فَاسِدًا وَهُنَا أَضَافَ كُلَّ شَرْطٍ إلَى جُمْلَةٍ وَهِيَ مَعْلُومَةٌ، وَالتَّبْعِيضُ عِنْدَ إقَامَةِ الْعَمَلِ، وَلَا جَهَالَةَ فِي ذَلِكَ أَيْضًا، وَلَوْ قَالَ عَلَى أَنَّهُ إنْ زَرَعَهَا بِدَالِيَةٍ أَوْ سَانِيَةٍ فَالثُّلُثَانِ لِلْمُزَارِعِ، وَالثُّلُثُ لِرَبِّ الْأَرْضِ، وَإِنْ زَرَعَهَا بِمَاءٍ سِيحَ أَوْ سَقَتْ السَّمَاءُ فَالْخَارِجُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ، فَهُوَ جَائِزٌ عَلَى مَا اشْتَرَطَا، وَهَذَا بِنَاءً عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ الْآخَرِ، فَأَمَّا عَلَى قِيَاسِ قَوْلِهِ الْأَوَّلِ، وَقَوْلِ زُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَيَفْسُدُ الشَّرْطَانِ جَمِيعًا؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَ نَوْعَيْنِ مِنْ الْعَمَلِ، وَجَعَلَ بِمُقَابَلَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا جُزْءًا مِنْ الْخَارِجِ مَعْلُومًا، فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ دَفَعَ ثَوْبًا إلَى خَيَّاطٍ عَلَى أَنَّهُ إنْ خَاطَهُ خِيَاطَةً رُومِيَّةً فَأَجْرُهُ دِرْهَمٌ، وَإِنْ خَاطَهُ خِيَاطَةً فَارِسِيَّةً فَأَجْرُهُ نِصْفُ دِرْهَمٍ، وَقَدْ بَيَّنَّا هَذَا فِي الْإِجَارَاتِ، وَلَوْ قَالَ: عَلَى أَنَّ مَا زُرِعَ مِنْهَا بِدَلْوٍ فَلِلْعَامِلِ ثُلُثَاهُ، وَلِرَبِّ الْأَرْضِ ثُلُثُهُ، وَإِنْ زَرَعَ مِنْهَا بِمَاءٍ سِيحَ فَلِلْعَامِلِ نِصْفُهُ، فَهَذِهِ مُزَارَعَةٌ فَاسِدَةٌ؛ لِجَهَالَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْعَمَلَيْنِ، فَإِنَّهُ صَرَّحَ بِالتَّبْعِيضِ، وَشَرَطَ أَنْ يَزْرَعَ بَعْضَهَا بِدَلْوٍ عَلَى أَنَّ لَهُ ثُلُثَيْ الْخَارِجِ، وَذَلِكَ الْبَعْضُ مَجْهُولٌ، وَكَذَلِكَ فِيمَا شَرَطَ الزِّرَاعَةَ بِمَاءِ السَّيْحِ، وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ رَجُلٍ دَفَعَ إلَى الْخَيَّاطِ خَمْسَةَ أَثْوَابٍ يَقْطَعُهَا قُمُصًا عَلَى أَنَّ مَا خَاطَ مِنْهَا رُومِيًّا فَلَهُ دِرْهَمٌ فِي كُلِّ ثَوْبٍ، وَمَا خَاطَ مِنْهَا فَارِسِيًّا فَلَهُ نِصْفُ دِرْهَمٍ فِي كُلِّ ثَوْبٍ، وَهُنَاكَ يَفْسُدُ الْعَقْدُ كُلُّهُ لِلْجَهَالَةِ، فَهَذَا قِيَاسُهُ
وَلَوْ دَفَعَ إلَيْهِ أَرْضًا يَزْرَعُهَا خَمْسَ سِنِينَ مَا بَدَا لَهُ عَلَى أَنَّ مَا خَرَجَ مِنْهَا مِنْ شَيْءٍ فِي السَّنَةِ الْأُولَى فَهُوَ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ، وَفِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ لِرَبِّ الْأَرْضِ الثُّلُثُ، وَلِلْمُزَارِعِ الثُّلُثَانِ، وَسَمَّيَا لِكُلِّ سَنَةٍ شَيْئًا مَعْلُومًا فَهُوَ جَائِزٌ مِنْ أَيِّهِمَا شَرَطَ الْبَذْرَ؛ لِأَنَّ هَذِهِ عُقُودٌ مُخْتَلِفَةٌ بَعْضُهَا مَعْطُوفٌ عَلَى الْبَعْضِ، فَفِي السَّنَةِ الْأُولَى عَقْدُ إجَارَةٍ مُطْلَقٌ، وَفِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ مُضَافٌ إلَى وَقْتِ الْإِجَارَةِ تَحْتَمِلُ الْإِضَافَةَ إلَى وَقْتٍ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، فَيُجْعَلُ فِي حَقِّ كُلِّ عَقْدٍ مِنْ هَذِهِ الْعُقُودِ كَأَنَّهُمَا أَفْرَدَا ذَلِكَ الْعَقْدَ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ، وَالْعَقْدُ هُنَاكَ وَاحِدٌ بِاتِّحَادِ الْمُدَّةِ، وَإِنَّمَا التَّغَايُرُ فِي شَرْطِ الْبَدَلِ، ثُمَّ جَوَازُ الْمُزَارَعَةِ لِلْحَاجَةِ، وَهُمَا يَحْتَاجَانِ إلَى هَذَا؛ لِأَنَّ الْأَرْضَ فِي السَّنَةِ الْأُولَى يَكُونُ فِيهَا مِنْ الْقُوَّةِ مَا لَا يَحْتَاجُ إلَى زِيَادَةِ عَمَلٍ لِتَحْصِيلِ الرِّيعِ، وَفِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ يَحْتَاجُ إلَى زِيَادَةِ الْعَمَلِ لِنُقْصَانِ تَمَكُّنٍ فِي قُوَّةِ الْأَرْضِ بِالزِّرَاعَةِ فِي السَّنَةِ الْأُولَى فَيَشْتَرِطُ لِلْمُزَارِعِ زِيَادَةً فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ بِاعْتِبَارِ زِيَادَةِ عَمَلِهِ، وَكَذَلِكَ لَوْ اشْتَرَطَا أَنَّ الْبَذْرَ فِي السَّنَةِ الْأُولَى مِنْ قِبَلِ الزَّارِعِ، وَفِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ قِبَلِ رَبِّ الْأَرْضِ، وَبَيَّنَّا نَحْوَ ذَلِكَ فِي كُلِّ سَنَةٍ فَهُوَ جَائِزٌ؛ لِأَنَّهُمَا عَقْدَانِ مُخْتَلِفَانِ أَحَدُهُمَا مَعْطُوفٌ عَلَى الْآخَرِ، فَفِي السَّنَةِ الْأُولَى الْعَامِلُ مُسْتَأْجِرٌ لِلْأَرْضِ بِنِصْفِ الْخَارِجِ، وَفِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ رَبُّ الْأَرْضِ مُسْتَأْجِرٌ لِلْعَامِلِ بِنِصْفِ الْخَارِجِ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْعَقْدَيْنِ صَحِيحٌ عِنْدَ الِانْفِرَادِ، فَكَذَلِكَ عِنْدَ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا، وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ رَجُلٍ دَفَعَ عَبْدَهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute