يَقْتَضِي الْمُسَاوَاةَ.
(أَلَا تَرَى) أَنَّ فِي الْوَصِيَّةِ وَالْإِقْرَارِ إذَا قَالَ ثُلُثُ مَالِي بَيْنَ فُلَانٍ وَفُلَانٍ أَوْ هَذَا الْمَالُ بَيْنَ فُلَانٍ وَفُلَانٍ كَانَ مُنَاصَفَةً بَيْنَهُمَا؟ فَكَذَلِكَ قَوْلُهُ الرِّبْحُ: بَيْنَنَا مُنَزَّلٌ مَنْزِلَةَ اشْتِرَاطِ الْمُنَاصَفَةِ فِي الرِّبْحِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ مُطْلَقَ كَلِمَةِ بَيْنَ تَقْتَضِي الْمُسَاوَاةَ قَوْله تَعَالَى {وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْمَاءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ} [القمر: ٢٨] وَالْمُرَادُ التَّسْوِيَةُ بِدَلِيلِ قَوْله تَعَالَى {لَهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ} [الشعراء: ١٥٥]
وَلَوْ قَالَ خُذْهَا فَاعْمَلْ بِهَا عَلَى أَنَّ مَا رَزَقَ اللَّهُ تَعَالَى فِي ذَلِكَ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ بَيْنَنَا نِصْفَيْنِ وَلَمْ يَقُلْ مُضَارَبَةً فَهِيَ مُضَارَبَةٌ جَائِزَةٌ؛ لِأَنَّهُ خَرَجَ بِمَعْنَى الْمُضَارَبَةِ وَإِنْ لَمْ يَنُصَّ عَلَى لَفْظِ الْمُضَارَبَةِ وَمَا هُوَ الْمَقْصُودُ يَحْصُلُ بِالتَّصْرِيحِ بِالْمَعْنَى، وَلَيْسَ لِهَذَا الْعَقْدِ حُكْمٌ يَدُلُّ لَفْظُ الْمُضَارَبَةِ خَاصَّةً عَلَى ذَلِكَ الْحُكْمِ بِخِلَافِ لَفْظِ الْمُفَاوَضَةِ فِي شَرِكَةِ الْمُفَاوَضَةِ عَلَى مَا قَرَّرْنَا فِي كِتَابِ الشَّرِكَةِ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ: اعْمَلْ بِهَذِهِ الْأَلْفِ عَلَى أَنَّ لَك نِصْفَ رِبْحِهَا أَوْ جُزْءًا مِنْ عَشَرَةِ أَجْزَاءٍ مِنْ رِبْحِهَا فَهُوَ جَائِزٌ؛ لِأَنَّ الْمُضَارِبَ هُوَ الَّذِي يَسْتَحِقُّ الرِّبْحَ بِالشَّرْطِ وَقَدْ نَصَّ عَلَى شَرْطِ نَصِيبِهِ مِنْ الرِّبْحِ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ: خُذْ هَذِهِ الْأَلْفَ فَاعْمَلْ بِهَا بِالنِّصْفِ، أَوْ قَالَ: بِالثُّلُثِ فَهِيَ مُضَارَبَةٌ جَائِزَةٌ اسْتِحْسَانًا وَفِي الْقِيَاسِ لَا يَجُوزُ لِانْعِدَامِ التَّنْصِيصِ عَلَى مَا شَرَطَهُ لَهُ الثُّلُثُ وَلَكِنْ فِي الِاسْتِحْقَاقِ قَالَ: إنَّمَا يُرَادُ بِهَذَا فِي الْعُرْفِ اشْتِرَاطُ ذَلِكَ لِلْمُضَارِبِ وَحَرْفُ الْبَاءِ دَلِيلٌ عَلَيْهِ فَكَأَنَّهُ صَرَّحَ بِذَلِكَ وَلِلْقِيَاسِ وَجْهٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَنُصَّ عَلَى الْمُضَارَبَةِ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ إيجَابَ الثُّلُثِ لَهُ مِنْ أَصْلِ الْأَلْفِ بِمُقَابَلَةِ عَمَلِهِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ إيجَابَ الثُّلُثِ لَهُ مِنْ الرِّبْحِ وَلَكِنَّهُ اسْتَحْسَنَ فَقَالَ: فِي عُرْفِ النَّاسِ الْمُرَادُ بِهَذَا اللَّفْظِ اشْتِرَاطُ الثُّلُثِ لَهُ مِنْ الرِّبْحِ فَهُوَ وَمَا لَوْ أَتَى بِلَفْظِ الْمُضَارَبَةِ سَوَاءٌ.
(أَلَا تَرَى) أَنَّهُ لَوْ قَالَ: فِي وَصِيَّتِهِ أَوْصَيْتُ لَكَ بِثُلُثِي بَعْدَ مَوْتِي جَازَ اسْتِحْسَانًا وَكَانَ وَصِيَّةً لَهُ بِثُلُثِ الْمَالِ لِاعْتِبَارِ الْعُرْفِ؟ فَهَذَا مِثْلُهُ
وَلَوْ دَفَعَ الْأَلْفَ إلَيْهِ عَلَى أَنَّ مَا رَزَقَ اللَّهُ تَعَالَى فِي ذَلِكَ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ كُلُّهُ لِلْمُضَارِبِ فَقَبَضَ الْمَالَ عَلَى هَذِهِ فَرَبِحَ أَوْ وَضَعَ أَوْ هَلَكَ الْمَالُ قَبْلَ أَنْ يَعْمَلَ بِهِ فَهُوَ قَرْضٌ عَلَيْهِ وَهُوَ ضَامِنٌ لَهُ وَالرِّبْحُ كُلُّهُ لَهُ؛ لِأَنَّ اشْتِرَاطَ جَمِيعِ التَّرِكَةِ لَهُ يَكُونُ تَنْصِيصًا عَلَى تَمْلِيكِ أَصْلِ الْمَالِ مِنْهُ فَإِنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ جَمِيعَ الرِّبْحِ مَا لَمْ يَكُنْ مَالِكًا لِلْمَالِ.
وَلِلتَّمْلِيكِ طَرِيقَانِ الْهِبَةُ وَالْإِقْرَاضُ فَعِنْدَ التَّرَدُّدِ لَا يَثْبُتُ إلَّا أَدْنَى الْوَجْهَيْنِ؛ لِأَنَّهُ مُتَيَقِّنٌ بِهِ وَأَدْنَى الْوَجْهَيْنِ الْقَرْضُ فَلِهَذَا جُعِلَ مُقْرِضًا الْمَالَ مِنْهُ وَلَوْ كَانَ قَالَ: عَلَى أَنَّ مَا رَزَقَ اللَّهُ تَعَالَى فِي ذَلِكَ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ كُلُّهُ لِرَبِّ الْمَالِ، فَهَذِهِ بِضَاعَةٌ مَعَ الْمُضَارِبِ وَلَيْسَ لَهُ فِيهَا رِبْحٌ، وَلَا أَجْرٌ، وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِي الْمَالِ إنْ هَلَكَ؛ لِأَنَّهُ مَا ابْتَغَى عَنْ عَمَلِهِ عِوَضًا فَيَكُونُ هُوَ فِي الْعَمَلِ مُعَيِّنًا لِصَاحِبِ الْمَالِ، وَالْمُعَيِّنُ فِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute