لِصَاحِبِ الْبَذْرِ، فَإِنْ كَانَ صَاحِبُ الْبَذْرِ هُوَ الْعَامِلُ فَعَلَيْهِ أَجْرُ مِثْلِ الْأَرْضِ فَيَنْبَغِي لِصَاحِبِ الْأَرْضِ أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْهُ نِصْفَ الْخَارِجِ بَعْدَ الْقِسْمَةِ بِمَا اسْتَوْجَبَ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرِ الْمِثْلِ، وَكَذَلِكَ يَفْعَلُهُ الْعَامِلُ إنْ كَانَ الْبَذْرُ مِنْ قِبَلِ صَاحِبِ الْأَرْضِ، وَبِهَذَا الطَّرِيقِ يَطِيبُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى قَوْلِهِ، ثُمَّ التَّفْرِيعُ بَعْدَ هَذَا عَلَى قَوْلِ مَنْ يُجَوِّزُ الْمُزَارَعَةَ وَالْمُعَامَلَةَ، وَعَلَى أُصُولِ أَبِي حَنِيفَةَ أَنْ لَوْ كَانَ يَرَى جَوَازَهَا وَأَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هُوَ الَّذِي فَرَّعَ هَذِهِ الْمَسَائِلَ لِعِلْمِهِ أَنَّ النَّاسَ لَا يَأْخُذُونَ بِقَوْلِهِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، فَفَرَّعَ عَلَى أُصُولِهِ أَنْ لَوْ كَانَ يَرَى جَوَازَهَا
ثُمَّ الْمُزَارَعَةُ عَلَى قَوْلِ مَنْ يُجِيزُهَا تَسْتَدْعِي شَرَائِطَ سِتَّةً: أَحَدُهَا: التَّوْقِيتُ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ يَرِدُ عَلَى مَنْفَعَةِ الْأَرْضِ أَوْ عَلَى مَنْفَعَةِ الْعَامِلِ بِعِوَضٍ وَالْمَنْفَعَةُ لَا يُعْرَفُ مِقْدَارُهَا إلَّا بِبَيَانِ الْمُدَّةِ فَكَانَتْ الْمُدَّةُ مِعْيَارًا لِلْمَنْفَعَةِ بِمَنْزِلَةِ الْكَيْلِ وَالْوَزْنِ، وَهَذَا بِخِلَافِ الْمُضَارَبَةِ، فَإِنَّ هُنَاكَ بِالتَّصَرُّفِ الْمَالَ لَا يَصِيرُ مُسْتَهْلَكًا فَلَا حَاجَةَ إلَى إثْبَاتِ صِفَةِ اللُّزُومِ، كَذَلِكَ الْعَقْدُ وَهُنَا الْبَذْرُ يَصِيرُ مُسْتَهْلَكًا بِالْإِلْقَاءِ فِي الْأَرْضِ، فَبِنَا حَاجَةٌ إلَى الْقَوْلِ بِلُزُومِ هَذَا الْعَقْدِ لِدَفْعِ الضَّرَرِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ، وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ إلَّا بَعْدَ عِلْمِ مِقْدَارِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ مِنْ الْمَنْفَعَةِ. وَالثَّانِي: أَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى بَيَانٍ مِنْ الْبَذْرِ مِنْ قِبَلِهِ؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِهِ، فَإِنَّ الْبَذْرَ إنْ كَانَ هُوَ مِنْ قِبَلِ الْعَامِلِ فَالْمَعْقُودُ عَلَيْهِ مَنْفَعَةُ الْأَرْضِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ قِبَلِ صَاحِبِ الْأَرْضِ فَالْمَعْقُودُ عَلَيْهِ مَنْفَعَةُ الْعَامِلِ فَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ، وَجَهَالَةُ مَنْ الْبَذْرُ مِنْ جِهَتِهِ تُؤَدِّي إلَى الْمُنَازَعَةِ بَيْنَهُمَا. وَالثَّالِثُ: أَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى بَيَانِ جِنْسِ الْبَذْرِ؛ لِأَنَّ إعْلَامَ جِنْسِ الْأُجْرَةِ لَا بُدَّ مِنْهُ، وَلَا يَصِيرُ ذَلِكَ مَعْلُومًا إلَّا بِبَيَانِ جِنْسِ الْبَذْرِ. وَالرَّابِعُ: أَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى بَيَانِ نَصِيبِ مَنْ لَا بَذْرَ مِنْ قِبَلِهِ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَحِقُّ ذَلِكَ عِوَضًا بِالشَّرْطِ فَمَا لَمْ يَكُنْ مَعْلُومًا لَا يَصِحُّ اسْتِحْقَاقُهُ بِالْعَقْدِ شَرْطًا. وَالْخَامِسُ: أَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى التَّخْلِيَةِ بَيْنَ الْأَرْضِ وَبَيْنَ الْعَامِلِ، حَتَّى إذَا شَرَطَ فِي الْعَقْدِ مَا تَنْعَدِمُ بِهِ التَّخْلِيَةُ وَهُوَ عَمَلُ رَبِّ الْأَرْضِ مَعَ الْعَامِلِ لَا يَصِحُّ الْعَقْدُ. وَالسَّادِسُ الشَّرِكَةُ فِي الْخَارِجِ عِنْدَ حُصُولِهِ حَتَّى إنَّ كُلَّ شَرْطٍ يُؤَدِّي إلَى قَطْعِ الشَّرِكَةِ فِي الْخَارِجِ بَعْدَ حُصُولِهِ يَكُونُ مُفْسِدًا لِلْعَقْدِ
ثُمَّ الْمُزَارَعَةُ عَلَى قَوْلِ مَنْ يُجِيزُهَا عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ أَحَدُهَا: أَنْ تَكُونَ الْأَرْضُ مِنْ أَحَدِهِمَا وَالْبَذْرُ وَالْعَمَلُ وَالْبَقَرُ وَآلَاتُ الْعَمَلِ كُلِّهِ مِنْ الْآخَرِ، فَهَذَا جَائِزٌ؛ لِأَنَّ صَاحِبَ الْبَذْرِ مُسْتَأْجِرٌ لِلْأَرْضِ بِجُزْءٍ مَعْلُومٍ مِنْ الْخَارِجِ، وَلَوْ اسْتَأْجَرَهَا بِأُجْرَةٍ مَعْلُومَةٍ مِنْ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ صَحَّ، فَكَذَا إذَا أَسْتَأْجَرَهَا بِجُزْءٍ مُسَمًّى مِنْ الْخَارِجِ شَائِعٍ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنْ تَكُونَ الْأَرْضُ وَالْبَذْرُ وَالْبَقَرُ وَالْآلَاتُ مِنْ أَحَدِهِمَا وَالْعَمَلُ مِنْ الْآخَرِ فَهَذَا جَائِزٌ أَيْضًا؛ لِأَنَّ صَاحِبَ الْأَرْضِ اسْتَأْجَرَ الْعَامِلَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute