الَّذِي عَمِلَ بِأَمْرِ صَاحِبِهِ؛ لِأَنَّ الرِّبْحَ لَا يَظْهَرُ مَا لَمْ يَصِلْ إلَيْهِ جَمِيعُ رَأْسِ مَالِهِ وَمَا أَخَذَهُ الْعَامِلُ الْآخَرُ تَاوٍ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ غَصَبَ بَعْضَ رَأْسِ الْمَالِ إنْسَانٌ أَوْ اسْتَهْلَكَهُ وَتَوِيَ بَدَلُهُ عَلَيْهِ، ثُمَّ عَمِلَا بِمَا بَقِيَ وَفِي هَذَا يَأْخُذُ رَبُّ الْمَالِ جَمِيعَ رَأْسِ مَالِهِ ثُمَّ قِسْمَةُ الرِّبْحِ بَيْنَهُمَا بَعْدَ ذَلِكَ.
(أَلَا تَرَى) أَنَّهُ لَوْ هَلَكَ جَمِيعُ الْمَالِ إلَّا عَشَرَةَ دَرَاهِمَ فَتَصَرَّفَا فِيهَا حَتَّى أَصَابَا مَالًا فَإِنَّهُ يَأْخُذُ رَبُّ الْمَالِ جَمِيعَ رَأْسِ مَالِهِ أَوَّلًا؟ فَهَذَا مِثْلُهُ فَإِنْ بَقِيَ مِنْ الرِّبْحِ شَيْءٌ أَخَذَ رَبُّ الْمَالِ نَصِفَهُ وَأَخَذَ هَذَا الْمُضَارِبُ رُبْعَهُ، وَالرُّبْعُ الْبَاقِي نَصِيبُ الْمُضَارِبِ الْمُخَالِفِ مِنْ الرِّبْحِ فَلَا يُدْفَعُ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ نِصْفَ رَأْسِ الْمَالِ دَيْنٌ عَلَيْهِ، وَصَاحِبُ الدَّيْنِ إذَا ظَفِرَ بِجِنْسِ حَقِّهِ مِنْ مَالِ الْمَدْيُونِ يَأْخُذُهُ لِحَقِّهِ وَإِذَا ظَهَرَ أَنَّهُ لَا يَدْفَعُ إلَيْهِ قُلْنَا: إنْ كَانَ هَذَا الرُّبْعُ مِثْلَ مَا تَوِيَ مِنْ حِصَّتِهِ مِنْ الرِّبْحِ أَخَذَ رَبُّ الْمَالِ وَالْمُوَافِقُ رُبْعَ الرِّبْحِ الَّذِي صَارَ لِلْمُخَالِفِ فَاقْتَسَمَاهُ أَثْلَاثًا عَلَى مِقْدَارِ حَقِّهِمَا فِي الرِّبْحِ.
وَإِنْ كَانَ مَا تَوِيَ عَلَيْهِ أَكْثَرَ مِنْ حِصَّتِهِ مِنْ الرِّبْحِ أَوْ أَقَلَّ تَرَاجَعُوا بِالْفَضْلِ.
وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّ الْمَالَ الَّذِي كَانَ فِي يَدِ الْمُوَافِقِ إنْ كَانَ أَلْفًا وَخَمْسَمِائَةٍ فَأَخَذَ رَبُّ الْمَالِ رَأْسَ مَالِهِ أَلْفًا بَقِيَ خَمْسُمِائَةٍ فَيُجْمَعُ إلَى نِصْفِ رَأْسِ الْمَالِ الَّذِي اسْتَهْلَكَهُ الْمُضَارِبُ الْآخَرُ فَيُقَسَّمُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَسْهُمٍ: لِرَبِّ الْمَالِ مِنْ ذَلِكَ النِّصْفُ، وَلِلْمُضَارِبِ الْعَامِلِ بِأَمْرِ صَاحِبِهِ الرُّبْعُ وَذَلِكَ مِائَتَانِ وَخَمْسُونَ وَبَقِيَتْ حِصَّةُ الْمُضَارِبِ الْآخَرِ وَهُوَ الرُّبْعُ وَذَلِكَ مِائَتَانِ وَخَمْسُونَ يُحْسَبُ لَهُمَا عَلَيْهِ وَيُقَسِّمُ رَبُّ الْمَالِ وَالْمُضَارِبُ الْآخَرُ خَمْسَمِائَةِ الْعَيْنِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَسْهُمٍ وَيَرْجِعَانِ عَلَى الْمُضَارِبِ الَّذِي اسْتَهْلَكَ نِصْفَ رَأْسِ الْمَالِ بِمِائَتَيْنِ وَخَمْسِينَ دِرْهَمًا فَيَقْسِمَانِهَا عَلَى ثَلَاثَةِ أَسْهُمٍ، فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ وَصَلَ إلَى رَبِّ الْمَالِ خَمْسُمِائَةٍ وَإِلَى الْمُضَارِبِ الْمُوَافِقِ مِائَتَانِ وَخَمْسُونَ وَسُلِّمَ لِلْآخَرِ مِمَّا عَلَيْهِ مِائَتَانِ وَخَمْسُونَ فَاسْتَقَامَ الْحِسَابُ.
وَلَوْ لَمْ يَهْلِكْ مَا فِي يَدِهِ وَلَكِنْ هَلَكَ مَا فِي يَدِ الْعَامِلِ بِأَمْرِ صَاحِبِهِ فَإِنَّ رَبَّ الْمَالِ يُضَمِّنُ الْمُضَارِبَ الْمُخَالِفَ نِصْفَ رَأْسِ مَالِهِ لَيْسَ لَهُ غَيْرُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ نِصْفَ رَأْسِ الْمَالِ صَارَ دَيْنًا عَلَيْهِ بِالْخِلَافِ، وَتَصَرُّفُهُ كَانَ لِنَفْسِهِ.
وَلَوْ كَانَ حِينَ قَبَضَا الْأَلْفَ مُضَارَبَةً اقْتَسَمَاهَا نِصْفَيْنِ فَاشْتَرَى أَحَدُهُمَا بِنِصْفِ الْمَالِ عَبْدًا ثُمَّ أَجَازَ صَاحِبُهُ شِرَاءَهُ لَمْ يَكُنْ الْعَبْدُ مِنْ الْمُضَارَبَةِ بِإِجَازَتِهِ؛ لِأَنَّ الْإِجَازَةَ إنَّمَا تَعْمَلُ فِي الْعَقْدِ الْمَوْقُوفِ، وَالشِّرَاءُ هُنَا نَافِذٌ عَلَى الْمُشْتَرِي فَلَا يَكُونُ إجَازَةُ الْآخَرِ تَنْفِيذًا لِلْعَقْدِ فَيَكُونُ وُجُودُهُ كَعَدَمِهِ.
وَلَوْ اشْتَرَيَا جَمِيعًا بِالْأَلْفِ عَبْدًا ثُمَّ بَاعَهُ أَحَدُهُمَا بِثَمَنٍ مَعْلُومٍ فَأَجَازَهُ صَاحِبُهُ جَازَ لِأَنَّ الْبَيْعَ مِنْ أَحَدِهِمَا تَوَقَّفَ عَلَى إجَازَةِ الْآخَرِ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ تَعَذَّرَ تَنْفِيذُهُ عَلَى الْعَاقِدِ؛ وَلِأَنَّ مِلْكَ الْعَيْنِ لِغَيْرِهِ فَتَكُونُ إجَازَتُهُ، فِي الِانْتِهَاءِ كَإِذْنِهِ فِي الِابْتِدَاءِ وَهُوَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute