مِنْهُ فِي الْآخَرِ وَلَا يُمْكِنُ تَنْفِيذُ شِرَائِهِ لَهُمَا عَلَى الْمُضَارَبَةِ لِمَا فِيهِ مِنْ الِاسْتِدَانَة عَلَى الْمَالِ، فَصَارَ مُشْتَرِيًا نِصْفَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِلْمُضَارَبَةِ وَنِصْفَهُ لِنَفْسِهِ.
وَلَوْ قَالَ رَبُّ الْمَالِ: اشْتَرَيْتُ هَذَا بِعَيْنِهِ لِلْمُضَارَبَةِ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ لِتَصَادُقِهِمَا أَنَّهُ اشْتَرَى ذَلِكَ الْعَبْدَ لِلْمُضَارَبَةِ وَذَلِكَ يَمْنَعُ الْمُضَارِبَ مِنْ دَعْوِي الشِّرَاءِ لِلْمُضَارَبَةِ فِي الْعَبْدِ الْآخَرِ.
وَلَوْ قَالَ الْمُضَارِبُ اشْتَرَيْتهمَا بِأَلْفٍ مِنْ عِنْدِي وَبِأَلْفٍ مِنْ الْمُضَارَبَةِ فَقَالَ رَبُّ الْمَالِ: اشْتَرَيْتُ هَذَا بِعَيْنِهِ بِأَلْفِ الْمُضَارَبَةِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُضَارِبِ؛ لِأَنَّ رَبَّ الْمَالِ يَدَّعِي تَفَرُّقَ الصَّفْقَةِ وَالْمُضَارِبُ مُنْكَرٌ لِذَلِكَ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ، وَنِصْفُ الْعَبْدَيْنِ عَلَى الْمُضَارَبَةِ، وَنِصْفُهُمَا لِلْمُضَارِبِ.
وَإِذَا دَفَعَ إلَى رَجُلٍ مَالًا مُضَارَبَةً بِالنِّصْفِ ثُمَّ نَهَاهُ بَعْدَ ذَلِكَ أَنْ يَبِيعَ وَيَشْتَرِيَ فَإِنْ كَانَ الْمَالُ بِعَيْنِهِ فِي يَدِهِ فَنَهْيُ رَبِّ الْمَالِ جَائِزٌ لِأَنَّ عَقْدَ الْمُضَارَبَةِ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ اللُّزُومُ بِنَفْسِهِ فَيَمْلِكُ رَبُّ الْمَالِ فَسْخَهُ بِنَهْيِهِ عَنْ التَّصَرُّفِ، وَهَذَا فِي الِابْتِدَاءِ وَكَالَةٌ، وَالْمُوَكِّلُ يَمْلِكُ عَزْلَ الْوَكِيلِ قَبْلَ تَصَرُّفِهِ فَإِنْ اشْتَرَى الْمُضَارِبُ بَعْدَ ذَلِكَ فَهُوَ مُشْتَرٍ لِنَفْسِهِ لِانْفِسَاخِ الْمُضَارَبَةِ بِنَهْيِ رَبِّ الْمَالِ.
وَإِنْ كَانَ رَبُّ الْمَالِ نَهَاهُ بَعْدَ مَا اشْتَرَى بِالْمَالِ شَيْئًا فَنَهْيُهُ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ الْمَالَ بَعْدَ مَا صَارَ عُرُوضًا بِتَصَرُّفِ الْمُضَارِبِ قَدْ ثَبَتَ فِيهِ حَقُّهُ فِي الرِّبْحِ فَلَا يَمْلِكُ رَبُّ الْمَالِ إبْطَالَ حَقِّهِ عَلَيْهِ بِالنَّهْيِ عَنْ التَّصَرُّفِ، وَبِخِلَافِ مَا قَبْلَ الشِّرَاءِ فَلَا حَقَّ هُنَاكَ لِلْمُضَارِبِ فِي الْمَالِ الَّذِي فِي يَدِهِ، ثُمَّ لَهُ أَنْ يَبِيعَ مَا فِي يَدِهِ مِنْ الْعُرُوضِ بِمَا بَدَا لَهُ مِنْ الْعُرُوضِ وَالْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ ثُمَّ يَبِيعُ ذَلِكَ بِمَا بَدَا لَهُ كَمَا قَبْلَ نَهْيِ رَبِّ الْمَالِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ مَقْصُودَهُ وَهُوَ الرِّبْحُ قَدْ لَا يَحْصُلُ بِالْبَيْعِ بِالنَّقْدِ فَقَدْ لَا يَجِدُ مَنْ يَشْتَرِي ذَلِكَ مِنْهُ بِالنَّقْدِ فَيَكُونُ لَهُ أَنْ يَبِيعَهُ بِمَا شَاءَ لِيَحْصُلَ مَقْصُودُهُ مِنْ الرِّبْحِ الَّذِي هُوَ حَقُّهُ فَإِنْ بَاعَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ بِدَرَاهِمَ بِمَا شَاءَ أَوْ دَنَانِيرَ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ؛ لِأَنَّ الْمَالَ صَارَ نَقْدًا فِي يَدِهِ فَيَعْمَلُ ذَلِكَ النَّهْيُ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ كَانَ نَقْدًا فِي الِابْتِدَاءِ حِينَ نَهَاهُ عَنْ التَّصَرُّفِ، وَيَسْتَوِي إنْ صَارَ بَعْضُ الْمَالِ أَوْ جَمِيعُهُ نَقْدًا فِي أَنَّ النَّهْيَ يَعْمَلُ فِيمَا صَارَ مِنْهُ نَقْدًا، فَلَا يَكُونُ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ بِهِ شَيْئًا إلَّا أَنْ يَبِيعَ الدَّنَانِيرَ بِالدَّرَاهِمِ حَتَّى يُوَفِّيَ رَبَّ الْمَالِ رَأْسَ مَالِهِ؛ لِأَنَّ النُّقُودَ فِي حُكْمِ الْمُضَارَبَةِ جِنْسٌ وَاحِدٌ عَلَى مَا نُبَيِّنُهُ فَيَعْمَلُ النَّهْيُ لِذَلِكَ، وَلَكِنْ إنَّمَا يَرُدُّ رَأْسَ الْمَالِ عَلَى رَبِّ الْمَالِ مِنْ جِنْسِ مَا قَبَضَ حَقِيقَةً وَحُكْمًا، وَلَا يَتَهَيَّأُ لَهُ ذَلِكَ إلَّا بِمُبَادَلَةِ أَحَدِ النَّقْدَيْنِ بِالْآخِرِ.
وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ رَأْسُ الْمَالِ سُودًا وَالْحَاصِلُ فِي يَدِهِ بِيضٌ فَلَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ بِهَا مِثْلَ رَأْسِ الْمَالِ وَكَذَلِكَ لَوْ مَاتَ رَبُّ الْمَالِ فَإِنَّ مَوْتَهُ وَنَهْيَهُ سَوَاءٌ مِنْ حَيْثُ إنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَا يَعْمَلُ فِيمَا يَرْجِعُ إلَى إبْطَالِ الْحَقِّ الثَّابِتِ لِلْمُضَارِبِ.
وَلَوْ دَفَعَ إلَيْهِ مَالًا مُضَارَبَةً وَأَجَازَ مَا صَنَعَ فِي ذَلِكَ مِنْ شَيْءٍ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute