للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَيُجْعَلُ ذَلِكَ كَعَمَلِ الْمُضَارِبِ الْأَوَّلِ؛ فَلِهَذَا كَانَ لَهُ أَنْ يَضْمَنَ أَيَّهمَا شَاءَ.

وَلَوْ أَبْضَعَهُ الْمُضَارِبُ الثَّانِي مَعَ رَجُلٍ يَشْتَرِي بِهِ وَيَبِيعُ فَلِرَبِّ الْمَالِ أَنْ يَضْمَنَ مَالَهُ أَيَّ الثَّلَاثَةِ شَاءَ؛ لِأَنَّ الْمُضَارِبَ الثَّانِي بِمُطْلَقِ الْعَقْدِ يَمْلِكُ الْإِبْضَاعَ، كَمَا يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ فِيهِ، فَيَكُونُ هُوَ فِيمَا صَنَعَ مُمْتَثِلًا أَمْرَ الْمُضَارِبِ الْأَوَّلِ، وَالرِّبْحُ الْحَاصِلُ بَيْنَ الْمُضَارِبَيْنِ عَلَى الشَّرْطِ؛ لِأَنَّ عَمَلَ الْمُسْتَبْضِعِ كَعَمَلِ الْمُبْضِعِ بِنَفْسِهِ، وَكَانَ الرِّبْحُ بَيْنَهُمَا عَلَى الشَّرْطِ، وَالْوَضِيعَةُ عَلَى الْمُضَارِبِ الْأَوَّلِ وَلَا رِبْحَ لِرَبِّ الْمَالِ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ صَارَ بِمَنْزِلَةِ الْغَاصِبِ فِي حَقِّ رَبِّ الْمَالِ، فَإِنْ ضَمِنَ الْمُضَارِبُ الْأَوَّلُ صَحَّتْ الْمُضَارَبَةُ الثَّانِيَةُ، وَإِنْ ضَمِنَ الثَّانِي رَجَعَ بِهِ عَلَى الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ مَغْرُورٌ مِنْ جِهَتِهِ وَصَارَ الْمَالُ مَمْلُوكًا لِلْمُضَارِبِ الْأَوَّلِ حِينَ اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ الضَّمَانُ، وَإِنْ ضَمِنَ الْمُسْتَبْضِعُ رَجَعَ بِهِ عَلَى الْمُضَارِبِ الثَّانِي؛ لِأَنَّهُ عَامِلٌ لَهُ وَمَغْرُورٌ مِنْ جِهَتِهِ، وَيَرْجِعُ بِهِ الثَّانِي عَلَى الْمُضَارِبِ الْأَوَّلِ كَمَا لَوْ ضَمِنَ نَفْسَهُ لِرَبِّ الْمَالِ، فَإِذَا ظَهَرَ اسْتِقْرَارُ الضَّمَانِ عَلَيْهِ تَبَيَّنَ بِهِ وَجْهُ صِحَّةِ الْمُضَارَبَةِ الثَّانِيَةِ.

وَإِذَا دَفَعَ الرَّجُلُ مَالًا مُضَارَبَةً بِالنِّصْفِ، وَلَمْ يَقُلْ لَهُ اعْمَلْ فِيهِ بِرَأْيِك فَدَفَعَهُ الْمُضَارِبُ إلَى آخَرَ مُضَارَبَةً بِالثُّلُثِ، وَلَمْ يَقُلْ لَهُ اعْمَلْ فِيهِ بِرَأْيِك فَدَفَعَهُ الْمُضَارِبُ إلَى آخَرَ مُضَارَبَةً بِالثُّلُثِ، وَلَمْ يَقُلْ لَهُ اعْمَلْ فِيهِ بِرَأْيِك فَدَفَعَهُ الثَّانِي إلَى آخَرَ مُضَارَبَةً بِالسُّدُسِ فَعَمِلَ فِيهِ وَرَبِحَ أَوْ وَضَعَ، فَالْمُضَارِبُ الْأَوَّلُ بَرِيءٌ مِنْ الضَّمَانِ؛ لِأَنَّ الثَّانِي خَالَفَ أَمْرَهُ حِينَ دَفَعَهُ إلَى الْغَيْرِ مُضَارَبَةً، فَلَا يَتَحَوَّلُ مِنْهُ هَذَا الْعَقْدُ إلَى الْأَوَّلِ، كَمَا لَوْ اسْتَهْلَكَ الْمَالَ، وَرَبُّ الْمَالِ بِالْخِيَارِ: إنْ شَاءَ ضَمِنَ الثَّانِي رَأْسَ مَالِهِ، وَإِنْ شَاءَ ضَمِنَ الثَّالِثُ، وَحَالُ الثَّالِثِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ كَحَالِ الْأَوَّلِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى، حَتَّى إذَا ضَمِنَ لَمْ يَرْجِعْ عَلَى أَحَدٍ بِشَيْءٍ وَإِنْ ضَمِنَ الثَّالِثُ رَجَعَ عَلَى الثَّانِي، وَالرِّبْحُ بَيْنَهُمَا عَلَى مَا اشْتَرَطَا؛ لِأَنَّ الضَّمَانَ اسْتَقَرَّ عَلَى الثَّانِي فَصَحَّتْ الْمُضَارَبَةُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الثَّالِثِ.

وَلَوْ كَانَ الْمُضَارِبُ الْأَوَّلُ حِينَ دَفَعَ الْمَالَ مُضَارَبَةً إلَى الثَّانِي بِالثُّلُثِ، وَقَالَ لَهُ اعْمَلْ فِيهِ بِرَأْيِك فَدَفَعَهُ الثَّانِي إلَى الثَّالِثِ مُضَارَبَةً بِالسُّدُسِ فَرَبِحَ، أَوْ وَضَعَ فَلِرَبِّ الْمَالِ أَنْ يَضْمَنَ أَيَّ الثَّلَاثَةِ شَاءَ؛ لِأَنَّ الثَّانِيَ بِالدَّفْعِ إلَى الثَّالِثِ هُنَا مُمْتَثِلٌ أَمْرَ الْأَوَّلِ فَإِنَّ بَعْدَ قَوْلِهِ اعْمَلْ فِيهِ بِرَأْيِك لَهُ أَنْ يَدْفَعَ الْمَالَ مُضَارَبَةً إلَى غَيْرِهِ، فَكَانَ فِعْلُهُ كَفِعْلِ الْأَوَّلِ فَلِرَبِّ الْمَالِ أَنْ يَضْمَنَ أَيَّ الثَّلَاثَةِ شَاءَ فَإِنْ ضَمِنَ الثَّالِثُ رَجَعَ عَلَى الثَّانِي وَرَجَعَ الثَّانِي عَلَى الْأَوَّلِ لِمَعْنَى الْغُرُورِ، وَإِنْ ضَمِنَ الثَّانِي رَجَعَ عَلَى الْأَوَّلِ، وَإِنْ ضَمِنَ الْأَوَّلُ لَمْ يَرْجِعْ عَلَى أَحَدٍ مِمَّا ضَمِنَ بَعْدُ، كَمَا اسْتَقَرَّ الْمِلْكُ لِلْأَوَّلِ صَحَّتْ الْمُضَارَبَتَانِ جَمِيعًا: الثَّانِيَةُ وَالثَّالِثَةُ، وَالْوَضِيعَةُ عَلَى الْأَوَّلِ.

وَأَمَّا الرِّبْحُ فَلِلضَّارِبِ الْآخَرِ سُدُسُهُ؛ لِأَنَّهُ الْمَشْرُوطُ لَهُ هَذَا الْمِقْدَارُ، وَلِلثَّانِي سُدُسُهُ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ لِلثَّانِي شَرَطَ ثُلُثَ الرِّبْحِ، وَلِنَفْسِهِ ثُلُثَيْهِ فَشَرْطُ الثَّانِي السُّدُسَ لِلثَّالِثِ يَنْصَرِفُ إلَى نَصِيبِهِ خَاصَّةً دُونَ نَصِيبِ

<<  <  ج: ص:  >  >>