يَأْبَاهُ كَالِاسْتِبْضَاعِ فَهَذَا مِثْلُهُ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ فِي دِيَارِنَا أَيْضًا. وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إذَا اُسْتُفْتِيَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ قَالَ: فِيهَا عُرْفٌ ظَاهِرٌ، وَمَنْ أَرَادَ أَنْ لَا يَتَعَطَّلَ فَعَلَيْهِ أَنْ لَا يَمْتَنِعَ مِمَّا هُوَ الْعُرْفُ، وَكَذَلِكَ لَوْ اشْتَرَطَا شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ عَلَى صَاحِبِ الْأَرْضِ كَانَ الْعَقْدُ فَاسِدًا لِمَا بَيَّنَّا، وَفِي جَانِبِ رَبِّ الْأَرْضِ فَسَادُ الْعَقْدِ بِهَذَا الشَّرْطِ عَلَى الْأَقَاوِيلِ كُلِّهَا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ عُرْفٌ ظَاهِرٌ.
(أَلَا تَرَى) أَنَّ رَجُلًا لَوْ جَاءَ إلَى رَجُلٍ قَدْ صَارَ زَرْعُهُ بَقْلًا فَعَامَلَهُ عَلَى أَنْ يَقُومَ عَلَيْهِ وَيَسْقِيَهُ حَتَّى يُسْتَحْصَدَ فَمَا خَرَجَ فَهُوَ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ كَانَ جَائِزًا، وَلَوْ عَامَلَهُ بَعْدَ مَا اُسْتُحْصِدَ عَلَى أَنْ يَحْصُدَهُ وَيَدُوسَهُ وَيَذْرِيَهُ وَيُنَقِّيَهُ وَيَحْمِلَهُ إلَى مَنْزِلِهِ، أَوْ إلَى مَوْضِعِ كَذَا كَانَ الْعَقْدُ فَاسِدًا وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْمُزَارَعَةَ عَلَى قَوْلِ مَنْ يُجِيزُهَا إنَّمَا تَكُونُ بِاعْتِبَارِ الْأَثَرِ، وَالْأَثَرُ إنَّمَا جَاءَ فِي مُزَارَعَةٍ يَكُونُ لِلْعَمَلِ فِيهَا تَأْثِيرٌ فِي تَحْصِيلِ الْخَارِجِ، وَذَلِكَ لَا يُوجَدُ فِي الْفَصْلِ الثَّانِي وَفِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ يُوجَدُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الزَّرْعَ يَزْدَادُ بِعَمَلِ الْعَامِلِ بِمَنْزِلَةِ الثِّمَارِ تَخْرُجُ بِعَمَلِ الْعَامِلِ فَلِهَذَا صَحَّ الْعَقْدُ هُنَاكَ، وَلَمْ يَصِحَّ هُنَا، وَلَوْ دَفَعَ إلَيْهِ أَرْضًا وَبَذْرًا عَلَى أَنْ يَزْرَعَهَا سَنَتَهُ هَذِهِ عَلَى أَنَّ مَا رَزَقَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ بَيْنَنَا نِصْفَانِ فَصَارَ قَصِيلًا فَأَرَادَا أَنْ يَقْصِلَاهُ وَيَبِيعَاهُ، فَحَصَادُ الْقَصِيلِ وَبَيْعُهُ عَلَيْهِمَا؛ لِأَنَّهُمَا أَنْهَيَا الْعَقْدَ بِمَا عَزَمَا عَلَيْهِ، وَالْقَصْلُ فِي الْقَصِيلِ كَالْحَصَادِ بَعْدَ الِاسْتِحْصَادِ؛ لِأَنَّهُ عَمَلٌ فِي مِلْكٍ مُشْتَرَكٍ، وَلَيْسَ لَهُ تَأْثِيرٌ فِي زِيَادَةِ الْخَارِجِ فَكَمَا أَنَّ الْحَصَادَ بَعْدَ الْإِدْرَاكِ عَلَيْهِمَا فَكَذَلِكَ حَصَادُ الْقَصِيلِ عَلَيْهِمَا، وَيَسْتَوِي إنْ كَانَ الْبَذْرُ مِنْ قِبَلِ رَبِّ الْأَرْضِ، أَوْ الْمُزَارِعِ، وَلَوْ اُسْتُحْصِدَ الزَّرْعُ فَمَنَعَهُمْ السُّلْطَانُ مِنْ حَصَادِهِ إمَّا ظُلْمًا، أَوْ لِمَصْلَحَةٍ رَأَى فِي ذَلِكَ أَوْ اسْتَوْفَى مِنْهُمْ الْخَرَاجَ فَالْحِفْظُ عَلَيْهِمَا؛ لِأَنَّ الْحِفْظَ بَعْدَ الِاسْتِحْصَادِ بِمَنْزِلَةِ الْحَصَادِ، فَإِنَّ عَقْدَ الْمُزَارَعَةِ يَنْتَهِي بِالْحَصَادِ
وَلَوْ دَفَعَ إلَى رَجُلٍ نَخْلًا لَهُ مُعَامَلَةً عَلَى أَنْ يَقُومَ عَلَيْهِ وَيَسْقِيَهُ وَيُلْحِقَهُ عَلَى أَنَّ الْخَارِجَ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ فَهُوَ جَائِزٌ، وَعَلَى الْعَامِلِ حِفْظُهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ حَتَّى يَصِيرَ تَمْرًا؛ لِأَنَّ عَقْدَ الْمُعَامَلَةِ قَائِمٌ بَيْنَهُمَا مَا لَمْ يَصِرْ تَمْرًا، وَالْحِفْظُ مِنْ الْأَعْمَالِ الَّتِي تُسْتَحَقُّ عَلَى الْعَامِلِ بِعَقْدِ الْمُعَامَلَةِ، فَإِذَا صَارَ تَمْرًا فَقَدْ انْتَهَى الْعَقْدُ وَبَقِيَ التَّمْرُ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا، فَكَانَ الْحِفْظُ بَعْدَ ذَلِكَ وَالْجُذَاذُ عَلَيْهِمَا بِقَدْرِ مِلْكَيْهِمَا، فَإِنْ اشْتَرَطَ صَاحِبُ النَّخْلِ عَلَى الْعَامِلِ فِي أَصْلِ الْمُعَامَلَةِ بَعْدَ مَا يَصِيرُ تَمْرًا كَانَتْ الْمُعَامَلَةُ فَاسِدَةً؛ لِأَنَّهُ شَرَطَ لِنَفْسِهِ مَنْفَعَةً عَلَيْهِ بَعْدَ انْتِهَاءِ الْعَقْدِ، وَلَوْ أَرَادَ فِي الْمُعَامَلَةِ الصَّحِيحَةِ أَنْ يَجُدَّاهُ بُسْرًا فَيَبِيعَانِهِ، أَوْ يَلْقُطَانِهِ رُطَبًا فَيَبِيعَانِهِ فَإِنَّ اللِّقَاطَ وَالْجُذَاذَ عَلَيْهِمَا نِصْفَيْنِ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّهُمَا أَنْهَيَا الْعَقْدَ بِمَا عَزَمَا عَلَيْهِ، فَإِنَّ الْجُذَاذَ قَبْلَ الْإِدْرَاكِ بِمَنْزِلَتِهِ بَعْدَ الْإِدْرَاكِ، وَلَكِنَّ الْحِفْظَ عَلَى الْعَامِلِ مَا دَامَ فِي رُءُوسِ النَّخِيلِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute