للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَهِيَ مُعَامَلَةٌ صَحِيحَةٌ، وَاسْتَأْجَرَا الْعَامِلَ الْآخَرَ لِلْعَمَلِ بِأَجْرٍ مُسَمًّى، وَهِيَ إجَارَةٌ صَحِيحَةٌ. وَلَوْ كَانُوا اشْتَرَطُوا الْمِائَةَ عَلَى أَحَدِ صَاحِبَيْ النَّخْلِ بِعَيْنِهِ كَانَتْ الْمُعَامَلَةُ فَاسِدَةً؛ لِأَنَّ الَّذِي اسْتَأْجَرَهُ أَحَدُهُمَا بِالدَّرَاهِمِ إنْ كَانَ اسْتَأْجَرَهُ لِنَفْسِهِ فَعَمَلُ أَجِيرِهِ كَعَمَلِهِ بِنَفْسِهِ، وَاشْتِرَاطُ عَمَلِهِ فِي الْمُعَامَلَةِ يُفْسِدُهَا، وَإِنْ كَانَ اسْتَأْجَرَهُ لِيَعْمَلَ لَهُمَا فَاشْتِرَاطُ أَجْرِ أَجِيرِهِمَا عَلَى أَحَدِهِمَا خَاصَّةً يَكُونُ مُفْسِدًا لِلْعَقْدِ، وَقَدْ جَعَلَا ذَلِكَ مَشْرُوطًا فِي الْمُعَامَلَةِ فَالْخَارِجُ لِصَاحِبَيْ النَّخْلِ، وَلِلْعَامِلِ عَلَى الَّذِي شَرَطَ لَهُ الثُّلُثَ أَجْرُ مِثْلِهِ بَالِغًا مَا بَلَغَ عَلَى صَاحِبَيْ النَّخْلِ؛ لِأَنَّهُمَا اسْتَوْفَيَا عَمَلَهُ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ، وَتَسْمِيَةُ الثُّلُثِ لَهُ بَعْدَ فَسَادِ الْعَقْدِ لَا يَكُونُ مُعْتَبَرًا عِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَكَانَ لَهُ أَجْرُ مِثْلِهِ بَالِغًا مَا بَلَغَ، وَلِلْعَامِلِ الْآخَرُ أَجْرُ مِثْلِهِ لَا يُجَاوِزُ بِهِ مِائَةَ دِرْهَمٍ عَلَى الَّذِي شَرَطَ لَهُ الْمِائَةَ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي عَاقَدَهُ عَقْدَ الْإِجَارَةِ وَالْتَزَمَ الْبَدَلَ لَهُ بِالتَّسْمِيَةِ، ثُمَّ يَرْجِعُ هُوَ عَلَى شَرِيكِهِ بِنِصْفِ مَا لَزِمَهُ مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ عَمِلَ لَهُمَا جَمِيعًا بِحُكْمِ عَقْدٍ فَاسِدٍ، وَهُوَ فِي نَصِيبِ صَاحِبِهِ بِمَنْزِلَةِ النَّائِبِ عَنْهُ فِي الِاسْتِئْجَارِ، فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ بِمَا يَلْحَقُهُ مِنْ الْغُرْمِ فِي نَصِيبِهِ. وَلَوْ كَانُوا اشْتَرَطُوا أَنَّ الْمِائَةَ عَلَى الْعَامِلِ الَّذِي شَرَطُوا لَهُ الثُّلُثَ كَانَتْ الْمُعَامَلَةُ فَاسِدَةً، وَقَدْ بَيَّنَّا هَذَا فِيمَا إذَا كَانَ الْعَامِلُ وَاحِدًا أَنَّهُ يُفْسِدُ الْعَقْدَ لِاشْتِرَاطِ الْإِجَارَةِ فِي الْإِجَارَةِ، فَكَذَلِكَ إذَا كَانَ الْعَامِلُ اثْنَيْنِ وَالْخَارِجُ لِصَاحِبَيْ النَّخْلِ، وَعَلَيْهِمَا لِلَّذِي شُرِطَ لَهُ الثُّلُثُ أَجْرُ مِثْلِهِ، وَأَجْرُ مِثْلِ صَاحِبِهِ بَالِغًا مَا بَلَغَ؛ لِأَنَّ صَاحِبَهُ أَجَّرَهُ وَعَمَلُ أَجِيرِهِ يَقَعُ لَهُ فَيَكُونُ كَعَمَلِهِ بِنَفْسِهِ، وَلِصَاحِبِهِ عَلَيْهِ أَجْرُ مِثْلِهِ لَا يُجَاوِزُ بِهِ مِائَةَ دِرْهَمٍ؛ لِأَنَّهُ اسْتَوْفَى عَمَلَهُ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ، وَقَدْ صَحَّ رِضَاهُ بِقَدْرِ الْمِائَةِ فَلَا يَسْتَحِقُّ الزِّيَادَةَ عَلَى ذَلِكَ.

وَإِذَا دَفَعَ رَجُلٌ إلَى رَجُلَيْنِ أَرْضًا لَهُ هَذِهِ السَّنَةَ يَزْرَعَانِهَا بِبَذْرِهِمَا وَعَمَلِهِمَا فَمَا أَخْرَجَ اللَّهُ - تَعَالَى - مِنْهَا فَنِصْفُهُ لِأَحَدِ الْعَامِلَيْنِ بِعَيْنِهِ، وَثُلُثُهُ لِلْآخَرِ، وَالسُّدُسُ لِرَبِّ الْأَرْضِ - فَهُوَ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّهُمَا اسْتَأْجَرَا الْأَرْضَ وَشَرَطَا أَنْ يَكُونَ جَمِيعُ الْأَجْرِ مِنْ نَصِيبِ أَحَدِهِمَا خَاصَّةً، فَإِنَّ الْآخَرَ شَرَطَ لِنَفْسِهِ جَمِيعَ الْخَارِجِ مِنْ بَذْرِهِ، وَلَوْ اشْتَرَطُوا لِأَحَدِهِمَا أَرْبَعَةَ أَعْشَارِ الْخَارِجِ، وَلِلْآخَرِ الثُّلُثَ، وَلِرَبِّ الْأَرْضِ مَا بَقِيَ - فَهُوَ جَائِزٌ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا اسْتَأْجَرَ الْأَرْضَ بِجُزْءٍ مَعْلُومٍ مِنْ نَصِيبِهِ مِنْ الْخَارِجِ: أَحَدُهُمَا بِخُمُسَيْ نَصِيبِهِ، وَالْآخَرُ بِثُلُثِ نَصِيبِهِ، وَكَمَا يَجُوزُ التَّفَاوُتُ فِي أُجْرَةِ الْعَامِلَيْنِ بِالشَّرْطِ فَكَذَلِكَ فِي إجَارَةِ الْأَرْضِ مِنْهُمَا. وَلَوْ اشْتَرَطُوا أَنَّ نِصْفَ الْخَارِجِ لِأَحَدِهِمَا بِعَيْنِهِ وَلِرَبِّ الْأَرْضِ عَلَيْهِ مِائَةُ دِرْهَمٍ، وَلِلْآخَرِ الثُّلُثُ، وَلِرَبِّ الْأَرْضِ السُّدُسُ - جَازَ عَلَى مَا اشْتَرَطُوا؛ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا اسْتَأْجَرَ نِصْفَ الْأَرْضِ بِأَجْرٍ مُسَمًّى، وَالْآخَرَ بِجُزْءٍ مِنْ الْخَارِجِ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَحِيحٌ، وَبِسَبَبِ اخْتِلَافِ جِنْسِ الْأَجْرِ أَوْ مَنْفَعَةِ الْعَقْدِ لَا تَتَفَرَّقُ

<<  <  ج: ص:  >  >>