهُ أَوْ قَبْلَ أَنْ أَرْهَنَهُ، فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ وَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ رَبِّ الثَّوْبِ أَمَّا إذَا قَالَ: هَلَكَ قَبْلَ أَنْ أَرْهَنَهُ فَلِإِنْكَارِهِ السَّبَبَ الْمُوجِبَ لِلضَّمَانِ وَحَاجَةُ رَبِّ الثَّوْبِ إلَى إثْبَاتِ ذَلِكَ بِالْبَيِّنَةِ.

وَأَمَّا إذَا قَالَ: هَلَكَ بَعْدَ مَا افْتَكَكْتُهُ، فَلِأَنَّ رَبَّ الثَّوْبِ يَدَّعِي عَلَيْهِ إيفَاءَ الدَّيْنِ بِمَالِيَّتِهِ وَهُوَ مُنْكِرٌ لِذَلِكَ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُنْكِرِ مَعَ يَمِينِهِ وَعَلَى الْمُدَّعِي الْبَيِّنَةَ، فَإِنْ قِيلَ هُنَا الرَّاهِنُ قَدْ أَقَرَّ بِسَبَبِ وُجُوبِ الضَّمَانِ، وَهُوَ رَهْنُهُ الثَّوْبَ بِدَيْنِهِ، أَوْ ادَّعَى نَاسِخُهُ، وَهُوَ الْفِكَاكُ فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي ذَلِكَ إلَّا بِحُجَّةٍ كَالْغَاصِبِ يَدَّعِي رَدَّ الْمَغْصُوبِ، قُلْنَا: لَا. كَذَلِكَ فَالرَّهْنُ بِإِذْنِ صَاحِبِ الثَّوْبِ لَيْسَ بِسَبَبٍ مُوجِبٍ لِلضَّمَانِ عَلَى أَحَدٍ وَإِنَّمَا الْمُوجِبُ لِلضَّمَانِ عَلَيْهِ لِرَبِّ الثَّوْبِ فَرَاغُ ذِمَّتِهِ عَنْ الدَّيْنِ بِسَبَبِ مَالِيَّةِ الرَّهْنِ.

(أَلَا يَرَى): أَنَّهُ بِذَلِكَ الْقَدْرِ يَسْتَوْجِبُ الرُّجُوعَ عَلَيْهِ وَبِالرَّهْنِ لَا يَحْصُلُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ، فَكَانَتْ دَعْوَاهُ الْهَلَاكَ بَعْدَ الْفِكَاكِ، وَدَعْوَاهُ الْهَلَاكَ قَبْلَ الرَّهْنِ فِي هَذَا الْمَعْنَى سَوَاءٌ، وَلَوْ اخْتَلَفَ الرَّاهِنُ وَالْمُرْتَهِنُ فَقَالَ الْمُرْتَهِنُ: قَبَضْتُ مِنْكَ الْمَالَ وَأَعْطَيْتُكَ الثَّوْبَ، وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ، وَقَالَ الرَّاهِنُ: بَلْ أَقْبَضْتُكَ الْمَالَ وَهَلَكَ الثَّوْبُ عِنْدَك، وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ فَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ الرَّاهِنِ؛ لِأَنَّهُ ثَبَتَ بِبَيِّنَتِهِ إيفَاءُ الدَّيْنِ بِمَالِيَّةِ الرَّهْنِ، وَالْمُرْتَهِنُ يَنْفِي ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: أَعْطَيْتُكَ الثَّوْبَ، وَتَرْجِيحُ الثِّيَابِ بِالْإِثْبَاتِ أَصْلٌ فَإِنْ كَانَ الثَّوْبُ عَارِيَّةً فَقَالَ: رَبُّ الثَّوْبِ أَمَرْتُكَ أَنْ تَرْهَنَهُ بِخَمْسَةٍ وَقَالَ الْمُسْتَعِيرُ: بِعَشَرَةٍ فَالْقَوْلُ قَوْلُ رَبِّ الثَّوْبِ؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ يُسْتَفَادُ مِنْ جِهَتِهِ وَلَوْ أَنْكَرَهُ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ، فَكَذَلِكَ إذَا أَقَرَّ بِهِ مُقَيَّدًا بِصِفَةٍ، وَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ الْمُسْتَعِيرِ؛ لِإِثْبَاتِهِ الزِّيَادَةَ وَحَاجَتِهِ إلَيْهِ.

وَلَوْ اسْتَعَارَ عَبْدًا يُسَاوِي أَلْفَ دِرْهَمٍ لِيَرْهَنَهُ بِأَلْفٍ فَرَهَنَهُ بِأَلْفٍ وَلَمْ يَقْبِضْهُ حَتَّى مَاتَ الْعَبْدُ عِنْدَ الْمُرْتَهِنِ فَعَلَى الْمُرْتَهِنِ أَلْفُ دِرْهَمٍ لِلرَّاهِنِ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ الْمَوْعُودَ كَالدَّيْنِ الْمُسْتَحَقِّ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ مُسْتَوْفِيًا بِهَلَاكِ الرَّهْنِ، وَلَمْ يَكُنْ لِلْمُرْتَهِنِ عَلَى الرَّاهِنِ مِثْلُهُ لِيَصِيرَ قِصَاصًا فَعَلَيْهِ رَدُّ الْمُسْتَوْفَى إلَى الرَّاهِنِ وَعَلَيْهِ أَلْفُ دِرْهَمٍ لِصَاحِبِ الْعَبْدِ؛ لِأَنَّ سَلَامَةَ هَذَا الْقَدْرِ لَهُ مِنْ مَالِيَّةِ الرَّهْنِ بِاسْتِيفَائِهِ مِنْ الْمُرْتَهِنِ كَسَلَامَتِهِ لَهُ بِبَرَاءَةِ ذِمَّتِهِ عَنْهُ فَإِنْ رَهَنَهُ وَأَخَذَ الْأَلْفَ ثُمَّ أَعْتَقَهُ الْغَيْرُ جَازَ عِتْقُهُ لِقِيَامِ مِلْكِهِ فِي الْعَبْدِ بِمَدِّ الرَّهْنِ، وَقَدْ قَرَّرْنَاهُ فِي إعْتَاقِ الرَّاهِنِ، وَلِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يَرْجِعَ بِالْمَالِ دَيْنًا عَلَى الرَّاهِنِ؛ لِأَنَّ دَيْنَهُ ثَابِتٌ فِي ذِمَّتِهِ، وَالْمُعِيرُ صَارَ مُسْتَرِدًّا لِلرَّهْنِ بِالْإِعْتَاقِ، وَإِنْ شَاءَ رَجَعَ بِهِ عَلَى رَبِّ الْعَبْدِ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْمُرْتَهِنِ تَعَلَّقَ بِمَالِيَّتِهِ بِرِضَاءِ الْمُعِيرِ، وَقَدْ اسْتَهْلَكَهُ بِإِعْتَاقِهِ فَهُوَ، كَمَا لَوْ اسْتَهْلَكَهُ بِالْإِتْلَافِ وَهُوَ فِي هَذَا الْحُكْمِ كَأَجْنَبِيٍّ آخَرَ، فَيَضْمَنُ قِيمَتَهُ وَتَكُونُ الْقِيمَةُ رَهْنًا فِي يَدِهِ حَتَّى يَقْبِضَ دَيْنَهُ مِنْ الرَّاهِنِ

<<  <  ج: ص:  >  >>