ضَامِنٌ لِرَبِّ الْمَالِ مَا نَقَدَ؛ لِأَنَّهُ قَضَى بِمَالِ الْمُضَارَبَةِ دَيْنَ نَفْسِهِ، فَإِنَّ ثَمَنَ مَا اشْتَرَى لِنَفْسِهِ يَكُونُ عَلَيْهِ.
وَإِنْ كَانَ رَبُّ الْمَالِ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ فِي ذَلِكَ؛ فَالْجَارِيَةُ عَلَى الْمُضَارَبَةِ؛ لِأَنَّهُ أَضَافَ الشِّرَاءَ إلَى مَالِ الْمُضَارَبَةِ وَهُوَ لَا يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ فِي مَالِ الْمُضَارَبَةِ إلَّا لِلْمُضَارَبَةِ، وَالْمَأْمُورُ بِالتَّصَرُّفِ لَا يَعْزِلُ نَفْسَهُ فِي مُوَافَقَتِهِ أَمْرَ الْآمِرِ كَالْوَكِيلِ بِشِرَاءِ شَيْءٍ بِعَيْنِهِ، إذَا اشْتَرَى ذَلِكَ الشَّيْءَ لِنَفْسِهِ؛ يَكُونُ مُشْتَرِيًا لِرَبِّ الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ يُرِيدُ عَزْلَ نَفْسِهِ فِي مُوَافَقَةِ أَمْرِ الْآمِرِ. فَأَمَّا إذَا كَانَ أَذِنَ لَهُ فِي ذَلِكَ فَيَتَمَكَّنُ مِنْ التَّصَرُّفِ فِي هَذَا الْمَالِ إلَّا لِلْمُضَارَبَةِ، وَيَصِيرُ رَبُّ الْمَالِ بِهَذَا الْإِذْنِ كَالْمُقْرِضِ لِلْمَالِ مِنْهُ إنْ اشْتَرَى بِهِ لِنَفْسِهِ. وَإِنْ كَانَ اشْتَرَاهَا عَلَى الْمُضَارَبَةِ، وَفِيهَا فَضْلٌ فَأَرَادَ الْمُضَارِبُ أَنْ يَأْخُذَهَا لِنَفْسِهِ فَبَاعَهَا إيَّاهُ رَبُّ الْمَالِ بِرِبْحٍ؛ فَذَلِكَ جَائِزٌ وَيَسْتَوْفِي رَبُّ الْمَالِ مِنْ ذَلِكَ رَأْسَ مَالِهِ، وَحِصَّتَهُ مِنْ الرِّبْحِ، وَقَدْ خَرَجَ الْمَالُ مِنْ الْمُضَارَبَةِ؛ لِأَنَّ رَبَّ الْمَالِ وَلَوْ بَاعَهَا مِنْ غَيْرِهِ بِرِضَاهُ جَازَ، فَكَذَلِكَ إذَا بَاعَهَا مِنْهُ، وَأَكْثَرُ مَا فِيهِ أَنَّ لِلْمُضَارِبِ فِيهَا شَرِكَةٌ، وَشِرَاءُ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ مِنْ صَاحِبِهِ جَائِزٌ فِي نَصِيبِهِ، ثُمَّ قَدْ خَرَجَ الْمَالُ مِنْ الْمُضَارَبَةِ؛ لِأَنَّهُ حِينَ اشْتَرَاهَا لِنَفْسِهِ فَقَدْ تَحَوَّلَ حُكْمُ الْمُضَارَبَةِ إلَى ثَمَنِهَا، وَالثَّمَنُ مَضْمُونٌ فِي ذِمَّةِ الْمُضَارَبَةِ وَمِنْ شَرْطِ الْمُضَارَبَةِ كَوْنُ الْمَالِ أَمَانَةً فِي يَدِ الْمُضَارِبِ، فَإِذَا صَارَ مَضْمُونًا عَلَيْهِ بَطَلَتْ الْمُضَارَبَةُ.
وَلَوْ كَانَ رَبُّ الْمَالِ أَرَادَ أَخْذَ الْجَارِيَةِ لِنَفْسِهِ فَبَاعَهَا إيَّاهُ الْمُضَارِبُ بِزِيَادَةٍ عَلَى رَأْسِ الْمَالِ؛ فَهُوَ جَائِزٌ عِنْدَنَا، وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ فِيهَا لِرَبِّ الْمَالِ حَقِيقَةً، وَلِلْمُضَارِبِ فِيهَا حَقٌّ وَبَيْعُ الْحَقِّ لَا يَجُوزُ، وَلَنَا أَنَّ هَذَا تَصَرُّفٌ مُفِيدٌ؛ لِأَنَّهُ يُخْرِجُ بِهِ مِنْ الْمُضَارَبَةِ مَا كَانَ فِيهَا، وَيُدْخِلُ بِهِ فِي الْمُضَارَبَةِ مَا لَمْ يَكُنْ فِيهَا وَهُوَ الثَّمَنُ، وَمَبْنَى التَّصَرُّفَاتِ الشَّرْعِيَّةِ عَلَى الْفَائِدَةِ، فَمَتَى كَانَ مُفِيدًا كَانَ صَحِيحًا كَالْمَوْلَى إذَا اشْتَرَى عَبْدًا مِنْ عَبْدِهِ الْمَأْذُونِ الْمَدْيُونِ، وَيَكُونُ الثَّمَنُ هُنَا عَلَى الْمُضَارَبَةِ؛ لِأَنَّ شَرْطَ الْمُضَارَبَةِ مَا انْعَدَمَ بِصَيْرُورَةِ الثَّمَنِ دَيْنًا فِي ذِمَّةِ رَبِّ الْمَالِ، فَإِنَّ الْعَيْنِيَّةَ شَرْطُ ابْتِدَاءِ الْمُضَارَبَةِ، فَأَمَّا فِي حَالَةِ الْبَقَاءِ فِي ذِمَّةِ رَبِّ الْمَالِ وَكَوْنِهِ فِي ذِمَّةِ أَجْنَبِيٍّ آخَرَ فَسَوَاءٌ، بِخِلَافِ الْأَوَّلِ فَيَكُونُ الْمَالُ أَمَانَةً فِي يَدِ الْمُضَارِبِ بِشَرْطِ بَقَاءِ الْعَقْدِ وَابْتِدَائِهِ، فَإِذَا صَارَ مَضْمُونًا عَلَيْهِ قُلْنَا بِأَنَّ الْمُضَارَبَةَ تَبْطُلُ.
وَإِذَا دَفَعَ الرَّجُلُ إلَى الرَّجُلِ مَالًا مُضَارَبَةً بِالنِّصْفِ فَارْتَدَّ الْمُضَارِبُ، أَوْ دَفَعَهُ إلَيْهِ بَعْدَ مَا ارْتَدَّ، ثُمَّ اشْتَرَى وَبَاعَ فَرَبِحَ، أَوْ وَضَعَ ثُمَّ قُتِلَ عَلَى رِدَّتِهِ، أَوْ مَاتَ، أَوْ قُتِلَ بِدَارِ الْحَرْبِ جَازَ جَمِيعُ مَا فَعَلَ مِنْ ذَلِكَ، وَالرِّبْحُ بَيْنَهُمَا عَلَى مَا اشْتَرَطَا؛ لِأَنَّ تَوَقُّفَ تَصَرُّفَاتِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِتَعَلُّقِ حَقِّ وَرَثَتِهِ بِمَالِهِ، أَوْ لِتَوَقُّفِ مِلْكِهِ بِاعْتِبَارِ تَوَقُّفِ نَفْسِهِ، وَهَذَا الْمَعْنَى لَا يُوجِبُ تَصَرُّفَهُ فِي مَالِ الْمُضَارَبَةِ؛ لِأَنَّهُ نَائِبٌ فِيهِ عَنْ رَبِّ الْمَالِ، وَهُوَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute