فِي هَذَا الْفَصْلِ أَيْضًا، وَلَكِنْ مِنْ عَادَةِ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الِاسْتِشْهَادُ بِالْمُخْتَلِفِ عَلَى الْمُخْتَلَفِ لِإِيضَاحِ الْكَلَامِ.
وَكَذَلِكَ لَوْ دَفَعَ إلَى رَجُلٍ أَلْفَ دِينَارٍ مُضَارَبَةً فَاشْتَرَى بِخَمْسِينَ دِينَارًا مِنْهَا جَارِيَةً، وَقَبَضَهَا ثُمَّ اشْتَرَى بِهَا وَبِدَرَاهِمَ أَوْ فُلُوسٍ طَعَامًا يَأْكُلُهُ، فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ الْمُضَارَبَةِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَشْتَرِيَ طَعَامًا بِالدَّنَانِيرِ، أَوْ بِالدَّرَاهِمِ، أَوْ بِالْفُلُوسِ، بِخِلَافِ مَا إذَا اشْتَرَى بِشَيْءٍ آخَرَ، وَهَذَا فِي الْفُلُوسِ بِنَاءً عَلَى الرِّوَايَةِ الَّتِي قُلْنَا: إنَّ الْمُضَارَبَةَ بِالْفُلُوسِ يَصِحُّ، وَهُوَ كَالنُّقُودِ فِي الصَّلَاحِيَةِ لِرَأْسِ مَالِ الْمُضَارَبَةِ.
وَلَوْ كَانَ الَّذِي فِي يَدِهِ مِنْ الْمُضَارَبَةِ سِوَى هَذِهِ الثَّلَاثَةِ الْأَصْنَافِ، ثُمَّ اشْتَرَى عَلَيْهَا بِدَرَاهِمَ، أَوْ دَنَانِيرَ أَوْ فُلُوسٍ، أَوْ صِنْفٍ آخَرَ غَيْرَ مَا فِي يَدِهِ كَانَ مُشْتَرِيًا لِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا مُجَانَسَةَ بَيْنَ مَا فِي يَدِهِ مِنْ مَالِ الْمُضَارَبَةِ، وَبَيْنَ مَا اشْتَرَى بِهِ فِي الصُّورَةِ، وَالْمَعْنَى الْمَقْصُودِ؛ فَلِهَذَا كَانَ مُشْتَرِيًا لِنَفْسِهِ.
وَإِذَا دَفَعَ الرَّجُلُ إلَى الرَّجُلِ أَلْفَ دِرْهَمٍ مُضَارَبَةً بِالنِّصْفِ فَاشْتَرَى بِهَا جَارِيَةً تُسَاوِي أَلْفَيْنِ فَقَبَضَهَا، وَلَمْ يَنْقُدْ الدَّرَاهِمَ حَتَّى بَاعَ الْجَارِيَةَ بِأَلْفَيْ دِرْهَمٍ، وَقَبَضَ الْأَلْفَيْنِ، ثُمَّ هَلَكَتْ الدَّرَاهِمُ قَبْلَ أَنْ يَنْقُدَ الثَّمَنَ، وَهَلَكَتْ الْجَارِيَةُ مَعَ مَا فِي يَدِهِ مَعًا، فَعَلَى رَبِّ الْمَالِ أَنْ يُؤَدِّيَ أَلْفًا أُخْرَى مَكَانَ الْأَلْفِ الْأُولَى الَّتِي اشْتَرَى بِهَا الْجَارِيَةَ فَيَدْفَعُهَا الْمُضَارِبُ إلَى الَّذِي بَاعَهُ الْجَارِيَةَ، وَيَغْرَمَ رَبُّ الْمَالِ أَيْضًا أَلْفًا وَخَمْسَمِائَةٍ، فَيَدْفَعُهَا إلَى الْمُضَارِبِ فَيُؤَدِّيهَا الْمُضَارِبُ مَعَ خَمْسِمِائَةٍ مِنْ مَالِهِ إلَى مُشْتَرِي الْجَارِيَةِ؛ لِأَنَّ الْأَلْفَ الْأُولَى كَانَتْ أَمَانَةً فِي يَدِ الْمُضَارِبِ، قَدْ هَلَكَتْ، وَكَانَ الْمُضَارِبُ فِي شِرَاءِ الْجَارِيَةِ عَامِلًا لِرَبِّ الْمَالِ فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ بِأَلْفٍ أُخْرَى لِيُؤَدِّيَ مِنْهَا ثَمَنَهَا بِهِ حِينَ بَاعَ الْجَارِيَةَ، وَقَبَضَ ثَمَنَهَا كَانَ هُوَ فِي ثَلَاثَةِ أَرْبَاعِهَا عَامِلًا لِرَبِّ الْمَالِ، وَكَانَ فِي الرُّبْعِ عَامِلًا لِنَفْسِهِ، وَهُوَ مِقْدَارُ حِصَّتِهِ مِنْ الرِّبْحِ، وَبِهَلَاكِ الْجَارِيَةِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ انْفَسَخَ الْبَيْعُ فَيَجِبُ عَلَيْهِ رَدُّ الْمَقْبُوضِ مِنْ الثَّمَنِ، وَقَدْ هَلَكَتْ فِي يَدِهِ فَيَرْجِعُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ بِمِقْدَارِ مَا كَانَ عَمَلُهُ فِيهِ لِرَبِّ الْمَالِ، وَذَلِكَ أَلْفٌ وَخَمْسُمِائَةٍ، وَيَغْرَمُ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ مِقْدَارَ مَا كَانَ عَمَلُهُ فِيهِ لِنَفْسِهِ، وَذَلِكَ خَمْسُمِائَةٍ، فَإِنْ هَلَكَتْ الدَّرَاهِمُ الْأُولَى أَوَّلًا، ثُمَّ هَلَكَتْ الدَّرَاهِمُ الْمَقْبُوضَةُ، وَالْجَارِيَةُ بَعْدَ ذَلِكَ فَالثَّلَاثَةُ الْآلَافُ كُلُّهَا عَلَى رَبِّ الْمَالِ؛ لِأَنَّ الدَّرَاهِمَ الْأُولَى حِينَ هَلَكَتْ اسْتَوْجَبَ الْمُضَارِبُ الرُّجُوعَ بِمِثْلِهَا عَلَى رَبِّ الْمَالِ، وَكَانَ ذَلِكَ دَيْنًا لِحَقِّ الْمُضَارِبِ، وَيَصِيرُ رَأْسُ مَالِ رَبِّ الْمَالِ بِهِ أَلْفَيْ دِرْهَمٍ.
(أَلَا تَرَى) أَنَّهُ إنْ اسْتَوْفَى مِنْ رَبِّ الْمَالِ أَلْفًا أُخْرَى، ثُمَّ تَصَرَّفَ فِي ثَمَنِ الْجَارِيَةِ، وَرَبِحَ يُحَصِّلُ رَأْسَ مَالِهِ أَلْفَا دِرْهَمٍ أَوَّلًا، فَيَتَبَيَّنُ أَنَّهُ لَا رِبْحَ فِيمَا فِي يَدِهِ، وَأَنَّهُ فِي بَيْعِ جَمِيعِ الْجَارِيَةِ وَقَبْضِ الثَّمَنِ عَامِلٌ لِرَبِّ الْمَالِ، فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ بِالْعُهْدَةِ فِي جَمِيعِهِ، يُوَضِّحُهُ أَنَّ أَلْفًا مِنْ الْأَلْفَيْنِ الْمَقْبُوضَةِ وَجَبَ دَفْعُهَا إلَى بَائِعِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute