للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَلَكِنْ عِنْدَ بَعْضِهِمْ الْخَمْسُمِائَةِ فِي الْجَوَانِبِ الْأَرْبَعَةِ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ مِائَةٌ وَخَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ ذِرَاعًا وَالْأَصَحُّ أَنَّ لَهُ خَمْسَمِائَةِ ذِرَاعٍ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ، وَقَدْ ذَكَرَ أَبُو يُوسُفَ فِي الْأَمَالِي هَذَا مُفَسَّرًا فِي بِئْرِ النَّاضِحِ قَالَ: يَتَقَدَّرُ حَرِيمُهُ بِسِتِّينَ ذِرَاعًا مِنْ كُلِّ جَانِبٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ الرَّشَا أَطْوَلَ مِنْ ذَلِكَ، فَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمَذْهَبَ التَّقْدِيرُ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ بِمَا سُمِّيَ مِنْ الذُّرْعَانِ، ثُمَّ الِاسْتِحْقَاقُ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ فِي الْمَوَاتِ مِنْ الْأَرْضِ بِمَا لَا حَقَّ لِأَحَدٍ فِيهِ.

أَمَّا فِيمَا هُوَ حَقُّ الْغَيْرِ فَلَا حَتَّى لَوْ حَفَرَ إنْسَانٌ بِئْرًا، فَجَاءَ آخَرُ وَحَفَرَ عَلَى مُنْتَهَى حَدِّ حَرِيمِهِ بِئْرًا؛ فَإِنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ الْحَرِيمَ مِنْ الْجَانِبِ الَّذِي هُوَ حَرِيمُ صَاحِبِ الْبِئْرِ الْأَوَّلِ وَإِنَّمَا يَسْتَحِقُّهُ مِنْ الْجَوَانِبِ الْأُخَرِ فِيمَا لَا حَقَّ فِيهِ؛ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ الْجَانِبِ الْأَوَّلِ قَدْ سَبَقَ إلَيْهِ، وَقَدْ ثَبَتَ اسْتِحْقَاقُهُ كَمَا قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «مِنَّا مُبَاحٌ مَنْ سَبَقَ» فَلَا يَكُونُ لِأَحَدٍ أَنْ يُبْطِلَ عَلَيْهِ حَقَّهُ، وَيُشَارِكَهُ فِيهِ.

وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ أَسْفَلُ النَّهْرِ آمِرٌ عَلَى أَهْلِ أَعْلَاهُ حَتَّى يَرْوُوا.

وَفِيهِ دَلِيلٌ أَنَّهُ لَيْسَ لِأَهْلِ الْأَعْلَى أَنْ يُسَكِّرُوا النَّهْرَ وَيَحْبِسُوا الْمَاءَ عَنْ أَهْلِ الْأَسْفَلِ؛ لِأَنَّ حَقَّهُمْ جَمِيعًا ثَابِتٌ فَلَا يَكُونُ لِبَعْضِهِمْ أَنْ يَمْنَعَ حَقَّ الْبَاقِينَ وَيَخْتَصَّ بِذَلِكَ.

وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ إذَا كَانَ الْمَاءُ فِي النَّهْرِ حَيْثُ لَا يَجْرِي فِي أَرْضِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ إلَّا بِالسَّكْرِ، فَإِنَّهُ يُبْدَأُ بِأَهْلِ الْأَسْفَلِ حَتَّى يَرْوُوا، ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ لِأَهْلِ الْأَعْلَى أَنْ يُسَكِّرُوا لِيَرْتَفِعَ الْمَاءُ إلَى أَرَاضِيِهِمْ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ فِي السَّكْرِ إحْدَاثَ شَيْءٍ فِي وَسَطِ النَّهْرِ الْمُشْتَرَكِ، وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ فِي حَقِّ جَمِيعِ الشُّرَكَاءِ، وَحَقُّ أَهْلِ الْأَسْفَلِ ثَابِتٌ مَا لَمْ يَرْوُوا، فَكَانَ لَهُمْ أَنْ يَمْنَعُوا أَهْلَ الْأَعْلَى مِنْ السَّكْرِ، وَلِهَذَا سَمَّاهُمْ آمِرًا؛ لِأَنَّ لَهُمْ أَنْ يَمْنَعُوا أَهْلَ الْأَعْلَى مِنْ السَّكْرِ، وَعَلَيْهِمْ طَاعَتُهُمْ فِي ذَلِكَ، وَمَنْ تَلْزَمُك طَاعَتُهُ فَهُوَ أَمِيرُك.

بَيَانُهُ فِي قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «صَاحِبُ الدَّابَّةِ الْقَطُوفِ أَمِيرٌ عَلَى الرَّاكِبِ»؛ لِأَنَّهُ يَأْمُرُهُمْ بِانْتِظَارِهِ، وَعَلَيْهِمْ طَاعَتُهُ بِحَقِّ الصُّحْبَةِ فِي السَّفَرِ، وَفِيهِ حِكَايَةُ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - حِينَ رَكِبَ مَعَ الْخَلِيفَةِ يَوْمًا فَتَقَدَّمَهُ الْخَلِيفَةُ لِجَوْدَةِ دَابَّتِهِ فَنَادَاهُ أَيُّهَا الْقَاضِي الْحَقْ بِي فَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: إنَّ دَابَّتَك إذَا حُرِّكَتْ طَارَتْ، وَإِنَّ دَابَّتِي إذَا حُرِّكَتْ قَطَفَتْ، وَإِذَا تُرِكَتْ وَقَفَتْ فَانْتَظِرْنِي فَإِنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ «صَاحِبُ الدَّابَّةِ الْقَطُوفِ أَمِيرٌ عَلَى الرَّاكِبِ» فَأَمَرَ بِأَنْ يُحْمَلَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَى جَنَبَةٍ لَهُ وَقَالَ: أَحْمِلُ إيَّاكَ عَلَى هَذَا أَهْوَنُ مِنْ تَأْمِيرِك عَلَيَّ.

وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ يَرْفَعُهُ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «قَالَ: إذَا بَلَغَ الْوَادِي الْكَعْبَيْنِ لَمْ يَكُنْ لِأَهْلِ الْأَعْلَى أَنْ يَحْبِسُوهُ عَنْ الْأَسْفَلِ»، وَالْمُرَادُ بِهِ الْمَاءُ فِي الْوَادِي وَالْوَادِي اسْمٌ لِمَوْضِعٍ فِي أَسْفَلِ الْجَبَلِ يَنْحَدِرُ الْمَاءُ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ مِنْ الْجَبَلِ فَيَجْتَمِعُ

<<  <  ج: ص:  >  >>