للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَرْبَاعِهَا، وَقَدْ وَصَلَ إلَيْهِ مِنْ يَدِ الْمُصَدِّقِ نِصْفُ هَذِهِ الْأَلْفِ، وَهُوَ خَمْسُمِائَةٍ فَإِنَّمَا بَقِيَ حَقُّهُ فِي رُبْعِهَا وَحَقِّي فِي رُبْعِهَا فَيَنْبَغِي أَنْ تُقَسَّمَ هَذِهِ الْخَمْسُمِائَةِ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ.

وَكَانَ الْقِيَاسُ مَا ذَكَرَهُ عِيسَى - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلَكِنَّ مُحَمَّدًا - رَحِمَهُ اللَّهُ - تَرَكَ ذَلِكَ لِوَجْهَيْنِ: أَحَدِهِمَا أَنَّا لَوْ فَعَلْنَا هَكَذَا كُنَّا قَدْ أَعْطَيْنَا الْمُنْكِرَ جَمِيعَ حِصَّةِ مُدَّعَاهُ مِنْ رِبْحِ الْأَلْفَيْنِ، وَيَأْخُذُ مِنْ الْأَلْفِ الثَّانِيَةِ مِائَتَيْنِ وَخَمْسِينَ، وَمَنْ الْأَلْفِ الثَّالِثَةِ مِائَتَيْنِ وَخَمْسِينَ فَتُسَلَّمُ لَهُ حِصَّتُهُ مِنْ رِبْحِ الْأَلْفَيْنِ بِزَعْمِهِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُصَدَّقَ هُوَ عَلَى مَا فِي يَدِ صَاحِبِهِ، كَمَا لَا يُصَدَّقُ صَاحِبُهُ عَلَى مَا فِي يَدِهِ، وَالثَّانِي أَنَّ مَا وَصَلَ إلَى رَبِّ الْمَالِ مِنْ تِلْكَ الْأَلْفِ لَمْ يَصِلْ رِبْحًا، كَمَا ادَّعَاهُ هَذَا الْمُضَارِبُ، وَإِنَّمَا أَخَذَهُ عَلَى أَنَّهُ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ فَلَا يَكُونُ لِلْمُنْكِرِ أَنْ يَجْعَلَ ذَلِكَ مَحْسُوبًا عَلَيْهِ مِنْ الرِّبْحِ فِي مُقَاسَمَتِهِ الْخَمْسَمِائَةِ الْأُخْرَى مَعَهُ؛ فَلِهَذَا قُسِّمَتْ هَذِهِ الْخَمْسُمِائَةِ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا وَهَذَا الْجَوَابُ حَكَاهُ ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ -.

وَإِذَا دَفَعَ الرَّجُلُ إلَى رَجُلٍ مَالًا فَرَبِحَ فِيهِ رِبْحًا فَقَالَ الْعَامِلُ: أَقْرَضْتَنِي هَذَا الْمَالَ، وَقَالَ الدَّافِعُ: دَفَعْتُهُ إلَيْك بِضَاعَةً، أَوْ مُضَارَبَةً بِالثُّلُثِ، أَوْ قَالَ: مُضَا فَالْقَوْلُ قَوْلُ رَبِّ الْمَالِ؛ لِأَنَّ الْعَامِلَ يَدَّعِي تَمَلُّكَ الْمَالِ عَلَيْهِ بِالْقَبْضِ، وَرَبُّ الْمَالِ يُنْكِرُ ذَلِكَ؛ وَلِأَنَّ الْإِذْنَ فِي التَّصَرُّفِ مُسْتَفَادٌ مِنْ جِهَةِ رَبِّ الْمَالِ، فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ فِي بَيَانِ الْإِذْنِ وَالتَّسْلِيطِ، فَإِنْ كَانَ أَقَرَّ بِالْمُضَارَبَةِ فَلَا شَيْءَ لِلْعَامِلِ، بَلْ الرِّبْحُ كُلُّهُ لِرَبِّ الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ بِمَا مَلَكَهُ.

وَإِنْ كَانَ أَقَرَّ لَهُ بِرِبْحِ الثُّلُثِ أَعْطَاهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْعَامِلَ يَدَّعِي عَلَيْهِ جَمِيعَ الرِّبْحِ وَهُوَ أَقَرَّ لَهُ بِالثُّلُثِ، وَإِنْ أَقَرَّ بِمُضَارَبَةٍ فَاسِدَةٍ أَعْطَاهُ أَجْرَ مِثْلِهِ فَيَأْخُذُهُ الْمُضَارِبُ قَضَاءً مِمَّا ادَّعَاهُ مِنْ الْمَالِ الَّذِي أَخَذَهُ مِنْهُ رَبُّ الْمَالِ؛ لِأَنَّ الْعَامِلَ يَدَّعِي عَلَيْهِ أَكْثَرَ مِمَّا أَقَرَّ لَهُ بِهِ فَيُعْطِيهِ مِقْدَارَ مَا أَقَرَّ لَهُ بِهِ، مِنْ الْجِهَةِ الَّتِي أَقَرَّ بِهَا، وَيَأْخُذُهُ الْعَامِلُ مِنْ الْجِهَةِ الَّتِي يَدَّعِيهَا، فَإِنْ هَلَكَ فِي يَدِ الْمُضَارِبِ بَعْدَ هَذَا الْقَوْلِ فَهُوَ ضَامِنٌ لِلْأَصْلِ وَالرِّبْحِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ أَمِينًا فِي الْكُلِّ، وَقَدْ جَحَدَ حَقَّ صَاحِبِ الْمَالِ فِيهِ وَادَّعَى أَنَّهُ مَلَكَهُ فَيَكُونُ ضَامِنًا لَهُ.

وَلَوْ قَالَ الْمُضَارِبُ: شَرَطْتَ لِي النِّصْفَ، وَقَالَ رَبُّ الْمَالِ: شَرَطْتُ لَك الثُّلُثَ ثُمَّ هَلَكَ الْمَالُ فِي يَدِ الْمُضَارِبِ فَهُوَ ضَامِنٌ لِسُدُسِ الرِّبْحِ؛ لِأَنَّهُ ادَّعَى تِلْكَ الزِّيَادَةَ لِنَفْسِهِ، وَقَدْ كَانَ أَمِينًا فِيهِ فَيَصِيرُ ضَامِنًا بِدَعْوَاهُ الْأَمَانَةَ لِنَفْسِهِ. وَلَوْ وَضَعَ فِي الْمَالِ، ثُمَّ قَالَ الْعَامِلُ: دَفَعْتَهُ إلَيَّ مُضَارَبَةً، وَقَالَ رَبُّ الْمَالِ: دَفَعْتُهُ إلَيْك قَرْضًا فَالْقَوْلُ قَوْلُ رَبِّ الْمَالِ؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ مُسْتَفَادٌ مِنْ جِهَتِهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ فِي بَيَانِ صِفَتِهِ؛ وَلِأَنَّ الْعَامِلَ يَزْعُمُ أَنَّهُ كَانَ نَائِبًا عَنْ رَبِّ الْمَالِ فِي الْعَمَلِ، وَرَبُّ الْمَالِ يُنْكِرُ ذَلِكَ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ، وَإِنْ أَقَامَا الْبَيِّنَةَ فَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ رَبِّ الْمَالِ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ يُثْبِتُ بِبَيِّنَتِهِ سَبَبَ تَمْلِيكِ الْمَالِ

<<  <  ج: ص:  >  >>