مَنَعَهُ مِنْ التَّصَرُّفِ بِقَوْلِهِ: لَا تَعْمَلْ بِهِ وَاسْتَثْنَى تَصَرُّفَا مَخْصُوصًا وَهُوَ مَا يَكُون فِي السُّوق، فَمَا يَكُون عَلَى الْوَجْهِ الْمُسْتَثْنَى يَنْفُذُ مِنْهُ وَمَا لَا فَلَا بِخِلَافِ الْأَوَّلِ فَهُنَاكَ مَا حَجَرَ عَلَيْهِ عَنْ التَّصَرُّفِ إنَّمَا أَمَرَهُ بِالتَّصَرُّفِ وَقَيَّدَ الْأَمْرَ بِشَرْطٍ غَيْر مُفِيدٍ فَلَا يُعْتَبَرُ تَقْيِيدُهُ وَيَنْفُذُ تَصَرُّفُهُ بِاعْتِبَارِ صِحَّةِ الْأَمْرِ
وَلَوْ قَالَ: خُذْهُ مُضَارَبَةً تَعْمَلْ بِهِ فِي الْكُوفَةِ أَوْ قَالَ: فَاعْمَلْ بِهِ فِي الْكُوفَةِ فَعَمِلَ بِهِ فِي غَيْرِ الْكُوفَةِ فَهُوَ ضَامِنٌ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ: تَعْمَلُ بِهِ تَفْسِيرٌ لِقَوْلِهِ: خُذْهُ مُضَارَبَةً وَالْكَلَامُ الْمُبْهَمُ إذَا تَعَقَّبَهُ تَفْسِيرُهُ فَالْحُكْمُ لِذَلِكَ التَّفْسِيرِ، وَقَوْلُهُ: فَاعْمَلْ بِهِ فِي مَعْنَى التَّفْسِيرِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْفَاءَ لِلْوَصْلِ وَالتَّعْقِيبِ وَاَلَّذِي يَتَّصِلُ بِالْكَلَامِ الْمُبْهَمِ وَيَتَعَقَّبُهُ تَفْسِيرٌ وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ خُذْ مُضَارَبَةً بِالنِّصْفِ بِالْكُوفَةِ؛ لِأَنَّ الْبَاءَ لِلْإِلْصَاقِ فَذَلِكَ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ مُوجِبُ كَلَامِهِ مُلْصَقًا بِالْكُوفَةِ وَمُوجِبُ كَلَامِهِ الْعَمَلُ بِالْمَالِ وَإِنَّمَا يَتَحَقَّقُ إلْصَاقُهُ بِالْكُوفَةِ إذَا عَمِلَ بِهَا وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ خُذْهُ مُضَارَبَةً بِالنِّصْفِ فِي الْكُوفَةِ؛ لِأَنَّ حَرْفَ فِي لِلظَّرْفِ وَالْمَكَانِ إنَّمَا يَكُونُ ظَرْفًا لِلْعَمَلِ إذَا كَانَ حَاصِلًا فِيهِ فَهَذَا كُلُّهُ اشْتِرَاطُ الْعَمَلِ فِي الْكُوفَةِ وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ هَذَا شَرْطٌ مُفِيدٌ.
وَلَوْ قَالَ: خُذْهُ مُضَارَبَةً بِالنِّصْفِ وَاعْمَلْ بِهِ فِي الْكُوفَةِ فَلَهُ أَنْ يَعْمَلَ بِهِ حَيْثُ شَاءَ؛ لِأَنَّ الْوَاوَ لِلْعَطْفِ وَالشَّيْءُ لَا يُعْطَفُ عَلَى نَفْسِهِ وَإِنَّمَا يُعْطَفُ عَلَى غَيْرِهِ وَقَدْ تَكُونُ الْوَاوُ لِلِابْتِدَاءِ خُصُوصًا بَعْدَ الْجُمْلَةِ الْكَامِلَةِ وَقَوْلُهُ خُذْهُ مُضَارَبَةً بِالنِّصْفِ جُمْلَةٌ تَامَّةٌ وَقَوْلُهُ: وَاعْمَلْ عَطْفٌ أَوْ ابْتِدَاءٌ فَيَكُونُ مَشُورَةً أَشَارَ بِهِ عَلَيْهِ لَا شَرْطًا فِي الْأَوَّلِ فَإِنْ قِيلَ لِمَاذَا لَمْ يُجْعَلْ بِمَعْنَى الْحَالِ كَمَا فِي قَوْلِهِ أَدِّ إلَيَّ أَلْفًا وَأَنْتَ حُرٌّ قُلْنَا؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ صَالِحٍ لِلْحَالِ هُنَا فَحَالُ الْعَمَلِ لَا يَكُونُ وَقْتَ الْأَخْذِ وَإِنَّمَا يَكُونُ الْعَمَلُ بَعْدَ الْأَخْذِ مَعَ أَنَّ الْوَاوَ تُسْتَعَارُ لِلْحَالِ مَجَازًا وَإِنَّمَا يُصَارُ إلَيْهِ لِلْحَاجَةِ إلَى تَصْحِيحِ الْكَلَامِ وَالْكَلَامُ صَحِيحٌ هُنَا بِاعْتِبَارِ الْحَقِيقَةِ فَلَا حَاجَةَ إلَى حَمْلِ حَرْف الْوَاوِ عَلَى الْمَجَازِ وَلَوْ قَالَ خُذْهُ مُضَارَبَةً عَلَى أَنْ تَشْتَرِيَ بِهِ الطَّعَامَ أَوْ قَالَ فَاشْتَرِ بِهِ الطَّعَامَ أَوْ قَالَ تَشْتَرِي بِهِ الطَّعَامَ أَوْ قَالَ خُذْهُ مُضَارَبَةً بِالنِّصْفِ فِي الطَّعَامِ فَهَذَا كُلُّهُ بِمَعْنَى الشَّرْطِ كَمَا فِي الْأَوَّلِ وَهُوَ شَرْطٌ مُفِيدٌ، وَقَدْ يَكُونُ الْمَرْءُ مُهْتَدِيًا إلَى التَّصَرُّفِ فِي الطَّعَامِ دُونَ غَيْرِهِ فَيُعْتَبَرُ التَّقْيِيدُ ثُمَّ يُصْرَفُ لَفْظُ الطَّعَامِ فِي هَذَا الْمَوْضُوعِ إلَى الْحِنْطَةِ وَالدَّقِيقِ خَاصَّةً لَيْسَ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ بِهِ غَيْرَهُمَا؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَ لَفْظَ الطَّعَامِ عِنْدَ ذِكْرِ الشِّرَاءِ وَذَلِكَ يَنْصَرِفُ إلَى الْحِنْطَةِ وَالدَّقِيقِ خَاصَّةً بِاعْتِبَارِ عُرْفِ النَّاسِ فَإِنَّ بَائِعَ الطَّعَامِ فِي عُرْفِ النَّاسِ مَنْ يَبِيعُ الْحِنْطَةَ وَدَقِيقَهَا، وَسُوقُ الطَّعَامِ الْمَوْضِعُ الَّذِي يُبَاعُ فِيهِ الْحِنْطَةُ وَدَقِيقُهَا وَقَدْ قَرَّرْنَا هَذَا فِي الْإِقْرَارِ وَالْأَيْمَانِ.
وَلَهُ أَنْ يَسْتَأْجِرَ بِبَعْضِهِ شَيْئًا يَجُوزُ فِيهِ الطَّعَامُ أَوْ يَبِيعَهُ فِيهِ أَوْ سَفِينَةً لِيَحْمِلَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute