إيفَاؤُهُ لِلْإِفْلَاسِ فَيَسْتَحِقُّ النَّظِرَةَ إلَى الْمَيْسَرَةِ، وَلَا يَبْطُلُ أَصْلُ الِاسْتِحْقَاقِ، فَيَكُونُ الْآخَرُ كَالْفَائِتِ عَنْهُ شَرْعًا فِيمَا كَانَ مُسْتَحَقًّا عَلَيْهِ، فَيَرْجِعُ بِجَمِيعِهِ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ، كَمَا لَوْ كَانَ أَمَرَهُ بِذَلِكَ، وَفِيمَا لَمْ يَكُنْ هُوَ مُجْبَرًا عَلَيْهِ لَمْ يُؤْخَذْ مِنْهُ الِالْتِزَامُ بِمُبَاشَرَةِ سَبَبِهِ، وَإِنَّمَا يَلْزَمُ الْقَاضِي ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ النَّظَرِ مِنْهُ لَهُ، وَمَعْنَى النَّظَرِ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ إذَا كَانَ الْإِلْزَامُ بِقَدْرِ نَصِيبِهِ مِنْ الْغَلَّةِ عَلَى وَجْهٍ يَبْقَى بِبَقَائِهِ، وَلَا يُطَالَبُ بِشَيْءٍ بَعْدَ هَلَاكِهِ؛ فَلِهَذَا لَا يُعْتَبَرُ أَمْرُ الْقَاضِي إلَّا فِي هَذَا الْمِقْدَارِ.
(أَلَا تَرَى) أَنَّ عَبْدًا صَغِيرًا لَوْ كَانَ بَيْنَ رَجُلَيْنِ فَقَالَ أَحَدُهُمَا: لَيْسَ عِنْدِي مَا أُنْفِقُ عَلَيْهِ، وَلَا مَا أَسْتَرْضِعُ بِهِ أَجْبَرَهُ الْقَاضِي عَلَى ذَلِكَ، فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى ذَلِكَ، وَأَمَرَ شَرِيكَهُ فَاسْتَرْضَعَ لَهُ رَجَعَ عَلَيْهِ بِحِصَّتِهِ مِنْ الْأَجْرِ بَالِغًا مَا بَلَغَ إذَا كَانَ رَضَاعُ مِثْلِهِ، وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَةِ الصَّبِيِّ سَوَاءٌ بَقِيَ الصَّبِيُّ أَوْ هَلَكَ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ مُجْبَرًا عَلَى الْإِنْفَاقِ كَانَ أَمْرُ الْقَاضِي شَرِيكَهُ بِالْإِنْفَاقِ، كَأَمْرِهِ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ نَائِبٌ عَنْهُ فِي إيفَاءِ مَا كَانَ مُسْتَحَقًّا عَلَيْهِ وَدَفْعِ الظُّلْمِ، فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ بِنَصِيبِهِ بَالِغًا مَا بَلَغَ وَبِمِثْلِهِ فِي الدَّابَّةِ الْمُشْتَرَكَةِ لَمَّا لَمْ يَكُنْ مُجْبَرًا عَلَى الْإِنْفَاقِ فِي الْقَضَاءِ، فَإِذَا أَنْفَقَ الشَّرِيكُ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهِ فِيمَا زَادَ عَلَى قِيمَةِ نَصِيبِهِ، وَلَا بَعْدَ هَلَاكِ الدَّابَّةِ؛ فَبِهَذَا يَتَّضِحُ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا، وَلَوْ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِنَخْلٍ وَلِآخَرَ بِغَلَّتِهِ فَالنَّفَقَةُ عَلَى صَاحِبِ الْغَلَّةِ تُسَلَّمُ لَهُ بِمُقَابَلَةِ مَا يُنْفِقُ، وَالْغُرْمُ مُقَابَلٌ بِالْغَنْمِ، فَإِنْ أَحَالَهُ، فَلَمْ يُخْرِجْ شَيْئًا فِي سَنَتِهِ لَمْ يُجْبَرْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا عَلَى النَّفَقَةِ، أَمَّا صَاحِبُ النَّخْلِ فَلِأَنَّهُ لَا يُسَلَّمُ لَهُ شَيْءٌ مِنْ الْغَلَّةِ، وَلِأَنَّهُ لَا يُجْبَرُ عَلَى الْإِنْفَاقِ عَلَى مِلْكِهِ فِي غَيْرِ بَنِي آدَمَ، وَصَاحِبُ الْغَلَّةِ إنَّمَا كَانَ يُنْفِقُ لِتُسَلَّمَ لَهُ الْغَلَّةُ، وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ لَا يُسَلَّمُ لَهُ شَيْءٌ مِنْ الْغَلَّةِ فَلَا يُجْبَرُ عَلَى النَّفَقَةِ، فَإِنْ أَنْفَقَ عَلَيْهِ صَاحِبُ النَّخْلِ حَتَّى حَمَلَ لَمْ يَكُنْ لِصَاحِبِ الْغَلَّةِ شَيْءٌ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ صَاحِبُ النَّخْلِ النَّفَقَةَ مِنْ الْغَلَّةِ، وَإِنْ لَمْ يُخْرِجْ مِنْ الْغَلَّةِ فِيمَا يَسْتَقْبِلُ مِثْلَ مَا أَنْفَقَ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَلَى صَاحِبِ الْغَلَّةِ غُرْمُ نَفَقَتِهِ، وَإِنَّمَا نَفَقَتُهُ فِيمَا أَخْرَجَتْ النَّخْلُ؛ لِأَنَّ الْغَلَّةَ إنَّمَا حَصَلَتْ بِالنَّفَقَةِ، فَلَا تُسَلَّمُ لَهُ الْغَلَّةَ حَتَّى يُعْطِيَهُ مَا أَنْفَقَ، وَلَكِنَّ صَاحِبَ الْغَلَّةِ لَمْ يَكُنْ مُجْبَرًا عَلَى الْإِنْفَاقِ، فَلَا يَرْجِعُ بِالْفَضْلِ عَلَيْهِ، فَكَذَلِكَ الزَّرْعُ الَّذِي وَصَفْنَا قَبْلَ هَذَا، وَلَوْ أَنْفَقَ عَلَيْهِ الْمُزَارِعُ بِأَمْرِ صَاحِبِهِ رَجَعَ عَلَيْهِ بِذَلِكَ بَالِغًا مَا بَلَغَ؛ لِأَنَّهُ اسْتَقْرَضَ مِنْهُ مَا أَمَرَهُ بِأَنْ يُنْفِقَ عَلَيْهِ، وَقَدْ أَقْرَضَهُ، فَيَكُونُ ذَلِكَ دَيْنًا عَلَيْهِ فِي ذِمَّتِهِ، وَلَا سَبِيلَ لَهُ عَلَى حِصَّتِهِ مِنْ الزَّرْعِ وَهَذَا؛ لِأَنَّ أَمْرَهُ عَلَى نَفْسِهِ نَافِذٌ مُطْلَقًا فَلَا يَتَقَيَّدُ بِمَا فِيهِ نَظَرٌ لَهُ، وَأَمْرُ الْقَاضِي عَلَيْهِ يَتَقَيَّدُ بِمَا فِيهِ نَظَرٌ لَهُ فِيمَا لَمْ يَكُنْ هُوَ مُجْبَرًا عَلَيْهِ.
وَإِذَا دَفَعَ الرَّجُلُ إلَى رَجُلٍ أَرْضًا عَشْرَ سِنِينَ عَلَى أَنْ يَزْرَعَهَا مَا بَدَا لَهُ عَلَى أَنَّ مَا أَخْرَجَ اللَّهُ - تَعَالَى - فِي ذَلِكَ مِنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute