للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بَطَلَتْ الْمُضَارَبَةُ كَانَ هُوَ فِي التَّصَرُّفِ غَاصِبًا ضَامِنًا لِرَبِّ الْمَالِ رَأْسَ مَالِهِ.

وَلَوْ أَنَّ الْحَرْبِيَّ دَخَلَ بِالْمَالِ دَارَ الْحَرْبِ فَاشْتَرَى بِهِ وَبَاعَ هُنَاكَ فَهُوَ لَهُ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُسْتَوْلِيًا عَلَى الْمَالِ حِينَ دَخَلَ دَارَ الْحَرْبِ بِغَيْرِ إذْنِ رَبِّ الْمَالِ، وَتَمَّ إحْرَازُهُ لَهَا فَيَكُونُ مُتَمَلِّكًا مُتَصَرِّفًا فِيهِ لِنَفْسِهِ، وَبَعْدَ الْإِسْلَامِ هُوَ غَيْرُ ضَامِنٍ لِمَا يَمْلِكُهُ عَلَى الْمُسْلِمِ بِالِاسْتِيلَاءِ، وَإِنْ كَانَ رَبُّ الْمَالِ أَذِنَ لَهُ فِي أَنْ يَدْخُلَ دَارَ الْحَرْبِ فَيَشْتَرِي بِهِ وَيَبِيعُ هُنَاكَ، فَإِنِّي أَسْتَحْسِنُ أَنْ أُجِيزَ ذَلِكَ عَلَى الْمُضَارَبَةِ، وَأَجْعَلُ الرِّبْحَ بَيْنَهُمَا عَلَى مَا اشْتَرَطَا، إنْ أَسْلَمَ أَهْلُ الدَّارِ، وَرَجَعَ الْمُضَارِبُ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ مُسْلِمًا، أَوْ مُعَاهَدًا، أَوْ بِأَمَانٍ وَفِي الْقِيَاسِ هُوَ مُتَصَرِّفٌ لِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّ الْمُنَافِيَ لِلْمُضَارَبَةِ قَدْ تَحَقَّقَ بِرُجُوعِهِ إلَى دَارِ الْحَرْبِ وَإِنْ كَانَ بِإِذْنِ رَبِّ الْمَالِ بَعْدِ تَحَقُّقِ الْمُنَافِي لَا يُمْكِنُ تَنْفِيذُ تَصَرُّفِهِ عَلَى الْمُضَارَبَةِ، فَيَكُونُ مُتَصَرِّفًا لِنَفْسِهِ بِطَرِيقِ الِاسْتِيلَاءِ عَلَى الْمَالِ، وَوَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ: أَنَّهُ مَا دَخَلَ دَارَ الْحَرْبِ إلَّا مُمْتَثِلًا أَمْرَ رَبِّ الْمَالِ، وَلَا يَكُونُ مُسْتَوْلِيًا عَلَى مَالِهِ فِيمَا يَكُونُ مُمْتَثِلًا فِيهِ أَمْرَهُ، وَإِذَا انْعَدَمَ الِاسْتِيلَاءُ كَانَ تَصَرُّفُهُ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَفِي دَارِ الْإِسْلَامِ سَوَاءً.

(أَلَا تَرَى) أَنَّ رَبَّ الْمَالِ لَوْ بَعَثَ بِمَالِهِ إلَيْهِ لِيَتَصَرَّفَ فِيهِ لَهُ جَازَ، وَتَكُونُ الْوَدِيعَةُ فِي ذَلِكَ التَّصَرُّفِ عَلَى رَبِّ الْمَالِ وَالرِّبْحُ لَهُ، فَكَذَلِكَ إذَا أَدْخَلَهُ مَعَ نَفْسِهِ بِإِذْنِ رَبِّ الْمَالِ، وَإِنْ ظَهَرَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى تِلْكَ الدَّارِ، وَالْمَالُ فِي يَدِ الْمُضَارِبِ فَرَبِحَ فِيهِ وَاشْتَرَى عَرَضًا - فِيهِ فَضْلٌ أَوْ لَا فَضْلَ فِيهِ - قَالَ رَبُّ الْمَالِ: يَسْتَوْفِي مِنْ الْمُضَارَبَةِ رَأْسَ مَالِهِ وَحِصَّتَهُ مِنْ الرِّبْحِ، وَمَا بَقِيَ فَهُوَ فَيْءٌ لِلْمُسْلِمِينَ؛ لِأَنَّ الْبَاقِيَ حِصَّةُ الْحَرْبِيِّ، وَالْحَرْبِيُّ صَارَ فَيْئًا بِجَمِيعِ أَمْوَالِهِ، فَأَمَّا قَدْرُ رَأْسِ الْمَالِ وَحِصَّتُهُ مِنْ الرِّبْحِ، فَهُوَ حَقُّ رَبِّ الْمَالِ، وَرَبُّ الْمَالِ مُسْلِمٌ، مَالُهُ مَصُونٌ عَنْ الِاغْتِنَامِ كَنَفْسِهِ، وَقِيلَ: هَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ فَأَمَّا عِنْدَهُمَا فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ جَمِيعُ الْمَالِ فَيْئًا؛ لِأَنَّهُ مَالُ الْمُسْلِمِ فِي يَدِ الْحَرْبِيِّ، وَلَا حُرْمَةَ لِيَدِهِ، وَأَصْلُ الْخِلَافِ فِي مُسْلِمٍ أَوْدَعَ مَالَهُ عِنْدَ حَرْبِيٍّ فِي دَارِ الْحَرْبِ، ثُمَّ خَرَجَ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ، ثُمَّ ظَهَرَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى الدَّارِ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ هَذَا، وَمَا لَوْ أَوْدَعَهُ عِنْدَ مُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ سَوَاءٌ، فَلَا يَكُونُ فَيْئًا، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ يَدُ الْمُودِعِ عَلَى الْوَدِيعَةِ لَا تَكُونُ أَقْوَى مِنْ يَدِهِ عَلَى مَالِ نَفْسِهِ، وَيَدُ الْحَرْبِيِّ عَلَى مَالِ نَفْسِهِ لَا تَكُونُ دَافِعَةً لِلِاغْتِنَامِ، فَكَذَلِكَ يَدُهُ عَلَى الْوَدِيعَةِ.

وَإِذَا دَخَلَ الْحَرْبِيَّانِ دَارَ الْإِسْلَامِ بِأَمَانٍ، فَدَفَعَ أَحَدُهُمَا إلَى صَاحِبِهِ مَالًا مُضَارَبَةً بِالنِّصْفِ، ثُمَّ دَخَلَ أَحَدُهُمَا دَارَ الْحَرْبِ لَمْ تُنْتَقَضْ الْمُضَارَبَةُ؛ لِأَنَّهُمَا مِنْ أَهْلِ دَارِ الْحَرْبِ، وَاَلَّذِي بَقِيَ مِنْهُمَا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ كَأَنَّهُ فِي دَارِ الْحَرْبِ حُكْمًا.

(أَلَا تَرَى) أَنَّهُ يَتَمَكَّنُ مِنْ الرُّجُوعِ إلَى دَارِ الْحَرْبِ وَأَنَّ زَوْجَتَهُ الَّتِي فِي دَارِ الْحَرْبِ، لَا تَبِينُ مِنْهُ، فَانْتِقَاضُ الْمُضَارَبَةِ بَيْنَ الْمُسْلِمِ

<<  <  ج: ص:  >  >>