للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْبَاءِ يَصْحَبُ الْأَعْوَاضَ، وَرَبُّ الْأَرْضِ هُوَ الَّذِي يَسْتَحِقُّ الْخَارِجَ عِوَضًا عَنْ مَنْفَعَةِ أَرْضِهِ، فَكَانَ هَذَا بِمَنْزِلَةِ التَّنْصِيصِ عَلَى اشْتِرَاطِ الثُّلُثِ لَهُ. فَإِنْ قَالَ رَبُّ الْأَرْضِ إنَّمَا عَنَيْت أَنَّ لِلْمُزَارِعِ الثُّلُثَ لَمْ يُصَدَّقْ؛ لِأَنَّ مَا يَدَّعِيه يُخَالِفُ الظَّاهِرَ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْبَذْرُ مِنْ قِبَلِهِ فَيَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَهُ حِينَئِذٍ؛ لِأَنَّ الْمُزَارِعَ هُوَ الَّذِي يَسْتَوْجِبُ الْخَارِجَ عِوَضًا عَنْ عَمَلِهِ بِالشَّرْطِ. وَلَوْ وَكَّلَهُ أَنْ يَدْفَعَهَا مُزَارَعَةً بِالثُّلُثِ فَأَجَّرَهَا لِرَجُلٍ بِكُرِّ حِنْطَةٍ وَسَطٍ مُخَالِفٌ؛ لِأَنَّ رَبَّ الْأَرْضِ هُنَا نَصَّ عَلَى مَا هُوَ مَنَافِعُ أَرْضٍ وَهُوَ ثُلُثُ الْخَارِجِ وَقَدْ أَجَّرَهَا بِغَيْرِ ذَلِكَ، ثُمَّ هُنَا نَصَّ عَلَى الشَّرِكَةِ فِي الْخَارِجِ وَالْإِجَارَةُ بِكُرٍّ مِنْ حِنْطَةٍ لَيْسَ فِيهَا مَعْنَى الشَّرِكَةِ فَكَانَ هَذَا مُخَالَفَةً فِي الْجِنْسِ فِي الْعَقْدِ الَّذِي أَمَرَهُ بِهِ، فَإِنْ زَرَعَهَا الْمُسْتَأْجِرُ كَانَ الْخَارِجُ لِلْمُزَارِعِ وَعَلَيْهِ كُرُّ حِنْطَةٍ وَسَطٍ لِلْمُؤَاجِرِ؛ لِأَنَّ الْمُؤَاجِرَ صَارَ غَاصِبًا لِلْأَرْضِ، وَلِرَبِّ الْأَرْضِ أَنْ يُضَمِّنَ نُقْصَانَ الْأَرْضِ: إنْ شَاءَ الْمُزَارِعَ، وَإِنْ شَاءَ الْوَكِيلَ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ الْأَوَّلِ، وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ - لِأَنَّ الْوَكِيلَ غَاصِبٌ وَالْمُزَارِعُ مُتْلِفٌ، فَإِنْ ضَمِنَهَا الْمُزَارِعُ رَجَعَ بِهَا عَلَى الْوَكِيلِ لِأَجْلِ الْغَرُورِ، وَيَأْخُذُ الْمُؤَاجِرُ مِنْ الْكُرِّ الَّذِي أَخْرَجَتْهُ الْأَرْضُ مَا ضَمِنَ وَيَتَصَدَّقُ بِالْفَضْلِ؛ لِأَنَّهُ كَسْبٌ خَبِيثٌ.

وَإِنْ وَكَّلَهُ بِأَنْ يُؤَجِّرَهَا بِكُرِّ حِنْطَةٍ وَسَطٍ فَدَفَعَهَا مُزَارَعَةً بِالنِّصْفِ عَلَى أَنْ يَزْرَعَهَا حِنْطَةً فَزَرَعَهَا فَهُوَ مُخَالِفٌ؛ لِأَنَّ مَا أَتَى بِهِ أَضَرُّ عَلَى الْمُوَكِّلِ مِمَّا أَمَرَهُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ أَمَرَهُ بِعَقْدٍ يَتَقَرَّرُ بِهِ حَقُّهُ فِي الْأَجْرِ إذَا تَمَكَّنَ الْمُسْتَأْجِرُ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِهَا وَإِنْ لَمْ يَنْتَفِعْ؛ وَلِأَنَّهُ نَصَّ عَلَى إجَارَةٍ مَحْضَةٍ وَقَدْ أَتَى بِعَقْدِ الشَّرِكَةِ فَكَانَ مُخَالِفًا، وَتَفْرِيعُ هَذِهِ كَتَفْرِيعِ الْأُولَى. وَلَوْ وَكَّلَهُ أَنْ يَأْخُذَ هَذِهِ الْأَرْضَ مُزَارَعَةً فَاسْتَأْجَرَهَا الْوَكِيلُ بِكُرِّ حِنْطَةٍ - لَمْ يَجُزْ عَلَى الْآمِرِ؛ لِأَنَّ مَا أَتَى بِهِ أَضَرُّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ أَلْزَمَهُ الْكُرَّ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ عِنْدَ تَمَكُّنِهِ مِنْ الزِّرَاعَةِ وَإِنْ لَمْ يَزْرَعْ، وَهُوَ مَا أَمَرَهُ بِذَلِكَ فَلَا يَنْفُذُ تَصَرُّفُهُ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَرْضَى بِهِ.

وَلَوْ وَكَّلَهُ بِأَنْ يَأْخُذَهَا لَهُ مُزَارَعَةً بِالثُّلُثِ فَأَخَذَهَا الْوَكِيلُ عَلَى أَنْ يَزْرَعَهَا الْمُزَارِعُ وَيَكُونَ لِلْمُزَارِعِ ثُلُثُ الْخَارِجِ وَلِرَبِّ الْأَرْضِ ثُلُثَاهُ - لَمْ يَجُزْ هَذَا عَلَى الْمُزَارِعِ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ الَّذِي قَالَهُ الْمُزَارِعُ إنَّمَا يَقَعُ عَلَى أَنَّ لِرَبِّ الْأَرْضِ الثُّلُثَ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ رَبَّ الْأَرْضِ هُوَ الَّذِي يَسْتَحِقُّ الْخَارِجَ عِوَضًا عَنْ مَنْفَعَةِ الْأَرْضِ، فَمَا يَصْحَبُهُ حَرْفُ الْبَاءِ يَكُونُ حِصَّتَهُ مِنْ الْخَارِجِ، وَقَدْ أَتَى بِضِدِّهِ. وَلَوْ كَانَ أَمَرَهُ أَنْ يَأْخُذَ الْأَرْضَ وَالْبَذْرَ - وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا - جَازَ ذَلِكَ عَلَى الْمُزَارِعِ؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ هُنَا هُوَ عَمَلُ الْعَامِلِ وَهُوَ الَّذِي يَسْتَحِقُّ الْخَارِجَ بِمُقَابَلَةِ عَمَلِهِ، فَإِذَا شَرَطَ الثُّلُثَ لَهُ كَانَ مُمْتَثِلًا أَمْرَهُ. وَلَوْ وَكَّلَهُ أَنْ يَدْفَعَ نَخْلَهُ هَذَا مُعَامَلَةً بِالثُّلُثِ فَدَفَعَهَا عَلَى أَنَّ الثُّلُثَيْنِ لِلْعَامِلِ - لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ عَلَى رَبِّ

<<  <  ج: ص:  >  >>