للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَشْتَرُونَ وَيَبِيعُونَ وَيَسْتَأْجِرُ الْبُيُوتَ وَالدَّوَابَّ لِأَمْتِعَتِهِ الَّتِي يَشْتَرِيهَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ صُنْعِ التُّجَّارِ.

فَالْمُضَارِبُ لَا يَسْتَغْنِي عَنْ ذَلِكَ فِي تَحْصِيلِ الرِّبْحِ، وَلِلْمَنَافِعِ حُكْمُ الْمَالِ عِنْدَ الْعَقْدِ، وَالْإِجَارَةُ وَالِاسْتِئْجَارُ تِجَارَةٌ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مُبَادَلَةُ مَالٍ بِمَالٍ وَلَهُ أَنْ يُسَافِرَ بِهِ.

وَرَوَى أَصْحَابُ الْإِمْلَاءِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُسَافِرَ بِهِ مَا لَمْ يَأْذَنْ لَهُ فِيهِ صَاحِبُ الْمَالِ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَعْرِيضُ الْمَالِ لِلْهَلَاكِ.

وَجْهُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّ اشْتِقَاقَ الْمُضَارَبَةِ مِنْ الضَّرْبِ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّمَا يَتَحَقَّقُ ذَلِكَ بِالْمُسَافَرَةِ؛ وَلِأَنَّ مَقْصُودَهُ تَحْصِيلُ الرِّبْحِ وَإِنَّمَا يَحْصُلُ ذَلِكَ فِي الْعَادَةِ بِالسَّفَرِ بِالْمَالِ فَيَمْلِكُهُ بِمُطْلَقِ عَقْدِ الْمُضَارَبَةِ

وَقَدْ بَيَّنَّا فِي الْوَدِيعَةِ أَنَّ الْمُودَعَ لَهُ أَنْ يُسَافِرَ بِمَالِ الْوَدِيعَةِ فَفِي الْمُضَارِبِ أَوْلَى وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ قَالَ إنْ دَفَعَ الْمَالَ فِي مِصْرٍ وَهُوَ مِنْ أَهْلِ ذَلِكَ الْمِصْرِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُسَافِرَ بِهِ، وَإِنْ دَفَعَ الْمَالَ إلَيْهِ فِي غَيْرِ مِصْرٍ فَلَهُ أَنْ يُسَافِرَ بِهِ؛ لِأَنَّ الْعَامَّ الْغَالِبَ أَنَّ الْإِنْسَانَ يَرْجِعُ إلَى وَطَنِهِ وَلَا يَسْتَدِيمُ الْغُرْبَةَ مَعَ إمْكَانِ الرُّجُوعِ فَلَمَّا أَعْطَاهُ مَعَ عِلْمِهِ أَنَّهُ غَرِيبٌ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ كَانَ ذَلِكَ مِنْهُ دَلِيلُ الرِّضَا بِالْمُسَافَرَةِ بِالْمَالِ عِنْدَ رُجُوعِهِ إلَى وَطَنِهِ وَذَلِكَ لَا يُوجَدُ فِيمَا إذَا دَفَعَ الْمَالَ إلَيْهِ وَهُوَ مُقِيمٌ فِي مِصْرِهِ. وَلَكِنَّ هَذَا التَّفْصِيلَ فِيمَا لَهُ حَمْلٌ وَمُؤْنَةٌ بِنَاءً عَلَى مَا رَوَيْنَا عَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْمُودَعِ أَنَّهُ لَا يُسَافِرُ الْوَدِيعَةِ إذَا كَانَ لَهَا حَمْلٌ وَمُؤْنَةٌ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُقْرِضَهُ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَاضَ تَبَرُّعٌ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «قَرْضُ مَرَّتَيْنِ صَدَقَةُ مُرَّةٍ»؛ وَلِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْإِقْرَاضِ تَحْصِيلُ شَيْءٍ مِنْ مَقْصُودِ رَبِّ الْمَالِ؛ لِأَنَّ الْمَقْبُوضَ بِحُكْمِ الْقَرْضِ مَضْمُونٌ بِمِثْلِهِ لَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ زِيَادَةُ شَرْطٍ وَلَا غَيْرِهِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَخْلِطَهُ بِمَالِهِ؛ لِأَنَّ فِي الْخَلْطِ بِمَالِهِ أَوْ بِمَالِ غَيْرِهِ إيجَابُ الشَّرِكَةِ فِي الْمَالِ الْمَدْفُوعِ إلَيْهِ عَلَى وَجْهٍ لَمْ يَرْضَ بِهِ رَبُّ الْمَالِ وَكَذَلِكَ لَا يَدْفَعُهُ مُضَارَبَةً؛ لِأَنَّ بِالدَّفْعِ مُضَارَبَةُ سِوَى غَيْرِهِ بِنَفْسِهِ فِي حَقِّ الْغَيْرِ وَهُوَ لَا يَمْلِكُ ذَلِكَ.

(أَلَا تَرَى) أَنَّ الْوَكِيلَ بِالْبَيْعِ مُطْلَقًا لَا يُوَكِّلُ بِهِ غَيْرَهُ؟؛ وَلِأَنَّهُ مُوجِبٌ لِغَيْرِهِ شَرِكَةً فِي الرِّبْحِ وَرَبُّ الْمَالِ لَمْ يَرْضَ بِالشَّرِكَةِ لِغَيْرِهِ فِي رِبْحِ مَالِهِ وَلَا يُشَارِكُ بِهِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الشَّرِكَةَ بِمَنْزِلَةِ الدَّفْعِ مُضَارَبَةً بَلْ أَقْوَى مِنْهُ فَإِنْ قِيلَ أَلَيْسَ أَنَّ الْمُضَارِبَ يَأْذَن لِعَبْدٍ مِنْ مَالِ الْمُضَارَبَةِ فِي التِّجَارَةِ وَيَصِحُّ ذَلِكَ مِنْهُ وَإِطْلَاق التَّصَرُّفِ بِالْإِذْنِ فِي التِّجَارَةِ بِمَنْزِلَةِ الدَّفْعِ مُضَارَبَةً أَوْ فَوْقَهُ؟ قُلْنَا قَدْ رَوَى ابْنُ رُسْتُمِ عَنْ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ الْإِذْنَ فِي التِّجَارَةِ بِمَنْزِلَةِ الدَّفْعِ مُضَارَبَةً وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّ الْمَأْذُونَ لَا يَصِيرُ شَرِيكًا فِي الرِّبْحِ فَيَكُونُ الْإِذْنُ فِي التِّجَارَةِ نَظِيرَ الْإِبْضَاعِ لَا نَظِيرَ الدَّفْعِ مُضَارَبَةً، وَالشَّرِكَةَ بِهِ، فَإِنْ كَانَ قَالَ لَهُ اعْمَلْ فِيهِ بِرَأْيِكَ، فَلَهُ أَنْ يَعْمَلَ

<<  <  ج: ص:  >  >>