مِلْكُهُ، وَاَلَّذِي جَرَى بَيْنَهُمَا عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ فَيَثْبُتُ الْغُرُورُ بِسَبَبِهِ، وَقَدْ اسْتَحَقَّ إبْقَاءَ نَصِيبِهِ مِنْ الزَّرْعِ إلَى وَقْتِ الْإِدْرَاكِ، فَإِذَا فَاتَ عَلَيْهِ ذَلِكَ كَانَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهِ بِقِيمَةِ حِصَّتِهِ مِنْ الزَّرْعِ نَابِتًا فِي الْأَرْضِ، كَالْمُشْتَرِي لِلْأَرْضِ إذَا زَرَعَهَا ثُمَّ اُسْتُحِقَّتْ، وَقَلَعَ زَرْعَهُ، وَإِنْ أَخَذَ نِصْفَ الزَّرْعِ كَانَ النِّصْفُ الْآخَرُ لِلَّذِي دَفَعَ إلَيْهِ الْأَرْضَ؛ لِأَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ بِعَقْدِهِ، وَهُوَ الَّذِي عَقَدَ، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الْغَاصِبَ إذَا أَجَّرَ الدَّارَ أَوْ الْأَرْضَ فَالْأَجْرُ لَهُ، فَكَذَا هُنَا يَكُونُ نِصْفُ الزَّرْعِ لِلدَّافِعِ دُونَ الْمُسْتَحِقِّ ثُمَّ الْمُسْتَحِقُّ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ يَضْمَنُ نُقْصَانَ الْأَرْضِ لِلزَّارِعِ خَاصَّةً، وَيَرْجِعُ بِهِ عَلَى الَّذِي دَفَعَ إلَيْهِ الْأَرْضَ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ الْآخَرُ وَفِي قَوْلِهِ الْأَوَّلِ، وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ: الْمُسْتَحِقُّ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ ضَمَّنَ نُقْصَانَ الْأَرْضِ الدَّافِعَ، وَإِنْ شَاءَ الزَّارِعَ، ثُمَّ يَرْجِعُ الْمُزَارِعُ بِهِ عَلَى الدَّافِعِ، وَهُوَ بِنَاءً عَلَى مَسْأَلَةِ غَصْبِ الْعَقَارِ فَإِنَّ الْعَقَارَ يُضْمَنُ بِالْإِتْلَافِ بِالْإِنْفَاقِ، وَفِي الْغَصْبِ خِلَافٌ، فَالدَّافِعُ غَاصِبٌ، وَالْمُزَارِعُ فِي مِقْدَارِ النُّقْصَانِ مُتْلِفٌ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ حَصَلَ بِمُبَاشَرَتِهِ الْمُزَارَعَةَ، فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ الْآخَرُ الضَّمَانُ لِلْمُسْتَحِقِّ عَلَى الْمُتْلِفِ دُونَ الْغَاصِبِ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَهُ الْخِيَارُ ثُمَّ الْمُزَارِعُ إذَا ضَمِنَ يَرْجِعُ بِمَا ضَمِنَ عَلَى الدَّافِعِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ مَغْرُورًا مِنْ جِهَتِهِ فَإِنَّهُ ضَمِنَ لَهُ بِعَقْدِ الْمُعَاوَضَةِ سَلَامَةَ مَنْفَعَةِ الْأَرْضِ بِعَمَلِ الزِّرَاعَةِ لَهُ، وَلَمْ يُسَلِّمْ فَيَرْجِعَ عَلَيْهِ بِسَبَبِ الْغُرُورِ كَالْمَغْرُورِ فِي جَارِيَةٍ اشْتَرَاهَا، وَاسْتَوْلَدَهَا يَرْجِعُ بِقِيمَةِ الْوَلَدِ الَّذِي ضَمِنَ عَلَى الْبَائِعِ، وَلَوْ كَانَ الْعَامِلُ غَرَسَهَا نَخْلًا وَكَرْمًا وَشَجَرًا، وَقَدْ كَانَ أَذِنَ لَهُ الدَّافِعُ فِي ذَلِكَ، فَلَمَّا بَلَغَ، وَأَثْمَرَ اسْتَحَقَّهَا رَجُلٌ فَإِنَّهُ يَأْخُذُ أَرْضَهُ، وَيَقْلَعُ مِنْ النَّخْلِ وَالْكَرْمِ وَالشَّجَرِ مَا فِيهَا، وَيَضْمَنَانِ لِلْمُسْتَحِقِّ نُقْصَانَ الْقَلْعِ إذَا قَلَعَا ذَلِكَ بِالْإِنْفَاقِ؛ لِأَنَّ النُّقْصَانَ إنَّمَا يَتَمَكَّنُ بِالْقَلْعِ بِمُبَاشَرَتِهِمَا الْقَلْعَ، فَكَانَ ضَمَانُهُ عَلَيْهِمَا وَيَضْمَنُ الْغَارِسُ لَهُ أَيْضًا نُقْصَانَ الْأَرْضِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ الْآخَرُ وَيَرْجِعُ الْعَامِلُ بِمَا ضَمِنَ مِنْ نُقْصَانِ الْقَلْعِ وَالْغَرْسِ عَلَى الدَّافِعِ، وَفِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ الْآخَرِ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ -: لِلْمُسْتَحِقِّ أَنْ يُضَمِّنَ الدَّافِعَ جَمِيعَ ذَلِكَ النُّقْصَانِ، وَهُوَ بِنَاءً عَلَى مَا بَيَّنَّا فَإِنَّ فِي النُّقْصَانِ بِالْغَرْسِ الْغَارِسُ هُوَ الْمُبَاشِرُ لِلْإِتْلَافِ، وَالدَّافِعُ غَاصِبٌ فِي ذَلِكَ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ: الْغَاصِبُ ضَامِنٌ كَالْمُتْلِفِ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ ضَمَانُ ذَلِكَ لِلْمُسْتَحِقِّ عَلَى الْمُتْلِفِ دُونَ الْغَاصِبِ، ثُمَّ الْغَارِسُ يَرْجِعُ عَلَى الدَّافِعِ؛ لِأَجْلِ الْغُرُورِ الَّذِي تَمَكَّنَ فِي عَقْدِ الْمُعَاوَضَةِ بَيْنَهُمَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute