للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْإِجَارَةِ؛ لِدَفْعِ الضَّرَرِ، فَكَذَلِكَ هَذَا كَانَ مُحِقًّا فِي الِابْتِدَاءِ فَتَبْقَى الْإِجَارَةُ لِدَفْعِ الضَّرَرِ، وَهُوَ نَظِيرُ مَا تَقَدَّمَ فِيمَا إذَا مَاتَ الْمُكَارِي فِي طَرِيقِ الْحَجِّ، أَوْ مَاتَ صَاحِبُ السَّفِينَةِ، وَالسَّفِينَةُ فِي لُجَّةِ الْبَحْرِ، فَإِذَا اُسْتُحْصِدَ الزَّرْعُ أَخَذُوهَا، وَقَدْ اُنْتُقِضَتْ الْإِجَارَةُ فِيمَا بَقِيَ مِنْ السِّنِينَ، وَلَوْ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يَزْرَعَ انْتَقَضَتْ الْمُزَارَعَةُ، وَأَخَذَ الْوَارِثُ الْأَرْضَ؛ لِأَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَى إيفَاءِ الْعَقْدِ هُنَا؛ فَإِنَّ الْعَقْدَ مَا تَأَكَّدَ بِالزِّرَاعَةِ، وَلَيْسَ فِي إعْمَالِ سَبَبِ النَّقْضِ إبْطَالُ حَقِّ الْعَامِلِ عَنْ الزَّرْعِ ثُمَّ لَا شَيْءَ عَلَى الْوَارِثِ مِنْ نَفَقَةِ الْعَامِلِ؛ لِأَنَّ الْمَنَافِعَ لَا تَتَقَوَّمُ إلَّا بِاعْتِبَارِ التَّسْمِيَةِ، وَالْمُسَمَّى بِمُقَابَلَةِ مَنْفَعَةِ الْأَرْضِ جُزْءُ الْخَارِجِ، وَلَمْ يَحْصُلْ، وَلَوْ كَانَ الْوَقْتُ سَنَةً وَاحِدَةً، فَأَخَّرَ الْعَامِلُ الزَّرْعَ حَتَّى زَرَعَ فِي آخِرِ السَّنَةِ لَمْ يُمْنَعْ؛ لِأَنَّ الْمُزَارَعَةَ بَاقِيَةٌ بَيْنَهُمَا بِبَقَاءِ شَيْءٍ مِنْ الْمُدَّةِ، فَإِنْ اُنْتُقِضَتْ الْمُدَّةُ، وَالزَّرْعُ بَقْلٌ بَعْدُ، فَالزَّرْعُ بَيْنَ الْعَامِلِ وَرَبِّ الْأَرْضِ نِصْفَانِ، كَمَا كَانَ الشَّرْطُ بَيْنَهُمَا، وَالْعَمَلُ فِيمَا بَقِيَ عَلَيْهِمَا؛ لِأَنَّ الْعَمَلَ كَانَ عَلَى الْمُزَارِعِ فِي الْمُدَّةِ، وَقَدْ انْتَهَتْ الْمُدَّةُ، وَالْعَمَلُ بَعْدَ ذَلِكَ يَكُونُ بِاعْتِبَارِ الشَّرِكَةِ فِي الزَّرْعِ، وَهُمَا شَرِيكَانِ فِي الزَّرْعِ، فَالْعَمَلُ وَالْمُؤْنَةُ عَلَيْهِمَا كَنَفَقَةِ، الْعَبْدِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَهُمَا إذَا كَانَ عَاجِزًا عَنْ الْكَسْبِ، وَعَلَى الْعَامِلِ أَجْرُ مِثْلِ نِصْفِ الْأَرْضِ؛ لِأَنَّ الْمُزَارَعَةَ لَمَّا انْتَهَتْ لَمْ يَبْقَ لِلْعَامِلِ حَقٌّ فِي مَنْفَعَةِ الْأَرْضِ، وَهُوَ يَسْتَوْفِي مَنْفَعَةَ الْأَرْضِ بِتَرْبِيَةِ نَصِيبِهِ مِنْ الزَّرْعِ فِيهَا إلَى وَقْتِ الْإِدْرَاكِ، فَلَا يُسَلَّمُ لَهُ ذَلِكَ بَلْ عَلَيْهِ أَجْرُ مِثْلِ نِصْفِ الْأَرْضِ لِصَاحِبِهَا، كَمَا لَوْ كَانَ اسْتَأْجَرَهَا بِدَرَاهِمَ، وَالزَّرْعُ بَقْلٌ كَانَ عَلَيْهِ أَجْرُ مِثْلِهَا إلَى وَقْتِ الْإِدْرَاكِ بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ مَوْتِ رَبِّ الْأَرْضِ؛ لِأَنَّ هُنَاكَ بَقِيَ الْعَقْدُ بَيْنَهُمَا بِبَقَاءِ الْمُدَّةِ، وَمَنْفَعَةُ الْأَرْضِ كَانَتْ مُسْتَحَقَّةً فِي الْمُدَّةِ، فَإِذَا لَمْ يُعْلَمْ سَبَبُ التَّقَضِّي بَقِيَ الْعَقْدُ، كَمَا كَانَ فَلَا يَلْزَمُهُ أَجْرٌ، وَهُنَا الْعَقْدُ مَا تَنَاوَلَ مَا وَرَاءَ الْمُدَّةِ الْمَذْكُورَةِ، فَالْمَنْفَعَةُ فِيمَا وَرَاءَ الْمُدَّةِ لَا تُسَلَّمُ لَهُ إلَّا بِأَجْرِ الْمِثْلِ، فَإِنْ أَرَادَ رَبُّ الْأَرْضِ أَنْ يَأْخُذَ الزَّرْعَ بَقْلًا لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِضْرَارِ بِالْعَامِلِ فِي إبْطَالِ حَقِّهِ، وَهُوَ كَانَ مُحِقًّا فِي الزِّرَاعَةِ، فَيَجِبُ دَفْعُ الضَّرَرِ عَنْهُ، وَإِذَا كَانَ يُسَلِّمُ لِرَبِّ الْأَرْضِ أَجْرَ مِثْلِ نِصْفِ الْأَرْضِ كَانَ هُوَ فِي الْمُطَالَبَةِ بِالْقَلْعِ مُتَعَنِّتًا قَاصِدًا لِلْإِضْرَارِ بِهِ، فَيُرَدُّ عَلَيْهِ قَصْدُهُ، وَإِنْ أَرَادَ الْعَامِلُ أَنْ يَأْخُذَهُ بَقْلًا فَلَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا كَانَ يُتْرَكُ لِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْهُ، وَقَدْ رَضِيَ بِالْتِزَامِ الضَّرَرِ وَلِأَنَّهُ نَاظِرٌ لِنَفْسِهِ مِنْ وَجْهٍ؛ فَإِنَّهُ يَمْتَنِعُ مِنْ الْتِزَامِ أَجْرِ مِثْلِ نِصْفِ الْأَرْضِ مَخَافَةَ أَنْ لَا يَفِي نَصِيبُهُ بِذَلِكَ ثُمَّ يُقَالُ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ: اقْلَعْهُ، فَيَكُونُ بَيْنَكُمَا، أَوْ أَعْطِهِ قِيمَةَ حِصَّتِهِ مِنْهُ، أَوْ أَنْفِقْ عَلَى الزَّرْعِ كُلِّهِ، وَارْجِعْ بِحِصَّتِهِ مِمَّا يُنْفَقُ فِي نَصِيبِهِ؛ لِأَنَّهُ زَرْعٌ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا فِي أَرْضِ أَحَدِهِمَا، فَلِصَاحِبِ الْأَرْضِ أَنْ يَتَمَلَّكَ عَلَى شَرِيكِهِ نَصِيبَهُ بِقِيمَتِهِ، كَمَا فِي الْبِنَاءِ

<<  <  ج: ص:  >  >>