للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْإِجَارَاتِ إذَا قَالَ الْحَائِكُ: أَمَرْتنِي بِسِتَّةٍ فِي أَرْبَعَةٍ وَقَالَ: رَبُّ الْغَزْلِ أَمَرْتُكَ بِسَبْعَةٍ فِي خَمْسَةٍ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ رَبِّ الْغَزْلِ، وَكَذَلِكَ الْمُعِيرُ، مَعَ الْمُسْتَعِيرِ إذَا اخْتَلَفَا فِي صِفَةِ الْإِعَارَةِ كَانَ الْقَوْلُ فِيهِ قَوْلَ الْمُعِيرِ وَالْوَكِيلُ مَعَ الْمُوَكِّلِ إذَا اخْتَلَفَتَا كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُوَكِّلِ فَهَذَا مِثْلُهُ وَحُجَّتُنَا فِي ذَلِكَ أَنَّ مُطْلَقَ الْمُضَارَبَةِ يَقْتَضِي الْعُمُومَ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ تَحْصِيلُ الرِّبْحِ وَتَمَامُ ذَلِكَ بِاعْتِبَارِ الْعُمُومِ فِي التَّفْوِيضِ لِلتَّصَرُّفِ إلَيْهِ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ خُذْ هَذَا الْمَالَ مُضَارَبَةً بِالنِّصْفِ يَصِحُّ وَيَمْلِكُ بِهِ جَمِيعَ التِّجَارَاتِ فَلَوْ لَمْ يَكُنْ مُقْتَضَى مُطْلَقِ الْعَقْدِ الْعُمُومُ لَمْ يَصِحَّ الْعَقْدُ إلَّا بِالتَّنْصِيصِ عَلَى مَا يُوجِبُ التَّخْصِيصَ كَالْوَكَالَةِ وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ مُقْتَضَى مُطْلَقِ الْعَقْدِ الْعُمُومَ فَالْمُدَّعِي لِإِطْلَاقِ الْعَقْدِ مُتَمَسِّكٌ بِمَا هُوَ الْأَصْلُ وَالْآخَرُ يَدَّعِي تَخْصِيصًا زَائِدًا فَيَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَ مَنْ يَتَمَسَّكُ بِالْأَصْلِ كَمَا فِي الْبَيْعِ إذَا ادَّعَى أَحَدُهُمَا شَرْطًا زَائِدًا مِنْ خِيَارٍ أَوْ مِنْ أَجَلٍ.

وَبِهِ يَتَّضِحُ الْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مَا اسْتَشْهَدَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَعَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فَإِنَّ هُنَاكَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَدَّعِي التَّخْصِيصَ بِشَيْءٍ آخَرَ.

وَفِي الْمُضَارَبَةِ لَوْ ادَّعَى أَحَدُهُمَا التَّقْيِيدَ بِالْبُرِّ وَالْآخَرُ بِالْحِنْطَةِ كَانَ الْقَوْلُ فِيهِ قَوْلَ رَبِّ الْمَالِ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُمَا اتَّفَقَا عَلَى تَغْيِيرِ مُطْلَقِ الْعَقْدِ فَبَعْدَ ذَلِكَ الْقَوْلُ قَوْلُ رَبِّ الْمَالِ بِاعْتِبَارِ أَنَّ الْإِذْنَ يُسْتَفَادُ مِنْ جِهَتِهِ فَأَمَّا هُنَا فَأَحَدُهُمَا مُتَمَسِّكٌ بِمَا هُوَ مُقْتَضَى الْعَقْدِ فَيَتَرَجَّحُ قَوْلُهُ لِذَلِكَ فَإِنْ أَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْبَيِّنَةَ عَلَى مَا ادَّعَى مِنْ تِجَارَةٍ خَاصَّةٍ أُخِذَ بِبَيِّنَتِهِ؛ لِأَنَّهُ أَثْبَتَ بِالْبَيِّنَةِ مَا يُعَيِّنُ مُقْتَضَى الْعَقْدِ وَهُوَ مُحْتَاجٌ إلَى إثْبَاتِ ذَلِكَ

وَلَوْ دَفَعَ إلَيْهِ مَالًا مُضَارَبَةً بِالنِّصْفِ وَلَمْ يَقُلْ شَيْئًا ثُمَّ قَالَ لَهُ رَبُّ الْمَالِ بَعْدَ ذَلِكَ: لَا تَعْمَلْ بِالْمَالِ إلَّا فِي الْحِنْطَةِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَعْمَلَ بِهِ إلَّا فِي الْحِنْطَةِ؛ لِأَنَّ تَقْيِيدَهُ الْأَمْرَ بَعْدَ الدَّفْعِ مُضَارَبَةً لِتَقْيِيدِهِ بِذَلِكَ عِنْدَ الدَّفْعِ وَهَذَا؛ لِأَنَّ رَأْسَ الْمَالِ مَا دَامَ فِي يَدِ الْمُضَارِبِ نَقْدًا فَرَبُّ الْمَالِ يَمْلِكُ نَهْيَهُ عَنْ التَّصَرُّفِ فَيَمْلِكُ تَقْيِيدَ الْأَمْرِ بِنَوْعٍ دُونَ نَوْعٍ؛ لِأَنَّ مَنْ يَتَمَكَّنُ مِنْ دَفْعِ شَيْءٍ أَصْلًا يَتَمَكَّنُ مِنْ تَغْيِيرِ وَصْفِهِ بِطَرِيقِ الْأُولَى، وَبَعْدَ مَا صَارَ الْمَالُ عُرُوضًا لَوْ قَالَ لَا تَعْمَلْ بِهِ إلَّا فِي الْحِنْطَةِ لَا يُعْتَبَرُ تَقْيِيدُهُ هَذَا مَا لَمْ يَصِرْ الْمَالُ فِي يَدِهِ نَقْدًا؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ نَهْيَهُ عَنْ التَّصَرُّفِ بَعْدَ مَا صَارَ الْمَالُ عُرُوضًا وَلَوْ نَهَاهُ لَا يَعْمَلُ نَهْيُهُ مَا لَمْ يَصِرْ الْمَالُ فِي يَدِهِ نَقْدًا فَكَذَلِكَ لَا يَمْلِكُ تَغْيِيرَ صِفَةِ الْأَمْرِ بِالتَّقْيِيدِ وَإِنْ كَانَ اشْتَرَى بِبَعْضِ الْمَالِ ثِيَابًا ثُمَّ أَمَرَ بِأَنْ لَا يَعْمَل فِي الْمَالِ إلَّا فِي الْحِنْطَة فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ بِمَا بَقِيَ فِي يَده مِنْ الْمَال إلَّا فِي الْحِنْطَة اعْتِبَارًا لِلْبَعْضِ بِالْكُلِّ، وَأَمَّا الثِّيَابُ فَلَهُ أَنْ يَبِيعَهَا بِمَا بَدَا لَهُ؛ لِأَنَّهُ إذَا رَجَعَ إلَيْهِ رَأْسُ الْمَالِ الَّذِي كَانَ نَقَدَ فِي الثِّيَابِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ بِهِ إلَّا الْحِنْطَةَ وَذَلِكَ التَّقْيِيدُ بِعَمَلِ الْآن اعْتِبَارًا

<<  <  ج: ص:  >  >>