مَالَ الْيَتِيمِ إلَّا بِاَلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [الأنعام: ١٥٢] وَالْأَحْسَنُ وَالْأَصْلَحُ فِي حَقِّهِ أَنْ يَتَّجِرَ بِمَالِهِ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ابْتَغُوا فِي أَمْوَالِ الْيَتَامَى خَيْرًا كَيْ لَا تَأْكُلَهَا الصَّدَقَةُ» يَعْنِي: النَّفَقَةَ فَإِنْ احْتَسَبَ بِالتَّصَرُّفِ فِيهِ، أَوْ وَجَدَ أَمِينًا يَحْتَسِبُ ذَلِكَ.
وَالْأَنْفَعُ لِلْيَتِيمِ أَنْ يَدْفَعَهُ إلَيْهِ بِضَاعَةً وَإِنْ لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ وَرُبَّمَا لَا يَرْغَبُ فِي أَنْ يَتَصَرَّفَ فِيهِ مَجَّانًا فَلَا بَأْسَ يَتَصَرَّفُ فِيهِ عَلَى وَجْهِ الْمُضَارَبَةِ وَهُوَ أَنْفَعُ لِلْيَتِيمِ لِمَا يَحْصُلُ لَهُ مِنْ بَعْضِ الرِّبْحِ وَبِمَا لَا يَتَفَرَّغُ الْوَصِيُّ لِذَلِكَ فَيَحْتَاجُ إلَى أَنْ يَدْفَعَهُ مُضَارَبَةً إلَى غَيْرِهِ وَإِذَا جَازَ مِنْهُ هَذَا التَّصَرُّفُ مَعَ نَفْسِهِ فَمَعَ غَيْرِهِ أَوْلَى وَذُكِرَ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: " لَيْسَ عَلَى مَنْ قَاسَمَ الرِّبْحَ ضَمَانٌ " وَتَفْسِيرُهُ أَنَّهُ الْمُوَاضَعَةُ عَلَى الْمَالِ فِي الْمُضَارَبَةِ وَالشَّرِكَةِ وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: " الْمُوَاضَعَةُ عَلَى الْمَالِ وَالرِّبْحُ عَلَى مَا اشْتَرَطَا عَلَيْهِ " وَبِهِ أَخَذْنَا فَقُلْنَا: " رَأْسُ الْمَالِ أَمَانَةٌ فِي يَدِ الْمُضَارِبِ لِأَنَّهُ قَبَضَهُ بِإِذْنِهِ لِيَتَصَرَّفَ فِيهِ لَهُ وَعَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ كَانَ يُعْطِي مَالَ الْيَتِيمِ مُضَارَبَةً "، وَيَقُولُ «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ عَنْ: الْغُلَامِ حَتَّى يَحْتَلِمَ، وَعَنْ الْمَجْنُونِ حَتَّى يَصِحَّ، وَعَنْ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ» وَفِيهِ دَلِيلٌ أَنَّ وِلَايَةَ النَّظَرِ فِي مَالِ الْيَتِيمِ لِلْقَاضِي إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ وَصِيٌّ لِعَجْزِ الْيَتِيمِ عَنْ النَّظَرِ لِنَفْسِهِ وَإِلَيْهِ أَشَارَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِيمَا اسْتَدَلَّ بِهِ مِنْ الْحَدِيثِ
، وَعَنْ الشَّعْبِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ أَخَذَ مَالًا مُضَارَبَةً أَنْفَقَ فِي مُضَارَبَتِهِ خَمْسَمِائَةٍ ثُمَّ رَبِحَ قَالَ يُتِمُّ رَأْسَ الْمَالِ مِنْ الرِّبْحِ وَبِهِ أَخَذْنَا فَقُلْنَا لِلْمُضَارِبِ أَنْ يُنْفِقَ مِنْ مَالِ الْمُضَارَبَةِ إذَا سَافَرَ بِهِ؛ لِأَنَّ سَفَرَهُ كَانَ لِأَجْلِ الْعَمَلِ فِي مَالِ الْمُضَارَبَةِ فَيَسْتَوْجِبُ النَّفَقَةَ فِيهِ كَالْمَرْأَةِ تَسْتَوْجِبُ النَّفَقَةَ عَلَى زَوْجِهَا إذَا زُفَّتْ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهَا فَرَّغَتْ نَفْسَهَا لَهُ، فَقُلْنَا: الرِّبْحُ لَا يَظْهَرُ مَا لَمْ يُسَلِّمْ جَمِيعَ رَأْسِ الْمَالِ لِرَبِّهِ؛ لِأَنَّ الرِّبْحَ اسْمٌ لِلْفَضْلِ فَمَا لَمْ يَحْصُلْ مَا هُوَ الْأَصْلُ لِرَبِّ الْمَالِ لَا يَظْهَرُ الْفَضْلُ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَثَلُ الْمُؤْمِنِ كَمَثَلِ التَّاجِرِ لَا تَخْلُصُ لَهُ نَوَافِلُهُ مَا لَمْ تَخْلُصْ لَهُ فَرَائِضُهُ» فَالتَّاجِرُ لَا يَسْلَمُ لَهُ رِبْحُهُ حَتَّى يَسْلَمَ لَهُ رَأْسُ مَالِهِ وَعَنْ الشَّعْبِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ دَفَعَ إلَى رَجُلٍ أَرْبَعَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ مُضَارَبَةً فَخَرَجَ بِهَا إلَى خُرَاسَانَ وَأَشْهَدَ عِنْدَ خُرُوجِهِ أَنَّ هَذَا الْمَالَ مَالُ صَاحِبِ الْأَرْبَعَةِ الْآلَافِ لَيْسَ لِأَحَدٍ فِيهَا حَقٌّ ثُمَّ أَقْبَلَ فَتُوُفِّيَ فِي الطَّرِيقِ فَأَشْهَدَ عِنْدَ مَوْتِهِ أَيْضًا بِذَلِكَ، ثُمَّ إنَّ رَجُلًا جَاءَ بِصَكٍّ فِيهِ أَلْفُ مِثْقَالٍ مُضَارَبَةً مَعَ هَذَا الرَّجُلِ لَهُ بِهَا بَيِّنَةٌ وَهِيَ قَبْلَ الْأَرْبَعَةِ الْآلَافِ بِأَحَدٍ وَعِشْرِينَ سَنَةً فَقَالَ عَامِرٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَشْهَدُ فِي حَيَاتِهِ وَعِنْدَ مَوْتِهِ أَنَّ الْمَالَ لِصَاحِبِ الْأَرْبَعَةِ الْآلَافِ وَبِهِ نَأْخُذُ فَإِنَّ حَقَّ الْآخَرِ صَارَ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ بِتَجْهِيلِهِ عِنْدَ مَوْتِهِ وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ حَقَّ الْغَرِيمِ يَتَعَلَّقُ بِشَرِكَةِ الْمَيِّتِ لَا بِمَا فِي يَدِهِ مِنْ الْأَمَانَةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute