للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَخَذَهَا الْمُضَارِبُ فَتَكُونُ لَهُ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ؛ لِأَنَّ الْمُضَارِبَ أَمِينٌ، وَالْأَمِينُ فِيمَا يَدَّعِي مِنْ الرَّدِّ مَقْبُولُ الْقَوْلِ فِي بَرَاءَةِ نَفْسِهِ عَنْ الضَّمَانِ، غَيْرُ مَقْبُولِ الْقَوْلِ فِي وُصُولِ الْمَالِ إلَى الْمَرْدُودِ عَلَيْهِ. (أَلَا تَرَى) أَنَّ الْمُودِعَ إذَا ادَّعَى رَدَّ الْوَدِيعَةِ عَلَى الْوَصِيِّ لَيْسَ لِلْيَتِيمِ أَنْ يَضْمَنَ الْوَصِيَّ شَيْئًا، وَإِذَا ادَّعَى الرَّدَّ عَلَى أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ لَيْسَ لِلشَّرِيكِ الْآخَرِ أَنْ يُضَمِّنَهُ شَيْئًا، فَكَذَلِكَ هُنَا لَا يُقْبَلُ قَوْلُ الْمُضَارِبِ فِي وُصُولِ رَأْسِ الْمَالِ إلَى رَبِّ الْمَالِ، وَمَا لَمْ يَصِلْ رَأْسُ الْمَالِ إلَيْهِ لَا يُسَلَّمُ لِلْمُضَارِبِ شَيْءٌ بِطَرِيقِ الرِّبْحِ؛ وَلِأَنَّ الْمُضَارِبَ يَدَّعِي خُلُوصَ الْخَمْسِمِائَةِ الْمَقْبُوضَةِ لَهُ، وَرَبُّ الْمَالِ مُنْكِرٌ لِذَلِكَ وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُنْكِرِ فَإِنْ قِيلَ: كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ اشْتِغَالُهُمَا بِقِسْمَةِ الرِّبْحِ يَكُونُ إقْرَارًا بِوُصُولِ رَأْسِ الْمَالِ إلَيْهِ فَهُوَ فِي إنْكَارِهِ بَعْدَ ذَلِكَ مُنَاقِضٌ، إذْ الظَّاهِرُ يَشْهَدُ لِلْمُضَارِبِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ قِسْمَةَ الرِّبْحِ تَكُونُ بَعْدَ قَبْضِ رَبِّ الْمَالِ رَأْسَ الْمَالِ قُلْنَا: لَا كَذَلِكَ فَبَيْنَ التُّجَّارِ عَادَةٌ ظَاهِرَةٌ فِي الْمُحَاسِبَةِ فِي كُلِّ وَقْتٍ، وَأَخَذَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حِصَّتَهُ مِنْ الرِّبْحِ مَعَ بَقَاءِ رَأْسِ الْمَالِ عَلَى حَالِهِ فَلَا يَكُونُ هَذَا إقْرَارًا مِنْ رَبِّ الْمَالِ بِقَبْضِ رَأْسِ الْمَالِ، فَبِاعْتِبَارِ هَذَا الْعُرْفِ لَا يَشْهَدُ الظَّاهِرُ لِلْمُضَارِبِ أَيْضًا، ثُمَّ الظَّاهِرُ حُجَّةٌ لِدَفْعِ الِاسْتِحْقَاقِ لِإِثْبَاتِ الِاسْتِحْقَاقِ، وَالْمُضَارِبُ يَدَّعِي اسْتِحْقَاقَ الْخَمْسِمِائَةِ رِبْحًا، وَالظَّاهِرُ لِهَذَا لَا يَكْفِي، فَإِنْ أَقَامَا الْبَيِّنَةَ فَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ الْمُضَارِبِ؛ لِأَنَّهُ أَثْبَتَ بِبَيِّنَتِهِ دَفْعَ رَأْسِ الْمَالِ إلَى رَبِّ الْمَالِ، وَبَيِّنَةُ رَبِّ الْمَالِ تَنْفِي ذَلِكَ؛ وَلِأَنَّهُ أَثْبَتَ اسْتِحْقَاقَهُ الْخَمْسَمِائَةِ رِبْحًا بِالْحُجَّةِ، وَإِنْ لَمْ يُقِيمَا بَيِّنَةً وَهَلَكَتْ الْخَمْسُمِائَةِ الَّتِي أَخَذَهَا الْمُضَارِبُ لِنَفْسِهِ، فَالْمُضَارِبُ ضَامِنٌ لَهَا؛ لِأَنَّهُ أَخَذَهَا عَلَى أَنَّهَا لَهُ فَصَارَ ضَامِنًا لَهَا.

وَلَوْ دَفَعَ إلَيْهِ أَلْفَ دِرْهَمٍ مُضَارَبَةً بِالنِّصْفِ فَذَكَرَ الْمُضَارِبُ أَنَّهُ قَدْ رَبِحَ فِيهَا أَلْفًا وَجَاءَ بِأَلْفَيْنِ، ثُمَّ إنَّهُ جَحَدَ فَقَالَ: لَمْ أَرْبَحْ فِيهَا إلَّا خَمْسَمِائَةٍ فَهَلَكَتْ الْأَلْفَانِ فِي يَدِهِ، وَقَامَتْ الْبَيِّنَةُ عَلَى إقْرَارِهِ بِمَا قَالَ مِنْ الرِّبْحِ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ الْخَمْسَمِائَةِ الَّتِي جَحَدَهَا مِنْ الرِّبْحِ فَيَأْخُذُهَا رَبُّ الْمَالِ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ، وَلَا يَضْمَنُ شَيْئًا غَيْرَهَا؛ لِأَنَّ جَمِيعَ الْمَالِ أَمَانَةٌ فِي يَدِهِ، وَإِنَّمَا يَصِيرُ ضَامِنًا مِقْدَارَ مَا جَحَدَ مِنْ الْمَالِ كَالْمُودِعِ، وَإِنَّمَا جَحَدَ الْخَمْسَمِائَةِ فِيمَا سِوَى ذَلِكَ، وَقَدْ هَلَكَتْ فِي يَدِهِ فَهِيَ أَمَانَةٌ، فَإِنَّمَا عَلَيْهِ ضَمَانُ الْخَمْسِمِائَةِ فَيَأْخُذُهَا رَبُّ الْمَالِ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ.

وَلَوْ كَانَ أَنْكَرَ أَنْ يَكُونَ رَبِحَ فِي الْمَالِ شَيْئًا وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا، ضَمِنَ الْأَلْفَ الرِّبْحَ كُلَّهَا فَيَأْخُذُهَا رَبُّ الْمَالِ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ، وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِي رَأْسِ الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَجْحَدْهَا فَهَلَكَتْ فِي يَدِهِ أَمَانَةً، وَقَدْ جَحَدَ الْأَلْفَ الَّتِي اعْتَرَفَ أَنَّهَا رِبْحٌ فِي يَدِهِ فَيَكُونُ ضَامِنًا مِثْلَهَا يَأْخُذُهَا رَبُّ الْمَالِ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ.

وَلَوْ رَبِحَ فِيهَا أَلْفًا وَقَالَ لِرَبِّ الْمَالِ: قَدْ دَفَعْت إلَيْك رَأْسَ الْمَالِ أَلْفَ دِرْهَمٍ وَبَقِيَتْ

<<  <  ج: ص:  >  >>