للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «نِعْمَ مَطِيَّةُ الْمُؤْمِنِ الدُّنْيَا إلَى الْآخِرَةِ: الْغَرْسُ، وَالْبِنَاءُ» وَإِنْ كَانَ حَسَنًا مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ وَلَكِنَّ مَعْنَى الْقُرْبَةِ فِيهِ إذَا بَاشَرَهُ الْمُسْلِمُ دُونَ الْكَافِرِ، فَإِنَّ الْكَافِرَ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْقُرَابَةِ وَهُوَ مَأْمُورٌ بِتَقْدِيمِ الْإِسْلَامِ عَلَى الِاشْتِغَالِ بِالْغَرْسِ، وَلَكِنْ قَدْ وَرَدَ أَثَرٌ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيمَا يَأْثُرُ عَنْ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ: «عَمَّرُوا بِلَادِي فَعَاشَ فِيهَا عِبَادِي» فَلِهَذَا قُلْنَا هَذَا الْفِعْلُ حَسَنٌ مِنْ كُلِّ أَحَدٍ. وَعَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ كَانَ لَا يَرَى بَأْسًا بِكِرَاءِ الْأَرْضِ الْبَيْضَاءِ بِذَهَبٍ وَفِضَّةٍ، وَعَنْ جُبَيْرٍ أَنَّهُ كَانَ لَا يَرَى بَأْسًا بِإِجَارَةِ الْأَرْضِ بِدَرَاهِمَ، أَوْ بِطَعَامٍ مُسَمًّى، وَقَالَ هَلْ ذَلِكَ إلَّا مِثْلُ دَارٍ أَوْ بَيْتٍ؟، وَهُوَ حُجَّةٌ عَلَى مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَإِنَّهُ لَا يُجَوِّزُ إجَارَةُ الْأَرْضِ بِالطَّعَامِ لِظَاهِرِ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يَسْتَأْجِرُ بِشَيْءٍ مِنْهُ، وَلَكِنَّا نَقُولُ الْأَرْضُ غَيْرُ مُنْتَفَعٍ بِهَا كَالدَّارِ وَالْبَيْتِ، وَكُلُّ مَا يَصْلُحُ ثَمَنًا فِي الْبَيْعِ يَصْلُحُ أُجْرَةً فِي الْإِجَارَةِ، وَتَأْوِيلُ النَّهْيِ الِاسْتِئْجَارُ بِأُجْرَةٍ مَجْهُولَةٍ مَعْدُومَةٍ هِيَ عَلَى خَطَرِ الْوُجُودِ كَمَا يَكُونُ فِي الْمُزَارَعَةِ وَهَذَا يَنْعَدِمُ فِي الِاسْتِئْجَارِ بِطَعَامٍ مُسَمًّى، وَرُبَّمَا يَكُونُ فِي هَذَا نَوْعُ رِفْقٍ؛ لِأَنَّ مَنْ يَسْتَأْجِرُ الْأَرْضَ لِلزِّرَاعَةِ فَأَدَاءُ الطَّعَامِ أُجْرَةً أَيْسَرُ عَلَيْهِ مِنْ أَدَاءِ الدَّرَاهِمِ؛ لِقِلَّةِ النُّقُودِ فِي أَيْدِي الدَّهَاقِينِ، وَعَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الْمُحَاقَلَةِ، وَالْمُزَابَنَةِ، وَقَالَ: إنَّمَا يَزْرَعُ ثَلَاثَةٌ: رَجُلٌ لَهُ أَرْضٌ فَهُوَ يَزْرَعُهَا أَوْ رَجُلٌ مُنِحَ أَرْضًا فَهُوَ يَزْرَعُ مَا مُنِحَ، أَوْ رَجُلٌ اسْتَكْرَى أَرْضًا بِذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ»، وَالْمُزَابَنَةُ بَيْعُ التَّمْرِ عَلَى رُءُوسِ النَّخْلِ بِتَمْرٍ مَجْدُودٍ عَلَى الْأَرْضِ خَرْصًا فَالنَّهْيُ عَنْهَا حُجَّةٌ لَنَا فِي إفْسَادِ ذَلِكَ الْعَقْدِ، وَالْمُحَاقَلَةُ قِيلَ: بَيْعُ الْحِنْطَةِ فِي سُنْبُلِهَا بِحِنْطَةٍ، وَالْعَرَبُ تَقُولُ الْحَقْلَةُ تُنْبِتُ الْحَقْلَةَ أَيْ: الْحِنْطَةُ تُنْبِتُ السُّنْبُلَةَ وَقِيلَ الْمُحَاقَلَةُ الْمُزَارَعَةُ وَهَذَا أَظْهَرُ فَقَدْ فَسَّرَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِقَوْلِهِ: " إنَّمَا يَزْرَعُ ثَلَاثَةٌ " فَهُوَ دَلِيلٌ لِأَبِي حَنِيفَةَ عَلَى أَنَّ الِانْتِفَاعَ بِالْأَرْضِ لِلزِّرَاعَةِ مَقْصُورٌ عَلَى هَذِهِ الطُّرُقِ الثَّلَاثَةِ، وَأَنَّ الْمُزَارَعَةَ بِالرُّبُعِ وَالثُّلُثِ لَا تَكُونُ صَحِيحَةً؛ لِأَنَّ كَلِمَةَ إنَّمَا لِتَقْرِيرِ الْحُكْمِ فِي الْمَذْكُورِ، وَنَفْيِهِ عَمَّا عَدَاهُ، وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ: إنَّ أَمْثَلَ مَا أَنْتُمْ صَانِعُونَ أَنْ يَسْتَكْرِيَ أَحَدُكُمْ الْأَرْضَ الْبَيْضَاءَ بِذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ عَامًا بِعَامٍ يَعْنِي: أَبْعَدَهَا عَنْ الْمُنَازَعَةِ، وَالْجَهَالَةِ وَاخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - فَإِنَّ الْأَمْثَلَ مَا يَكُونُ أَقْرَبَ إلَى الصَّوَابِ وَالصِّحَّةِ وَذَلِكَ فِيمَا يَكُونُ أَبْعَدَ عَنْ شُبْهَةِ الِاخْتِلَافِ.، وَعَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ «اشْتَرَكَ أَرْبَعَةُ نَفَرٍ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ أَحَدُهُمْ: مِنْ عِنْدِي الْبَذْرُ، وَقَالَ الْآخَرُ: مِنْ عِنْدِي الْعَمَلُ، وَقَالَ الْآخَرُ: مِنْ عِنْدِي الْفَدَّانُ. وَقَالَ الْآخَرُ: مِنْ عِنْدِي الْأَرْضُ

<<  <  ج: ص:  >  >>