للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِذَلِكَ فَهُوَ ضَامِنٌ لِلثِّيَابِ؛ لِأَنَّهُ خَلَطَ مَالَهُ بِمَالِ الْمُضَارَبَةِ، وَالصِّبْغُ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ لِلْمُضَارِبِ.

وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الْمُضَارِبَ بِالْخَلْطِ يَصِيرُ ضَامِنًا إذْ لَمْ يَقُلْ لَهُ رَبُّ الْمَالِ: اعْمَلْ فِيهِ بِرَأْيِكَ. ثُمَّ إنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ فَضْلٌ عَلَى رَأْسِ الْمَالِ، فَرَبُّ الْمَالِ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَخَذَهُ بِرَأْسِ مَالِهِ وَأَعْطَى الْمُضَارِبَ مَا زَادَ عَلَى الصِّبْغ فِيهِ يَوْمَ يَخْتَصِمُونَ، وَإِنْ شَاءَ سَلَّمَ لَهُ الثَّوْبَ وَضَمَّنَهُ قِيمَتَهُ؛ لِأَنَّ الثَّوْبَ كُلَّهُ لِرَبِّ الْمَالِ، وَالْمُضَارِبُ فِيمَا صَنَعَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ غَصَبَ ثَوْبَ إنْسَانٍ وَصَبَغَهُ، فَإِنْ لَمْ يَخْتَرْ شَيْئًا حَتَّى بَاعَهَا الْمُضَارِبُ مُسَاوِمَةً أَوْ مُرَابَحَةً، جَازَ بَيْعُهُ؛ لِبَقَاءِ عَقْدِ الْمُضَارَبَةِ بَيْنَهُمَا فِي الثَّوْبِ بَعْدَ الصِّبْغِ؛ لِأَنَّ الْمُضَارِبَ فِي الْبَيْعِ كَالْوَكِيلِ، وَالْوَكَالَةُ بِالْبَيْعِ لَا تَبْطُلُ بِالْخِلَافِ مِنْ طَرِيقِ الْفِعْلِ، وَبَرِئَ مِنْ ضَمَانِهِ؛ لِأَنَّهُ عَادَ إلَى الْوِفَاقِ مِنْ بَعْدِ تَصَرُّفِهِ عَلَى الْمُضَارَبَةِ، وَيُقَسَّمُ الثَّمَنُ فِي الْمُسَاوَمَةِ عَلَى قِيمَةِ الثَّوْبِ وَقِيمَةِ مَا زَادَ الصِّبْغُ فِيهِ، فَيَكُونُ حِصَّةُ الصِّبْغِ لِلْمُضَارِبِ، وَيَسْتَوْفِي رَبُّ الْمَالِ رَأْسَ مَالِهِ مِنْ حِصَّةِ الثَّوْبِ وَالْبَاقِي رِبْحٌ بَيْنَهُمَا عَلَى الشَّرْطِ؛ لِأَنَّ الصِّبْغَ عَيْنُ مَالٍ قَائِمٍ فِي الثَّوْبِ لِلْمُضَارِبِ، وَقَدْ تَنَاوَلَهُ الْبَيْعُ كَالثَّوْبِ فَيُقَسَّمُ الثَّمَنُ عَلَيْهِمَا، بِخِلَافِ الْقَصَّارَةِ، وَإِنْ كَانَ بَاعَهُ مُرَابَحَةً قَسَّمَ الثَّمَنَ عَلَى مَا اشْتَرَى بِهِ الْمُضَارِبُ وَعَلَى أَجْرِ الصِّبْغِ يَوْمَ صَبَغَ؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ فِي بَيْعِ الْمُرَابَحَةِ مَبْنِيٌّ عَلَى الثَّمَنِ الْأَوَّلِ فَيُقْسَمُ عَلَيْهِ.

وَفِي بَيْعِ الْمُسَاوَمَةِ بِمُقَابَلَةِ الْمِلْكِ فَيُقْسَمُ عَلَى قَدْرِ الْمِلْكِ، وَإِنْ كَانَ صِبْغُهُ أَسْوَدَ، فَكَذَلِكَ الْجَوَابُ عِنْدَهُمَا؛ لِأَنَّ السَّوَادَ عِنْدَهُمَا زِيَادَةٌ كَالْحُمْرَةِ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ السَّوَادُ فِي الثَّوْبِ نُقْصَانٌ.

فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْفَتْلِ وَالْقَصَّارَةِ فِي أَنَّهُ لَا حِصَّةَ لِلْمُضَارِبِ مِنْ الثَّمَنِ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَخْلِطْ مَالَ الْمُضَارَبَةِ بِمَالٍ مُتَقَوِّمٍ لَهُ.

وَإِذَا اشْتَرَى الْمُضَارِبُ الْمَتَاعَ بِأَلْفِ الْمُضَارَبَةِ وَقَبَضَهُ وَلَمْ يَنْقُدْ الثَّمَنَ حَتَّى ضَاعَتْ، فَإِنَّهُ يَرْجِعُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ بِأَلْفٍ أُخْرَى فَيَنْقُدُهَا إيَّاهُ؛ لِأَنَّهُ فِي الشِّرَاءِ كَانَ عَامِلًا لِرَبِّ الْمَالِ بِأَمْرِهِ فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ بِمَا لَحِقَهُ مِنْ الْعُهْدَةِ، وَهُوَ فِي هَذَا كَالْوَكِيلِ إذَا دَفَعَ إلَيْهِ الثَّمَنَ قَبْلَ الشِّرَاءِ وَهَلَكَ فِي يَدِهِ بَعْدَ الشِّرَاءِ، فَإِنَّهُ يَرْجِعُ عَلَى الْمُوَكِّلِ بَعْدَ الشِّرَاءِ؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ لَا يَرْجِعُ إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً، فَإِنَّ شِرَاءَ الْوَكِيلِ يُوجِبُ الثَّمَنَ عَلَيْهِ لِلْبَائِعِ، وَلَهُ عَلَى الْمُوَكِّلِ، فَإِذَا رَجَعَ عَلَى الْمُوَكِّلِ بَعْدَ الشِّرَاءِ صَارَ مُقْتَضِيًا مَا اسْتَوْجَبَهُ دَيْنًا عَلَيْهِ، وَصَارَ مَضْمُونًا عَلَيْهِ بِالْقَبْضِ، فَإِذَا هَلَكَ يَهْلِكُ مِنْ ضَمَانِهِ فَأَمَّا الْمُضَارِبُ إذَا رَجَعَ عَلَى رَبِّ الْمَالِ فَمَا يَقْبِضُهُ يَكُونُ أَمَانَةً فِي يَدِهِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ.

(أَلَا تَرَى) أَنَّ عِنْدَ الْقِسْمَةِ يَرُدُّ عَلَى رَبِّ الْمَالِ أَوَّلًا جَمِيعَ مَا اسْتَوْفَى ثُمَّ يُقَاسِمُهُ الرِّبْحَ، وَمِنْ شَرْطِ الْمُضَارَبَةِ: أَنْ يَكُونَ رَأْسُ الْمَالِ أَمَانَةً فِي يَدِ الْمُضَارِبِ فَإِذَا هَلَكَ ثَانِيًا كَانَ هَلَاكُهُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ، فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى حَتَّى يَصِلَ الثَّمَنُ إلَى الْبَائِعِ، وَلَا يَبِيعُ الْمَتَاعَ مُرَابَحَةً إلَّا

<<  <  ج: ص:  >  >>