ثُمَّ الْفَرْقُ بَيْنَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَبَيْنَ تِلْكَ بَيَّنَّاهُ آخِرَ الْبَابِ.
وَلَوْ كَانَ الْمُضَارِبُ مُعْسِرًا لَا يَقْدِرُ عَلَى الْأَدَاءِ فَأَرَادَ رَبُّ الْمَالِ أَنْ يَسْتَسْعِيَ الْجَارِيَةَ فِي رَأْسِ مَالِهِ وَحِصَّتِهِ مِنْ الرِّبْحِ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ دَيْنٌ عَلَى الْمُضَارِبِ وَلَا سِعَايَةَ عَلَى أُمِّ الْوَلَدِ فِي دَيْنِ مَوْلَاهَا، وَإِنْ أَرَادَ أَنْ يَسْتَسْعِيَ الْوَلَدَ كَانَ لَهُ ذَلِكَ فِي الْأَلْفِ، وَخَمْسُمِائَةِ أَلْفِ دِرْهَمٍ رَأْسُ مَالِهِ وَخَمْسُمِائَةٍ حِصَّتُهُ مِنْ الرِّبْحِ فِي الْوَلَدِ؛ لِأَنَّ نَصِيبَ الْمُضَارِبِ مِنْ الْوَلَدِ وَهُوَ الرُّبْعُ عَتَقَ بِالدَّعْوَى فَعَلَيْهِ السِّعَايَةُ فِي نَصِيبِ رَأْسِ الْمَالِ وَهُوَ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهِ وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ يُعْتَقُ بِأَدَاءِ السِّعَايَةِ، وَالِاسْتِسْعَاءُ لِتَتْمِيمِ الْعِتْقِ صَحِيحٌ، فَأَمَّا أُمُّ الْوَلَدِ فَلَا تُعْتَقُ بِأَدَاءِ السِّعَايَةِ؛ فَلِهَذَا لَا يَلْزَمُهَا السِّعَايَةُ فِي دَيْنِ مَوْلَاهَا ثُمَّ لِرَبِّ الْمَالِ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ وَلَاءِ الْوَلَدِ؛ لِأَنَّ هَذَا الْقَدْرَ عِتْقٌ عَلَى مِلْكِهِ بِأَدَاءِ السِّعَايَةِ إلَيْهِ، وَيَرْجِعُ عَلَى الْمُضَارِبِ بِنِصْفِ قِيمَةِ الْأُمِّ وَنِصْفِ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّهَا مَعَ عُقْرِهَا كُلِّهِ رِبْحٌ فَيَسْقُطُ عَنْ الْمُضَارِبِ حِصَّتُهُ مِنْ ذَلِكَ، وَيَغْرَمُ حِصَّةَ رَبِّ الْمَالِ، فَإِذَا أَدَّى ذَلِكَ إلَى رَبِّ الْمَالِ فَأَرَادَ أَنْ يَرْجِعَ بِشَيْءٍ مِمَّا سَعَى فِيهِ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ عِوَضَ مَا سَعَى فِيهِ قَدْ حَصَلَ لَهُ وَهُوَ ذَلِكَ الْقَدْرُ مِنْ رَقَبَتِهِ.
وَلَوْ كَانَ الْمُضَارِبُ حِينَ اشْتَرَى الْجَارِيَةَ بِالْأَلْفِ وَهِيَ تُسَاوِي أَلْفًا فَوَلَدَتْ وَلَدًا يُسَاوِي أَلْفًا فَلَمْ يَدَّعِهِ، وَلَكِنَّهُ ادَّعَاهُ رَبُّ الْمَالِ فَهُوَ ابْنُهُ، وَالْأُمُّ أُمُّ وَلَدٍ لَهُ، وَلَا يَغْرَمُ لِلْمُضَارِبِ شَيْئًا مِنْ عُقْرٍ وَلَا قِيمَةِ جَارِيَةٍ؛ لِأَنَّ الْجَارِيَةَ كُلَّهَا مَمْلُوكًا لِرَبِّ الْمَال، إذْ لَا فَضْلَ فِيهَا عَلَى رَأْسِ الْمَالِ، فَاسْتِيلَادُهُ حَصَلَ فِي خَالِصِ مِلْكِهِ، وَذَلِكَ نَقْضٌ مِنْهُ لِلْمُضَارَبَةِ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ اسْتَرَدَّهَا بِالْإِعْتَاقِ فَلَمْ يَلْزَمْهُ عُقْرُهَا وَقَدْ عَلِقَ الْوَلَدُ حُرَّ الْأَصْلِ وَلَا شَيْءَ لِلْمُضَارِبِ قِبَلَهُ مِنْ قِيمَتِهَا، وَلَا مِنْ قِيمَةِ وَلَدِهَا. وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ الْوَلِيُّ يُسَاوِي أَلْفَيْنِ؛ لِأَنَّ نَسَبَهُ ثَبَتَ مِنْ وَقْتِ الْعَلُوقِ وَإِنَّمَا عَلِقَ حُرَّ الْأَصْلِ فَلَا مُعْتَبَرَ بِقِيمَتِهِ قَلَّتْ أَوْ كَثُرَتْ.
وَلَوْ كَانَتْ الْأُمُّ تُسَاوِي أَلْفَيْنِ غَرِمَ رُبْعَ قِيمَتِهَا، وَثَمَنُ عُقْرِهَا لِلْمُضَارِبِ؛ لِأَنَّهُ حِينَ اسْتَوْلَدَهَا كَانَ الرُّبْعُ مِنْهَا لِلْمُضَارِبِ فَيَغْرَمُ لَهُ رُبْعَ قِيمَتِهَا، وَقَدْ لَزِمَهُ رُبْعُ عُقْرِهَا أَيْضًا بِاعْتِبَارِ مِلْكِ الْمُضَارِبِ لَكِنَّ هَذَا الرُّبْعَ مِنْ الْعُقْرِ رِبْحٌ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ؛ فَتَسْقُطُ حِصَّتُهُ مِنْ ذَلِكَ، وَيَغْرَمُ حِصَّةَ الْمُضَارِبِ وَهُوَ ثَمَنُ عُقْرِهَا، وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِي الْوَلَدِ؛ لِأَنَّهُ عَلِقَ حُرَّ الْأَصْلِ فَإِنَّ أَصْلَ الْعَلُوقِ حَصَلَ فِي مِلْكِهِ فَتَسْتَنِدُ دَعْوَاهُ إلَى تِلْكَ الْحَالَةِ، وَيَكُونُ الْوَلَدُ حُرَّ الْأَصْلِ.
وَلَوْ كَانَ الْمُضَارِبُ هُوَ الَّذِي وَطِئَ الْجَارِيَةَ وَقِيمَتُهَا أَلْفَانِ فَجَاءَتْ بِوَلَدٍ فَادَّعَاهَا الْمُضَارِبُ بَعْدَ مَا وَلَدَتْهُ وَقِيمَتُهُ أَلْفُ دِرْهَمٍ فَالْوَلَدُ وَلَدُ الْمُضَارِبِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ مَالِكًا لِرُبْعِهَا حِينَ اسْتَوْلَدَهَا وَذَلِكَ يَكْفِي لِثُبُوتِ نَسَبِ الْوَلَدِ بِالدَّعْوَى، وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِيهِ وَهُوَ عَبْدٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ شَيْئًا مِنْ الْوَلَدِ فَإِنَّهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute