وَذَلِكَ يَمْنَعُ صَيْرُورَةَ الْمَالِ دَيْنًا فِي تَرِكَتِهِ، وَلَكِنْ يَتْبَعُ رَبُّ الْمَالِ الْمَدْيُونَ بِرَأْسِ مَالِهِ فَيَأْخُذَهُ وَيَأْخُذَ نِصْفَ مَا بَقِيَ مِنْهُ أَيْضًا حِصَّةً مِنْ الرِّبْحِ، وَاقْتَسَمَ نِصْفَهُ غُرَمَاءُ الْمُضَارِبِ مَعَ مَالِهِ وَإِنْ قَالَ غُرَمَاءُ الْمُضَارِبِ: إنَّ الْمُضَارِبَ لَمْ يَرْبَحْ فِي الْمَالِ شَيْئًا، وَلَيْسَ الدَّيْنُ الَّذِي عَلَى فُلَانٍ مِنْ الْمُضَارَبَةِ كَانَ ذَلِكَ الدَّيْنُ مَعَ سَائِرِ تَرِكَتِهِ بَيْنَ الْغُرَمَاءِ وَرَبِّ الْمَالِ بِالْحِصَصِ يَضْرِبُ رَبُّ الْمَالِ بِرَأْسِ مَالِهِ، وَلَا يَضْرِبُ بِشَيْءٍ مِنْ الرِّبْحِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ الدَّيْنَ وَاجِبٌ بِمُعَامَلَةِ الْمُضَارِبِ، فَيَكُونُ فِي الظَّاهِرِ لَهُ كَالْمَالِ الَّذِي فِي يَدِهِ، وَإِقْرَارُهُ بِهِ لِرَبِّ الْمَالِ كَإِقْرَارِهِ بِعَيْنٍ فِي يَدِهِ لِإِنْسَانٍ، وَمَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ الْمُسْتَغْرِقُ إذَا أَقَرَّ فِي مَرَضِهِ بِعَيْنٍ لِإِنْسَانٍ وَكَذَّبَهُ الْغُرَمَاءُ لَمْ يَصِحَّ إقْرَارُهُ، فَهَذَا مِثْلُهُ إلَّا أَنَّ بِقَدْرِ رَأْسِ الْمَالِ، قَدْ عَلِمْنَا وُجُوبَهُ فِي تَرِكَتِهِ وَصَيْرُورَتُهُ دَيْنًا عَلَيْهِ حِينَ لَمْ يَعْمَلْ بَيَانُهُ، فَهَذَا الْقَدْرُ دَيْنٌ لَزِمَهُ لِسَبَبٍ لَا تُهْمَةَ فِيهِ، فَأَمَّا حِصَّةُ رَبِّ الْمَالِ مِنْ الرِّبْحِ لَوْ لَزِمَهُ إنَّمَا يَلْزَمُهُ بِإِقْرَارِ الْمُضَارِبِ بِهِ، وَإِقْرَارُ الْمُضَارِبِ بِالدَّيْنِ غَيْرُ صَحِيحٍ فِي مُزَاحَمَةِ غُرَمَاءِ الصِّحَّةِ.
وَلَوْ أَقَرَّ فِي مَرَضِهِ بِمَالٍ فِي يَدِهِ أَنَّهُ مُضَارَبَةٌ لِفُلَانٍ وَلَا يُعْرَفُ إلَّا بِقَوْلِهِ بُدِئَ بِدَيْنِ الصِّحَّةِ؛ لِأَنَّ الْمَرِيضَ مَحْجُورٌ عَنْ الْإِقْرَارِ بِالدَّيْنِ، وَالْعَيْنُ بِحَقِّ غُرَمَاءِ الصِّحَّةِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ فِي الصِّحَّةِ، وَإِنَّمَا أَقَرَّ بِالدَّيْنِ فِي مَرَضِهِ قَبْلَ إقْرَارِهِ بِالْمُضَارَبَةِ حَاصَّ رَبُّ الْمَالِ الْغَرِيمَ بِرَأْسِ مَالِهِ؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ بِمُضَارَبَةٍ بِعَيْنِهَا كَالْإِقْرَارِ الْوَدِيعَةِ، وَقَدْ بَيَّنَّا فِي كِتَابِ الْإِقْرَارِ أَنَّ الْمَرِيضَ إذَا أَقَرَّ بِالدَّيْنِ أَوَّلًا، ثُمَّ الْوَدِيعَةِ يَتَحَاصَّانِ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْغَرِيمِ مُتَعَلِّقٌ بِمَالِهِ، فَيَمْنَعُ ذَلِكَ سَلَامَةَ الْعَيْنِ لِلْمُقِرِّ لَهُ بِالْعَيْنِ، وَيَصِيرُ هَذَا كَالْإِقْرَارِ الْوَدِيعَةِ مُسْتَهْلَكَةً.
وَلَوْ كَانَ بَدَأَ الْإِقْرَارَ بِالْمُضَارَبَةِ بِعَيْنِهَا بُدِئَ بِهَا؛ لِأَنَّ الْعَيْنَ صَارَ مُسْتَحَقًّا لِرَبِّ الْمَالِ، وَخَرَجَ مِنْ أَنْ يَكُونَ مَمْلُوكًا لِلْمُضَارِبِ، فَإِقْرَارُهُ بِالدَّيْنِ بَعْدَ ذَلِكَ يَكُونُ شَاغِلًا لِتَرِكَتِهِ لَا لِأَمَانَةِ الْغَيْرِ فِي يَدِهِ، وَإِنْ أَقَرَّ لَهَا بِغَيْرِ عَيْنِهَا تَحَاصَّا؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ بِالْمُضَارَبَةِ الْمَجْهُولَةِ كَالْإِقْرَارِ بِالدَّيْنِ، فَكَأَنَّهُ أَقَرَّ بِدَيْنٍ ثُمَّ بِدَيْنٍ وَإِنْ أَقَرَّ بِهَا بِعَيْنِهَا، ثُمَّ أَقَرَّ بِالدَّيْنِ، ثُمَّ أَقَرَّ بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّ الْمُضَارَبَةَ فِي هَذِهِ الْأَلْفِ بِعَيْنِهَا تَحَاصَّا؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ بِالْعَيْنِ كَانَ بَعْدَ الْإِقْرَارِ بِالدَّيْنِ، فَلَا يَكُونُ مَقْبُولًا فِي اسْتِحْقَاقِ الْمُقِرِّ لَهُ بِالْعَيْنِ وَاخْتِصَاصِهِ بِهِ بَعْدَ مَا صَارَ مَشْغُولًا بِحَقِّ الْمُقِرِّ لَهُ بِالدَّيْنِ.
وَإِنْ قَالَ هَذِهِ الْأَلْفُ مُضَارَبَةً لِفُلَانٍ عِنْدِي، وَلِفُلَانٍ عِنْدِي وَدِيعَةُ كَذَا، وَلِفُلَانٍ كَذَا مِنْ الدَّيْنِ بُدِئَ بِالْمُضَارَبَةِ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِهَا بِعَيْنِهَا فَبِنَفْسِ الْإِقْرَارِ صَارَتْ الْعَيْنُ مُسْتَحَقَّةً لِرَبِّ الْمَالِ، فَلَا يَتَغَيَّرُ ذَلِكَ بِمَا يُعْطَفُ عَلَيْهِ الْإِقْرَارُ بِوَدِيعَةٍ غَيْرِ مُعَيَّنَةٍ بِالدَّيْنِ.
وَلَوْ لَمْ يُقِرَّ بِهَا بِعَيْنِهَا كَانَ جَمِيعُ مَالِ الْمُضَارَبَةِ بَيْنَ صَاحِبِ الدَّيْنِ وَصَاحِبِ الْوَدِيعَةِ وَصَاحِبِ الْمُضَارَبَةِ بِالْحِصَصِ؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ بِأَمَانَةٍ غَيْرِ مُعَيَّنَةٍ بِمَنْزِلَةِ إقْرَارِهِ بِالدَّيْنِ.
وَلَوْ قَالَ: لِفُلَانٍ عِنْدِي أَلْفُ دِرْهَمٍ مُضَارَبَةً وَهِيَ فِي هَذَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute