إلَّا بَعْدَ أَنْ يَقْلَعَهُ مِنْ الْأَرْضِ الَّتِي زَرَعَ فِيهَا وَعَقْدُ الْمُزَارَعَةِ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْأَرْضَيْنِ مَعْقُودٌ عَلَى حِدَةٍ، فَبِالْقَلْعِ يَنْتَهِي، وَيَصِيرُ كَأَنَّهُ شَرَطَ عَلَيْهِ فِي كُلِّ عَقْدٍ عَمَلًا بَعْدَ انْتِهَاءِ عَقْدِ الْمُزَارَعَةِ، وَذَلِكَ مُفْسِدٌ لِلْعَقْدِ بِخِلَافِ الْأَرْضِ الْوَاحِدَةِ، فَالْعَقْدُ فِيهَا وَاحِدٌ، وَلَا يَنْتَهِي بِتَحْوِيلِ بَعْضِ مَا نَبَتَ فِيهَا مِنْ مَوْضِعٍ إلَى مَوْضِعٍ مِنْهَا، وَكَذَلِكَ فِي الْأَرْضَيْنِ لَوْ شَرَطَا الزَّرْعَ فِي إحْدَاهُمَا، وَالتَّحْوِيلَ إلَى الْأُخْرَى، وَالْغَرْسَ فِي إحْدَاهُمَا، وَالتَّحْوِيلَ إلَى الْأُخْرَى أَوْ كَانَتْ أَرْضًا وَاحِدَةً وَشَرَطَا أَنْ يَزْرَعَ أَوْ يَغْرِسَ نَاحِيَةً مِنْهَا مَعْلُومَةً عَلَى أَنْ يُحَوِّلَ ذَلِكَ فِي نَاحِيَةٍ مِنْهَا أُخْرَى مَعْلُومَةٍ، فَهَذَا فَاسِدٌ؛ لِأَنَّهُ إذَا مَيَّزَ إحْدَى النَّاحِيَتَيْنِ مِنْ الْأُخْرَى كَانَتَا فِي مَعْنَى أَرْضَيْنِ، وَكَذَلِكَ هَذَا الْجَوَابُ فِي كُلِّ مَا يُحَوَّلُ، كَالزَّعْفَرَانِ، وَنَحْوِهِ إذَا دَفَعَ إلَى رَجُلٍ أَرْضَهُ سَنَتَهُ هَذِهِ عَلَى أَنْ يَزْرَعَهَا بِبَذْرِهِ قُرْطُمًا، فَمَا خَرَجَ مِنْهَا مِنْ عُصْفُرٍ فَهُوَ لِلْمُزَارِعِ، وَمَا خَرَجَ مِنْ قُرْطُمٍ فَهُوَ لِرَبِّ الْأَرْضِ أَوْ عَلَى عَكْسِ ذَلِكَ فَالْعَقْدُ فَاسِدٌ، سَوَاءٌ كَانَ الْبَذْرُ مِنْ قِبَلِ رَبِّ الْأَرْضِ أَوْ مِنْ قِبَلِ الْمُزَارِعِ؛ لِأَنَّ الْقُرْطُمَ وَالْعُصْفُرَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا رِيعٌ مَقْصُودٌ فِي هَذِهِ الزِّرَاعَةِ فَاشْتِرَاطُ أَحَدِ الْجِنْسَيْنِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِعَيْنِهِ شَرْطٌ يُفَوِّتُ الْمَقْصُودَ بِالْمُزَارَعَةِ، وَهُوَ الشَّرِكَةُ بَيْنَهُمَا فِي الرِّيعِ، وَرُبَّمَا يُؤَدِّي إلَى قَطْعِ الشَّرِكَةِ بَيْنَهُمَا فِي الرِّيعِ مَعَ حُصُولِهِ بِأَنْ يَحْصُلَ أَحَدُهُمَا دُونَ الْآخَرِ، وَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يَحْصُلَ الْعُصْفُرُ ثُمَّ تُصِيبُهُ آفَةٌ فَلَا يَحْصُلُ الْقُرْطُمُ، وَيَكُونُ ذَلِكَ لِلَّذِي شُرِطَ لَهُ الْعُصْفُرُ، فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ دَفَعَ إلَيْهِ أَرْضًا؛ لِيَزْرَعَهَا حِنْطَةً وَشَعِيرًا عَلَى أَنَّ الْحِنْطَةَ لِأَحَدِهِمَا بِعَيْنِهِ وَالشَّعِيرَ لِلْآخَرِ بِعَيْنِهِ، وَكَذَلِكَ هَذَا فِي كُلِّ شَيْءٍ لَهُ نَوْعَانِ مِنْ الرِّيعِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَقْصُودٌ كَبَذْرِ الْكَتَّانِ إذَا شُرِطَ لِأَحَدِهِمَا بِعَيْنِهِ الْكَتَّانُ وَلِلْآخَرِ الْبَذْرُ وَالرُّطَبَةُ إذَا شَرَطَا لِأَحَدِهِمَا بِعَيْنِهِ بَذْرَ الرُّطَبَةِ وَلِلْآخَرِ الْعِنَبَ فَالْعَقْدُ فَاسِدٌ، وَلَوْ شَرَطَا الْقُرْطُمَ لِأَحَدِهِمَا بِعَيْنِهِ، وَالْعُصْفُرُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ أَوْ الْعُصْفُرَ لِأَحَدِهِمَا بِعَيْنِهِ، وَالْقُرْطُمُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ مِنْ أَيِّهِمَا كَانَ الْبَذْرُ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا رِيعٌ مَقْصُودٌ وَلَا يَجُوزُ فِي الْمُزَارَعَةِ تَخْصِيصُ أَحَدِهِمَا بِشَرْطِ رِيعٍ مَقْصُودٍ لَهُ، وَكَذَلِكَ هَذَا فِي الْكَتَّانِ وَبَذْرِهِ وَالرُّطَبَةِ وَبَذْرِهَا بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ التِّبْنِ فَإِنَّهُ إذَا شَرَطَ لِصَاحِبِهِ الْبَذْرَ وَالْحَبُّ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ كَانَ جَائِزًا؛ لِأَنَّ التِّبْنَ لَيْسَ بِرِيعٍ مَقْصُودٍ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَشْتَغِلُ بِالزِّرَاعَةِ لِمَقْصُودِ التِّبْنِ خَاصَّةً، بَلْ الْمَقْصُودُ هُوَ الْحَبُّ، فَإِذَا شَرَطَا الشَّرِكَةَ فِيمَا هُوَ الْمَقْصُودُ جَازَ الْعَقْدُ إنْ شَرَطَا تَخْصِيصَ صَاحِبِ الْبَذْرِ بِمَا لَيْسَ بِمَقْصُودٍ، فَأَمَّا فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ النَّوْعَيْنِ مَقْصُودٌ، فَاشْتِرَاطُ تَخْصِيصِ أَحَدِهِمَا بِأَحَدِ النَّوْعَيْنِ يَقْطَعُ الشَّرِكَةَ بَيْنَهُمَا فِيمَا هُوَ مَقْصُودٌ، وَذَلِكَ مُفْسِدٌ لِلْعَقْدِ، وَاشْتِرَاطُ بَذْرِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute