للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يُضْمَنُ بِالْإِتْلَافِ دُونَ الْغَصْبِ عِنْدَهُمَا، فَإِنْ ضَمِنَ الثَّانِي فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِمَا ضَمِنَ عَلَى الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ مَغْرُورٌ مِنْ جِهَتِهِ، وَإِنْ ضَمِنَ الْأَوَّلُ لَمْ يَرْجِعْ الثَّانِي بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَ الْبَذْرَ بِالضَّمَانِ، فَإِنَّمَا دَفَعَ بَذْرَهُ مُزَارَعَةً، وَكَذَلِكَ نُقْصَانُ الْأَرْضِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إذَا ضَمِنَ الْأَوَّلُ لَمْ يَرْجِعْ عَلَى الثَّانِي؛ لِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِيهِ، فَإِنَّ الثَّانِيَ يَرْجِعُ عَلَى الْأَوَّلِ بِمَا يَضْمَنُهُ لِأَجْلِ الْغُرُورِ، وَلَوْ قَالَ لَهُ: اعْمَلْ فِيهِ بِرَأْيِكَ، وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا فَالتَّوْلِيَةُ جَائِزَةٌ، وَنِصْفُ الْخَارِجِ لِلْمُزَارِعِ الْآخَرِ، وَنِصْفُهُ لِرَبِّ الْأَرْضِ، وَلَا شَيْءَ لِلْمُزَارِعِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ فَوَّضَ الْأَمْرَ إلَى رَأْيِهِ عَلَى الْعُمُومِ، وَالدَّفْعِ إلَى الْغَيْرِ مُزَارَعَةً بِالنِّصْفِ مِنْ رَأْيِهِ، فَيَقُومُ هُوَ مَقَامَ رَبِّ الْأَرْضِ وَالْبَذْرِ ثُمَّ هُوَ يُقِيمُ غَيْرَهُ مَقَامَ نَفْسِهِ فِي ثُبُوتِ حَقِّ الشَّرِكَةِ لَهُ فِي الْخَارِجِ بِمُقَابَلَةِ عَمَلِهِ عِنْدَ حُصُولِهِ، وَقَدْ رَضِيَ بِهِ صَاحِبُ الْأَرْضِ حِينَ أَجَازَ صُنْعَهُ عَلَى الْعُمُومِ، فَهُوَ كَالْوَكِيلِ يُوَكِّلُ غَيْرَهُ فِيمَا وُكِّلَ بِهِ فَيَصِحُّ مِنْهُ إذَا قِيلَ لَهُ: اعْمَلْ فِيهِ بِرَأْيِكَ وَإِنْ ثَبَتَ أَنَّ الثَّانِيَ قَائِمٌ مَقَامَ الْأَوَّلِ، فَإِنَّمَا يَسْتَحِقُّ النِّصْفَ الَّذِي كَانَ يَسْتَحِقُّهُ الْأَوَّلُ، وَلَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا مِنْ نَصِيبِ رَبِّ الْأَرْضِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرْضَ بِذَلِكَ؛ فَلِهَذَا كَانَ الْخَارِجُ بَيْنَ الْمُزَارِعِ الْآخَرِ، وَبَيْنَ رَبِّ الْأَرْضِ نِصْفَيْنِ، وَلَوْ لَمْ يَقُلْ لَهُ: اعْمَلْ فِيهِ بِرَأْيِكَ فَأَشْرَكَ فِيهِ رَجُلًا بِبَذْرٍ مِنْ قِبَلِ ذَلِكَ الرَّجُلِ، وَاشْتَرَكَا عَلَى أَنْ يَعْمَلَا بِالْبَذْرَيْنِ جَمِيعًا عَلَى أَنَّ الْخَارِجَ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ، فَعَمِلَا عَلَى هَذَا، فَجَمِيعُ الْخَارِجِ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ، وَالْمُزَارِعُ الْأَوَّلُ ضَامِنٌ لِبَذْرِ صَاحِبِ الْأَرْضِ؛ لِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لَهُ بِإِلْقَائِهِ فِي الْأَرْضِ عَلَى وَجْهٍ يُثْبِتُ لِلْغَيْرِ شَرِكَةً فِي الْخَارِجِ مِنْهُ، وَإِنْ خَلَطَهُ بِبَذْرِ الْآخَرِ، فَهُوَ ضَامِنٌ لَهُ بِالْخَلْطِ؛ لِأَنَّهُ اشْتِرَاكٌ لَمْ يَرْضَ بِهِ صَاحِبُ الْأَرْضِ، وَالْبَذْرِ ثُمَّ هُوَ بِالضَّمَانِ يَمْلِكُ بَذْرَ صَاحِبِ الْأَرْضِ، فَظَهَرَ أَنَّهُمَا زَرَعَا بِبَذْرٍ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ، فَيَكُونُ الْخَارِجُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ عَلَى قَدْرِ الْبَذْرِ، وَهُمَا ضَامِنَانِ نُقْصَانَ الْأَرْضِ؛ لِأَنَّهُمَا بَاشَرَا عَمَلَ الزِّرَاعَةِ، فَكَانَا مُبَاشِرَيْنِ إتْلَافَ الْجُزْءِ الَّذِي تَمَكَّنَ النُّقْصَانُ فِي الْأَرْضِ بِذَهَابِ قُوَّتِهَا فَعَلَيْهِمَا ضَمَانُ ذَلِكَ، وَلَا يَرْجِعُ الثَّانِي عَلَى الْأَوَّلِ بِشَيْءٍ مِنْ النُّقْصَانِ؛ لِأَنَّ الثَّانِيَ عَامِلٌ لِنَفْسِهِ، وَالْأَوَّلَ كَالْمُعِيرِ مِنْهُ لِنِصْفِ الْأَرْضِ، وَالْمُسْتَعِيرُ لَا يَرْجِعُ بِمَا يَلْحَقُهُ مِنْ الضَّمَانِ عَلَى الْمُعِيرِ، ثُمَّ يَأْخُذُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ نَصِيبِهِ مَا غَرِمَ، وَمَا أَنْفَقَ، وَيَتَصَدَّقُ بِالْفَضْلِ؛ لِأَنَّهُ رَبَّى زَرْعَهُ فِي أَرْضِ غَيْرِهِ بِغَيْرِ رِضَاهُ، وَلَوْ كَانَ أَمَرَهُ أَنْ يَعْمَلَ فِيهَا بِرَأْيِهِ، وَيُشَارِكَ فِيهَا مَنْ أَحَبَّ، وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا جَازَ، وَنِصْفُ الْخَارِجِ لِلْآخَرِ؛ لِأَنَّهُ نَمَاءُ بَذْرِهِ، وَنِصْفُهُ بَيْنَ الْأَوَّلِ وَرَبِّ الْأَرْضِ نِصْفَانِ؛ لِأَنَّهُ نَمَاءُ بَذْرِ رَبِّ الْأَرْضِ، وَالْمُزَارِعُ مُوَافِقٌ لَهُ فِي عَمَلِ الزِّرَاعَةِ فِيهِ، فَالْخَارِجُ بَيْنَهُمَا عَلَى الشَّرْطِ، وَلَا شَيْءَ لِرَبِّ الْأَرْضِ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا

<<  <  ج: ص:  >  >>